نــــــــــــزار حيدر
الإِصلاح مشروعٌ يعتمدُ على أَمرَينِ اثنَين؛
الرُّؤية والأَدوات.
فلا يمكنُ تحقيقهُ بأَمرٍ واحدٍ، وأَنَّ الذين يحاولُون الإِصلاح برؤيةٍ سليمةٍ من دونِ أَدوات سليمةٍ أَو حتى مع عدمِ وجودِ الأَدوات هم واهمُون، والعكس هو الصَّحيح كذلك.
ولو نقرأ تفاصيل نهضة الإِمام الحُسين السِّبط (ع) وخروجهِ على النِّظام السِّياسي الفاسد وكذلك تفاصيل مشروعهِ الإِصلاحي فسوفَ نجد أَنَّهُ حملَ رُؤيةً إِصلاحيَّة كاملةً من جانب، وهيَّأَ ووظَّف أَدوات سليمة لم يعتريها أَيَّ نوعٍ من أَنواع الفساد العَقدي مثلاً أَو المالي والأَخلاقي وغير ذلك.
ومن أَدلَّة الرُّؤية السَّليمة الثَّبات وعدم النُّكوص على الرَّغمِ من كلِّ التَّرغيب والتَّرهيب الذي مارسهُ الأَمويُّون.
ليس الحُسين السِّبط (ع) هو الذي ثبَتَ واستقامَ، وإِنَّما كلَّ مَن كانَ معهُ، فكلُّهم حديثهم حديث الحُسين (ع) وخطابهم خطاب الحسين (ع) وبدايتهُم بداية الحُسين (ع) ونهايتهُم نهايةِ الحُسين (ع) وهذا دليلُ طهارة أَدوات النَّهضة وإِخلاصها.
ولذلك كانَ مشروعهُ مُتناقضاً جُملةً وتفصيلاً مع مشروع الأَمويِّين الذي كان فاسداً بالرُّؤية والأَدوات.
بالرُّؤية عندما وظَّف طاغية الشَّام الطَّليق إِبن الطَّليق مُعاوية بن أَبي سُفيان نظريَّة الجبر والتَّفويض والتي خلقها له وُعَّاظ السَّلاطين ليغسلَ بها أَدمِغة الأُمَّة كونهُ خليفة مفروض الطَّاعة من الله تعالى الذي أَلبسهُ قميص الخِلافة بإِرادتهِ عزَّ وجلَّ، بغضِّ النَّظر عن أَيِّ معيارٍ دينيٍّ أَو حقيقيٍّ يتعلَّق بسيرتهِ مثلاً وأَفعالهِ وسلوكيَّاتهِ.
بالأَدوات عندما وظَّف الأَمويُّون الغارات المسلَّحة والإِرهاب والقتل والذَّبح وبقر بطون الحوامِل وإِستباحة الحُرم والتَّضليل والغشِّ والخِداع وصناعة الحديث المزوَّر والتَّآمر للسَّيطرةِ على المُجتمع وإِحكام سُلطانهِم الظَّالم.
أَمَّا أَدوات المشروع الأَموي فكانت المصلحة الشخصيَّة التي الحاكِمة في مواقفهم، فمنهُم مَن طلبَ مُلكاً قبل أَن ينخرطَ في مشروعهِم ومنهُم مَن طلبَ مالاً وذهباً قَبْلَ أَن يختلِقَ حديثاً ينسبهُ كذباً وزوراً لرسولِ الله (ص) حتى قَالَ قائلهُم؛
إِملأ رِكابي فِضَّةً وذَهباً
إِنِّي قتلْتُ السيِّدَ المُحجَّبا
قتلتُ خيرَ النَّاسِ أُمّاً وأَبا
ولذلك يمكنُنا الحكم على مشروعِ الحُسين السِّبط (ع) الإِصلاحي بأَنَّهُ كانَ حقيقيّاً بكلِّ معنى الكلمَة، فهو كانَ البديل عن المشرُوع الفاسِد الذي كان يحكُم الأُمَّة..
وهي الطَّبيعة التي يجب أَن يتَّصف بها كلَّ مشروعٍ إِصلاحيٍّ حقيقيٍّ وليس مزيَّفاً أَو لخِداع الرَّاي العام، أَو لإِستبدالِ فاسدٍ جديدٍ مكانَ فاسدٍ قديمٍ كما تفعل الأَنظمة السياسيَّة كلَّما استُبدلَ زعيمٌ بآخر ولأَيِّ سببٍ كان!.
