المقالات

العراقُ يقاومُ ولا يساومُ ويمانعُ ولا يطبعُ


 

د. مصطفى يوسف اللداوي

 

لسنا بحاجةٍ نحن الفلسطينيين إلى من يذكرنا بالعراق الأصيل، وبأهله الأماجد، وسكانه الشرفاء، وشعبه العظيم، وتاريخه العريق، وصموده الرهيب، وثباته المهيب، وقتاله العنيد، ومجده التليد، ومواقفه الخالدة، وسياساته الرائدة، وراياته في الحرب الخفاقة، ومعاركه ضد العدو الباقية، وآثاره في أرضنا الخالدة، فتاريخه القديم والجديد شاهدٌ على شعبه المعطاء، وتضحياته العظيمة، ونخوته العربية، ومشاعره الصادقة، وسخائه وجوده، ونصرته ومروءته، وبأسه الشديد، وعنفوانه الحديد، وقتاله الضاري، واستبساله العجيب، وإقدامه الماضي كسيف، والقاطع كسكينٍ، والمندفع كسيلٍ.

لا نَشُكُ يوماً في حب العراق لفلسطين وشعبها، وعشق أهله لهم ولها، وصدقهم معها وإخلاصهم لها، وتفانيهم من أجلها، وتضحياتهم في سبيلها، فهي تسكن قلوبهم، وتجري مع الدماء في عروقهم، ويرضعونها أطفالهم مع حليب أمهاتهم، ويربون أبناءهم على حبها، وينشئونهم على الولاء لها، ويستنشقون عبيرها مع الأنفاس، ويشمون أريجها المنبعث منها كضياء، والممتد منها كنورٍ، فلا يحجبهم عنها شيء، ولا يمنعهم عن نصرتها أحدٌ، ولا يجبرهم على خذلانها سلطانٌ جائرٌ أو حاكمٌ ظالمٌ، ويسكنهم حلم تحريرها والصلاة فيها، واستعادتها والرباط فيها، وتطهيرها ونيل بركتها، فهي قبلتهم الأولى، ومسرى رسولهم الأكرم، ومعراجه إلى السماوات العلى، وفيها ثالث الحرمين الشريفين الذي إليه تشدُ الرحال.

الفلسطينيون جميعاً يحبون العراق وشعبه، إذ ما رأوا منه إلا خيراً، وما لمسوا منه إلا صدقاً، وما عرفوا عنه إلا أنه كان سباقاً إلى كل مكرمةٍ، وتواقاً إلى كل معركةٍ، وقد أغدق على الفلسطينيين وأعطاهم، ومنحهم وأسبغ عليهم، وكان سخياً أكثر من غيره، وجواداً أكثر من سواه، يحثو عليهم المال، ويغدق عليهم بالسلاح، وكان الفلسطيني الذي لم يَشْكُ فيه من غربةٍ أو وحدةٍ، بينهم معززاً مكرماً، فكان كالعراقي في حقوقه، وكابن البلد في امتيازاته، فلا يفرق العراقيون بينهم، ولا يقصرون في التقرب إليهم والتواد معهم، فكانوا جيرانهم في السكن، وأصهارهم في النسب، وشركاءهم في العمل، وأهلهم في الأفراح، والأقرب إليهم في الأتراح، وكانوا في المدارس مع أولادهم أترابُ، وفي الجامعات مع أبنائهم زملاءُ، وفي البعثات العلمية مع مبعوثيهم رفاقُ

أما العدو الصهيوني فهو يمقت العراق ويكرهه، ويخشاه ويخاف منه، ويحقد عليه ويتربص به، ويتآمر عليه ويخطط له، وهو يدرك قوته ويعرف قدرته، ويهاب من مجابهته ويهرب من مواجهته، فقد ذاق منه الأمرين، واكتوى جنوده من حمم ناره وقذائف دباباته، وأوهنت مدافعه قواه، وألحقت به قواته خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات، وما زال العدو يعدها ويحفظها، ويذكرها ولا ينساها، فقد شارك الجيش العراقي في كل الحروب العربية ضد الكيان الصهيوني، في الأعوام "48، 67، 73"، وكان لكتائبه صولاتٌ وجولاتٌ في أكثر من جبهةٍ مع العدو، وكان لجنوده بأسٌ عرفوه، وشدةٌ ذاقوا مرارتها، وكثافة نيران أوجعتهم.

