سمير السعد ||
منذ تأسيسه، شكل الحشد الشعبي قوة وطنية رديفة للقوات المسلحة العراقية، وكان له دور بارز في التصدي لتنظيم “داعش” الإرهابي الذي اجتاح مساحات واسعة من العراق عام 2014
لقد لبّى رجال الحشد نداء الجهاد الكفائي وقدموا تضحيات جسيمة للدفاع عن الأرض والعرض، ما جعلهم رمزاً للفداء والوطنية في نظر الكثيرين.
ومع ذلك، تتعالى بين الحين والآخر أصوات تطالب بحل الحشد الشعبي، مدعية أنه تحول إلى جهة مؤثرة في المعادلة السياسية والأمنية خارج إطار الدولة.
تُثار هذه الدعوات في وقت يزداد فيه الحديث عن احتمالية عودة التنظيمات الإرهابية مثل “داعش”، وكأنها محاولة للربط بين وجود الحشد الشعبي واستمرار هذه التهديدات الأمنية، وهو أمر يثير تساؤلات عدة حول دوافع مثل هذه المطالبات.
الحشد الشعبي والواقع الأمني
يُعتبر الحشد الشعبي اليوم إحدى الركائز الأساسية للأمن الوطني العراقي. فقد أثبت فعاليته في تحرير المدن من الإرهاب وتأمين الحدود وملاحقة الخلايا النائمة.
ولولا وجوده، لربما استمر “داعش” في تهديد المدن والمواطنين، بل وربما تجاوز ذلك إلى تهديد الدول المجاورة.
ولكن، في ظل الإنجازات الأمنية، يُثار جدل حول دور الحشد في المشهد السياسي، حيث يتهم البعض فصائل داخله بالتورط في قضايا فساد أو بالتدخل في الشؤون السياسية.
وفي المقابل، يرى المدافعون عنه أن مثل هذه الاتهامات تأتي في إطار محاولات تقويض هذا الكيان الوطني وإضعاف العراق أمام التحديات الخارجية.
ما وراء الدعوات لحل الحشد
من الملاحظ أن بعض الدعوات لحل الحشد الشعبي تأتي من جهات خارجية أو أطراف داخلية مرتبطة بأجندات دولية، هدفها إضعاف العراق وفتح المجال أمام الفوضى الأمنية. هؤلاء يتجاهلون حقيقة أن الحشد الشعبي هو نتاج لحاجة أمنية ملحة، وأنه يمثل إرادة شعبية جاءت استجابة لنداء المرجعية الدينية.
“رسالة إلى المنتقدين”
لأولئك الذين يرفعون أصواتهم ضد الحشد الشعبي، يجب أن يُذكروا بما فعله هؤلاء الأبطال عندما كانت المدن العراقية تسقط واحدة تلو الأخرى، وحينما لم يكن هناك من يردع الإرهاب سوى إرادة الرجال الذين لبوا النداء.
اليوم، وبعد أن استعاد العراق أمنه بفضل دماء الشهداء، من غير المقبول أن يُشكك في دور الحشد أو يُطالب بحله.
الحشد ضمانة المستقبل ، قوة ضامنة لأمن العراق، جنباً إلى جنب مع الجيش والقوات الأمنية الأخرى. وإذا كانت هناك ملاحظات حول أدائه أو أدواره، فمن الأجدى معالجتها ضمن إطار الدولة ومؤسساتها، لا عبر التشكيك في شرعيته أو المطالبة بحله.
فالحشد الشعبي ليس مجرد تشكيل عسكري، بل هو رمز للصمود والوطنية التي أظهرتها أرض الرافدين في أحلك أوقاتها.
إن الحديث عن حله أو المساومة على وجوده هو أمر غير مقبول بالنسبة للكثير من العراقيين. فأرض العراق كانت وستبقى مقبرة لكل من يحاول العبث بأمنها واستقرارها، سواء كان إرهابياً أو داعماً له من الداخل أو الخارج. الحشد ، سيبقى درع العراق وصمام أمانه أمام كل التحديات.
في هذا السياق، يجب أن يدرك من يطالبون بحله أو التشكيك في دوره أن الشعب العراقي لن يقبل المساس بمكتسباته الأمنية أو النيل من تضحيات أبنائه. فالحشد ليس مجرد قوة عسكرية عابرة، بل هو منظومة وطنية تمتزج فيها عقيدة الدفاع عن الأرض مع الإيمان بضرورة الحفاظ على كرامة الإنسان العراقي وحقه في العيش بأمان واستقرار.
دعوة لتعزيز الحشد بدلاً من التشكيك فيه
بدلاً من التركيز على حملات التشويه أو المطالبات غير الواقعية، يجب أن تتوجه الجهود نحو تعزيزه وتنظيمه وفق أطر قانونية ورقابية تُسهم في دمجه الكامل ضمن المؤسسة العسكرية الوطنية. فهذا المسار هو الكفيل بضمان استمراريته كقوة داعمة للدولة، بعيداً عن أي تدخلات أو استغلال سياسي.
كما أن العراق يمر بمرحلة حساسة تتطلب تضافر الجهود ووحدة الصف، لا سيما في ظل التحديات الإقليمية والعالمية. وأي محاولة للنيل من الحشد الشعبي أو غيره من القوى الوطنية قد تُفسر على أنها استهداف مباشر لوحدة العراق وسيادته.
“رسالة إلى الشعب العراقي”
على الشعب العراقي أن يبقى واعياً لهذه المحاولات التي تسعى إلى زعزعة استقراره من خلال بث الفتن وإضعاف مؤسساته الوطنية. فالحشد الشعبي هو ابن هذا الشعب، وقد نشأ من رحم المعاناة ليكون الدرع الواقي للوطن. ومن واجب الجميع أن يقفوا خلفه ويدعموا مسيرته في الدفاع عن العراق وحمايته من كل غاصب.
العراق بلد عريق تعاقبت عليه الأزمات والتحديات، لكنه كان دائماً قادراً على النهوض بفضل تماسك شعبه ووفاء أبنائه. الحشد هو أحد الشواهد الحية على هذا الوفاء، وأي محاولة للتقليل من دوره أو المساس به لن تؤدي إلا إلى تقوية إرادة العراقيين في الدفاع عن كيانهم الوطني.
في النهاية، سيبقى الحشد الشعبي عنواناً للشجاعة والصمود في وجه كل من يحاول النيل من أمن واستقرار هذا الوطن.
https://telegram.me/buratha