إِنَّ الرُّؤية السَّليمة والأَدوات السَّليمة توأَمان لكلِّ مشروعِ إِصلاحٍ حقيقي غَير مُزيَّف.
خُذ مثلاً على ذلك، فعندما اعتلى أَميرُ المُؤمنين (ع) السُّلطة وأَطلق مشروعهُ الإِصلاحي القاضي بمكافحةِ الفسادِ المالي والإِداري الذي استشرى في مؤَسَّسات الدَّولة في عهدِ الخليفة الثَّالث، اعتمدَ رُؤيةً صحيحةً تستندُ على العدلِ بلا تمييز والتي تستتبع نظريَّة تصحيح المَسارات الخاطئة وعدم الإِسترسال معها بأَيَّةِ ذريعةٍ من الذَّرائع.
في نفس الوقت هيَّأَ الأَدوات السَّليمة لتنفيذِ هذه الرُّؤية فلم يعتمد، مثلاً، على جهازٍ فاسدٍ لتنفيذِ خُطَّة القضاء على الفسادِ، وإِنَّما أَسَّس جهازاً جديداً فَوْقَ الشُّبُهات وهو المعرُوف بـ [شَرَطَة الخميس] وهي بمثابةِ جهازِ المُخابرات الْيَوْم، مهمَّتها مُراقبة موظَّفي الدَّولة والضَّرب بيدٍ من حديدٍ على رؤُوس الحيتان الكبيرة بِلا هوادةٍ وتنفيذ أَشدِّ العقوبات التي تصدر عن الإِمام ضدَّ كلَّ مَن يتمُّ إِلقاءِ القبض عليهِ مُتلبِّساً بفسادٍ ماليٍّ أَو إِداريٍّ، بِلا تمييزٍ أَو أَيَّة إِستثناءات.
ولقد عيَّن الإِمام قادةً لهذا الجهاز هُم من أَطهر وأَنزه وأَنقى وأَوثق وأَشد وأَشجع أَصحابهِ الذين اعتمدَ عليهم في تنفيذِ رُؤيتهِ في الإِصلاح ومُكافحة الفساد، كان من بينهِم عمَّار بن ياسر وجابر بن عبدِ الله الأنصاري وعمرُو بن الحَمق الخُزاعي والأَصبغ بن نباتة ومَيثم التمَّار ورشيد الهِجري وحبيب بن مَظاهر الأَسدي ومُحمَّد بن أَبي بكر وقنبر مولاهُ وغيرهُم من أَصفياء الصَّحابة.
إِنَّ أَحد أَهم أَسباب فشل مشاريع الإِصلاح ومُكافحة الفساد في العراق هو أَنَّ المسؤُول عنها يفتقد إِلى الرُّؤية السَّليمة ولذلكَ تراهُ يتخبَّط في التَّصريحات وإِذا كان يتمتَّع برُؤيةٍ إِصلاحيَّةٍ سليمةٍ فهو لا يمتلك أَدوات سليمة، نزيهة وشُجاعة، أَو أَنَّهُ يُرِيدُ أَن ينفِّذ رُؤيتهُ الإِصلاحيَّة السَّليمة بأَدواتٍ فاسدةٍ قديمةٍ في عمليَّة تدوير مفضوحة! فكيفَ يستقيمُ هذا مع ذاك؟!.
فضلاً عن ذلك فإِنَّ المسؤُول عن مشروع مُكافحة الفساد المالي والإِداري يتحاشى منذُ البداية [العجُول السَّمينة] و [الرُّؤُوس الكبيرة] بحثاً عن موظَّفين صغار يقدمِّهم كأَكبش فِداء لذرِّ الرَّماد في العيُون.
أَمَّا أَميرُ المُؤمنينَ (ع) فعندما أَطلقَ مشروعهُ الإِصلاحي لمكافحةِ الفساد المالي والإِداري بَدأَ بكبارِ [الصَّحابة] ولَم يبدأ بالموظَّفين الصِّغار فبدأَ مثلاً بطلحة والزُّبير ومُعاوية وآل مروان وحاشية الخليفة الثَّالث الذين استغلُّوا قربهُم مِنْهُ أَبشع إِستغلال حتَّى قَالَ أَحدهُم [السَّواد، ويقصُد العراق، بستانٌ لقُريش، ويقصد بذلكَ الخليفة وزبانيتهُ وحاشيَتهُ، أَي بني أُميَّة].
https://telegram.me/buratha