لا يريد الإسرائيليون وحلفاؤه للعراق العظيم أن يعود إلى سابق مجده، أو أن يحافظ على صدق وعده، وأن يكون وشعبه إلى جانب الفلسطينيين ومعهم، جنوداً ناصرين، ومقاومين صادقين، وصناديد مقاتلين، أوفياء مخلصين، وعمقاً للفلسطينيين يؤوبون إليه، وحضناً دافئاً يلجأون إليه، وظهيراً صادقاً يعتمدون عليه، فهو يدرك أن العراق قويٌ إذا نهضَ، وصادقٌ إذا وعد، وصبورٌ إذا حارب، وجسورٌ إذا قاتل، وتاريخه الجديد يشبه تاريخه القديم، فالذي شردهم ومزقهم أول مرةٍ، وشتتهم وفرقهم وأدبهم وعاقبهم، عراقيٌ لا ينسونه، ولا يسامحون شعبه من بعده، ولا يأمنون بلاده التي كان يوماً ملكاً عليها وحاكماً فيها.

فرح الإسرائيليون وغنوا، وظنوا أنهم انتصروا وكسبوا، وأنهم حققوا ما يريدون ونالوا ما تمنوا، وأن الذين اجتمعوا على أرض العراق يخطبون وده، ويمدون يدهم لمصافحته، ويعلنون رغبتهم الاعتراف به ومصالحته، والتطبيع معه ومسالمته، سيلحقون بركب الموقعين على اتفاقية "أبراهام"، وسيوقعون مثلهم، وسيكونون فيه الطرف الأكبر والأهم، ومكسب الكيان الأعظم، إذ لا يوازي العراق بلدٌ، ولا تدانيه دولةٌ، ولا يبز تاريخه تاريخٌ، ولا تناطح حضارته حضارةٌ، ولا يكاثر شعبه شعبٌ، ما يجعل السلام معه مختلفاً، واعترافه بكيانهم مزلزلاً.

لهذا فرح الإسرائيليون للسراب الذي ظنوه ماءً، وطربوا للنهيق الذي ظنوه غناءً، وأشادوا بالقطيع الذي التأمَ وقد ظنوه شعباً، واستبشروا بالجعجعة التي ظنوها طحيناً، وما علموا أن المجتمعين سيخرجون من مكان اجتماعهم وقد غطوا وجوههم بالنقاب لئلا يعرفوا، وعضوا بأسنانهم على أطراف جلابيبهم وهربوا، وفي الظلام ومن الأبواب الخفية تسللوا، وقد أيقنوا عِظمَ ما اقترفوا، وفداحة ما ارتكبوا، وسوء ما أعلنوا، وعلموا أن عاقبتهم وخيمة، وخاتمتهم أليمة، ومحاسبتهم شديدة، وعقابهم قاسي، ولقد صدقهم النهار حدسه، ففضحهم عندما طلعت شمسه، وكشفت ببريقها زيف ما صنعوا، ونكثت بأشعتها باطل ما نسجوا.

هذا العراق العظيم لا يفرط ولا يساوم، ولا يعترف ولا يفاوض، ولا يهادن ولا يسالم، ولا يطبع ولا يُسَلِّمُ، وإن أخطأ بعض أبنائه هفوةً، أو زلت بهم الأقدام سقطةً، أو ضلوا الطريق غفوةً، فإنهم لن يغيروا وجه العراق ولن يطمسوا هويته، ولن يبدلوا ثقافته أو يشوهوا حضارته، ولن يشطبوا ماضيه أو يتنكروا لتاريخه، بل سيستيقظون لا محالة، وسيعودون عن ضلالتهم بلا شك، وسيندمون على فعلتهم، وسيتأسفون على جريمتهم، وسيتنكرون لمؤتمرهم، وسيعلنون البراءة منه والطهارة من رجسه، وإلا فإن الشعب العراقي الذي يحز الرأس التي تخون، ويقطع اللسان الذي يعترف بالعدو واليد التي تصافحه، سيلفظهم وسيلعنهم، وسيعلن البراءة منهم وسيحاكمهم، وسيجردهم من شرف الانتماء إلى العراق الأصيل، وسينزع عنهم رداء العروبة الشامخ، وسيعلن ردتهم عن إسلامه الحنيف ودينه القويم.

بيروت في 28/9/2021

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك