المقالات

" عالمية عاشوراء "  

831 2022-09-18

عباس العطار ||

 

عام بعد آخر تزحف الملايين صوب كربلاء الإباء لتجدد عهد الوفاء والولاء لسبط النبي واهل بيته وصحبه في الاربعين من شهر صفر.

في كل عام ومع حلول هذه المناسبة المؤلمة تحدثني نفسي، واحدثها في زحمة من الافكار المتراطمة، ثم اخلص الى السؤال الآتي: لما تخشى الدوائر العالمية هكذا تجمعات بشرية، يتجسد فيها الكرم والتلاحم والتضامن والتآلف وتعزز فيها معاني الاخاء البشري والمحبة، وتترجم فيها مبادئ حقوق الانسان، اذ لا تمييز ولا تعصب ولا عنصرية ولا يسأل في هذه الاجواء الايمانية عن هوية المعزين ومعتقداتهم واتجاهاتهم؟

أليست هذه الملحمة هي دستور عالمي تتجلى فيها مبادئ وجوهر الحقوق والحريات؟!

عند ولادة الاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948، سعى النظام العالمي الى نشر وتعزيز وترسيخ اهدافه ومبادئه بكل ما يمتلك من امكانيات تبرز اهمية هذا المنتج الحقوقي الذي يعد انتصار عظيما لجهود البشرية في نضالها من اجل تأسيس نظام كوني يسود فيه العدل والمساواة ويصبح مرجعا تتوازن فيه منظومة الحقوق والواجبات.

لا شك ان هذا الجهد الانساني الكبير مثل انعطافة مهمة نظمت فيه علاقة الحاكم بالمحكوم، واصبح اداة للشعوب في مواجهة الانتهاكات، والحد من تغول وطغيان الحكام، بموجبه منحت الشعوب حقوقها العامة واستطاعت ان تعبر عن حريتها في الرأي وحقها في الاعتقاد وممارسة طقوسها  وفعالياتها بكل حرية.

في سياق مناسبة الزيارة الاربعينية هناك علاقة مباشرة بين هذا المهرجان  السنوي وجوهر ما جاء في الاعلان العالمي لحقوق الانسان، اذ ان هذه الفعالية وفي كل عام تترجم وثيقة حقوق الانسان، ففيها تلغى كل الفوارق اللا انسانية التي وضعها المتسلطون على ابناء جلدتهم، وفي هذه الممارسة الانسانية تتساقط التصنيفات وتتعالى قيمة الانسان وتتهاوى كل اشكال التمييز والعنصرية، بل تتحرر الذات الانسانية لتعود الى فطرتها، وتسقط اطروحات الحكام، فلا مكان هنا للعبودية والرق والتسلط والاستعباد، فالانسان اخ الانسان، وهنا تتجلى مقولة رائد الانسانية الامام علي بن ابي طالب عليه السلام “فإنّهم صنفان: إمّا أخ لك في الدين، أو نظير لك في الخلق”.

في السنن التاريخية تنتصر ملوك البغي والجور على ارض الواقع، بحسب العرف العسكري، وتموت الجماعة التي تتصدى الى دولة الظلم، فلا مقارنة بحسب المنطق بين القوتين، الا ان التاريخ الذي قرأناه والحوادث التي شاهدناها وعايشناها، كانت شاهدة على انتصار الثلة صاحبة القيم والمبادئ الحقيقية بعد حين من الزمن.

 لماذا انتصرت ثورة الحسين؟

ان هذه الثورة لم تكن صراعا سياسيا بين دولتين من اجل مطامع وغايات ومغانم، كما تصوره الاقلام المأجورة ووعاظ السلاطين، بل انها معركة قيم تقابل فيها طرفان احدهما جسد معاني الفضيلة بكل تجلياتها ونصاعة صورها، والثاني مثل ابشع صور الرذيلة والخسة والدناءة والانحطاط والسقوط والاجرام والفجور.

ان بشاعة ما ينقل من حوادث عن واقعة الطف يقربنا من السؤال الآتي: الا تستحق هذه الجريمة البشعة التي حلت بالحسين واهل بيته وصحبه ان تصنف ضمن الجرائم العالمية ضد الانسانية وان تدون في السجل العالمي للشعوب؟

وفي هذا السياق ايضا تتحفز في النفس الانسانية تساؤلات تتوق الى معرفة الاجابة، فعلى سبيل المثال لا الحصر: لماذا يرعب هذا المهرجان المهيب هذه الدوائر التي تدعي دفاعها عن حق الشعوب وتزعم انها تحترم عقائدهم وحرياتهم؟

يبدو من المؤشرات ان امتداد هذا الاشعاع الفكري بدأ يشكل هوية الانسان الجديد في الكونية العالمية بعد ان شوهت فطرته نظريات وفلسفات حطت من قيمته العليا، وأخذ البعض يعيد النظر في شكل العالم وتشكله، على وفق جوهر ثورة الحسين بن علي، التي انتزعت الشرعية من الحكام ودعمت احقية الشعوب على احقية الحاكم، وفندت نظرية الحاكمية التي تقوم على تطويع ارادة المحكوم الى نزعة الحاكم وتمنحه حق التصرف باموالهم وفرض منهج الدولة على الجميع، فلا حرية للتعبير ولا حق في الاعتراض والتمثيل.

ان ما يثير الرعب في نفوس المتحكمين في ادارة العالم ان المسير الى كربلاء أخذ طابع اخر، اذ بدأ أثير النهضة الحسينية يشمل من لا ينتمون لهذه المدرسة لا تاريخا ولا جغرافية، بل شمل هويات متعددة واجناس مختلفة، رأوا في قضية الحسين وصموده وثباته وتضحيته ومبادئه الحقة، ما لم يقرأوا او يسمعوا او يشاهدوا، فسرى حبه في النفوس وتهاوت امام ما قدمه من منهج انساني وبطولي وتضحوي كل النظريات اذ هو القائل " موت في عزّ خير من حياة في ذلّ".

الى/ دعاة السلام والديمقراطية

الى/ مدعي الدفاع عن حقوق وحريات الشعوب.

هل لكم ان تعيدوا النظر بمنهجكم ومنهجيتكم؟

أليس الافضل ان تتسوق نظريات حقوق الانسان والحريات العالمية من منهل هذه الثورة؟

ام ان السلام والديمقراطية والحرية التي تبشرون بها لا شرعية لها الا اذا مرت عبر انبوبكم الفكري والعقائدي والبراغماتي؟

ألا يكفي قتال وزيادة في الشحن الطائفي والعنصري بين ابناء منطقتنا المنكوبة؟

عودوا الى رشدكم وانزعوا فتيل الغل من قلوبكم فان كنتم تزعمون انكم ابناء المسيح او اليهود عليهم السلام فالحسين سليلهم وولدهم وهو الامتداد الحقيقي للنبوة ورسالة السلام والحرية.

 

ــــــــــــ

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك