المقالات

الدولة والعدالة والقضية الفيلية..!

1197 2019-04-30

طيب العراقي

تتفكك الدول بفعل ثلاث مسارات، الأول بفعل خارجي، نتيجة لتناقض حاد بالمصالح بين الدولة وأطراف خارجية، والتاريخ حافل بنماذج لدول سادت ثم بادت، بفعل تناقضها الحاد مع محيطها الدولي، والثاني تفكك لخطأ في بنيتها الأساسية، ما يجعلها دول معرضة للهدم، بفعل العوامل الهادمة الكامنة في بنيتها، ومنها ما ينشأ خلافا لمنطق التاريخ، ولعل أفضل الأمثلة التاريخية على ذلك، الدول (الإسلامية) العنوان (الشمولية) المضمون، كالدولة العباسية والدولة الأموية وبعدها الإتحاد السوفيتي ويوغسلافيا، والثالث تفكك بتفجرها من الداخل، بالرغم من أن مقومات بنائها الأولى كانت صحيحة، ومستمدة من مشتركات قاطنيها.

 تفكيك الدول، بتفجيرها من داخلها، كواحدة من أبرز الظواهر التي يشهدها العالم، منذ بداية القرن الحادي والعشرين، وتعرضت دول حوالي ثلث سكان الأرض لخطر التفكيك، وتعزى قابلية الدول للتفكك، إلى أسباب داخلية، وفشل الدولة وعجزها عن أداء وظائفها الداخلية والخارجية، والى تفكك بنية المجتمع! 

توصف الدولة بأنها فاشلة، إذا أخفقت في تحقيق وظيفتها الإدارية، والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويصبح حقها في الوجود موضع اختبار، ثم انتقاد الى أن تفقد مبرر بقائها،  لفقدها القدرة على ممارسة وظائفها.

من نتاج فقدها لوظيفتها؛ أنها تصبح خطراً على مجتمعها وعلى محيطها والعالم، ويبدو أن من بين ممهدات الإخفاق، هو التصميم السيئ للدولة، وتظهر نتيجة لفشل الدولة، الحركات المتطرفة والإرهابية التي لا تقف بوجه توجهاتها حدود، ويصاحب ذلك شيوع الفقر والجريمة والتطرف والتعصب، وكلها عوامل توفر إمكانية لتدخل الدول (الناجحة)؛ في الدول ( الفاشلة) لحماية وجودها، من تفشي عدوى (الفشل) فيها، وللمحافظة على أمن المجتمع الدولي وسلامته. 

الصورة قاتمة وأن كانت الآمال ليست كذلك، فلقد كانت فلسفة بناء الدولة العراقية الحديثة، في أوائل القرن الماضي، على أساس افتراض التناقض مع المحيط، وعبيْ مواطنينا بفكرة أن لجيراننا أطماع فينا، اعتقادا بأن تلك هو أفضل وسيلة لحشد الشعب خلف الدولة، على فكرة أن الدولة في الأمام والشعب ينبغي أن يسير خلفها، بدلا من أن تكون الدولة أداة بيد الشعب لتحقيق العدالة الاجتماعية، وأن تتصرف على أنها منفذة لآماله بالرقي الإنساني، تعاملت الدولة مع الشعب وفقا لثقافة القطيع، فالشعب وفقا لتلك الثقافة، أداة بيد الدولة وليس العكس، ونلك كان إيذان بزوال الدولة وهدمها..

الدولة العراقية الحديثة أنشأت على افتراض جغرافي خاطيء، والجغرافية لا تعني الحدود والتضاريس فقط، بل تعني أيضا الجغرافية السكانية والبشرية، التي لم تكن منسجمة مع مبادئ تشكل الدول، وحوت دولتنا مشاكل ديموغرافية مازلت تنمو فينا، ولم تتعامل الدولة مع تلك المشاكل بما يمهد لحلول عملية سليمة، بل لجأت الى حلول خلفت مشاكل أعقد، مثل عمليات التهجير والتطهير العرقي والتهجير وحجب الجنسية وإسقاطها على نطاق واسع، كما حصل مع المكون الفيلي المظلوم.

بعد أكثر من ستة عشر سنة على تهدم الدولة العراقية السابقة، بفعل عوامل الهدم التي أشرنا اليها، يبدو من الصعب بناء دولة جديدة على أسس جديدة، لأنه مازال يصطدم ببقايا فلسفة الدولة السابقة، التي مازالت تلقى رواجا بيننا، لاسيما أن ثقافة قرن بأكمله لا يمكن محوها بسنوات قليلة.

معالجة المشاكل تقتضي صبرا وتضحيات كبرى، وإذا أردنا دولة صالحة للبقاء، علينا العمل الجدي للوصول الى صيغة صالحة للبقاء، وأن نحترم حقوق بعضنا بعض، ومن بينها كل الحقوق الإنسانية والوطنية، وفي مقدمتها حقوق الفيليين قبل أن يطويها النسيان! 

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
almajahi : نحن السجناء السياسين في العراق نحتاج الى تدخلكم لاعادة حقوقنا المنصوص عليها في الدستور العراقي..والذي تم التصويت ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
جبارعبدالزهرة العبودي : لقد قتل النواصب في هذه المنطقة الكثير من الشيعة حيث كانوا ينصبون كمائنا على الطريق العام وياخذون ...
الموضوع :
حركة السفياني من بلاد الروم إلى العراق
ابو كرار : السلام عليكم احسنتم التوضيح وبارك الله في جهودكم ياليت تعطي معنى لكلمة سكوبس هل يوجد لها معنى ...
الموضوع :
وضحكوا علينا وقالوا النشر لايكون الا في سكوبس Scopus
ابو حسنين : شيخنا العزيز الله يحفظك ويخليك بهذا زمنا الاغبر اكو خطيب مؤهل ان يحمل فكر اسلامي محمدي وحسيني ...
الموضوع :
الشيخ جلال الدين الصغير يتحدث عن المنبر الحسيني ومسؤولية التصدي للغزو الفكري والحرب الناعمة على هويتنا الإسلامية
حسين عبد الكريم جعفر المقهوي : عني وعن والدي ووالدتي وأولادها واختي وأخي ...
الموضوع :
رسالة الى سيدتي زينب الكبرى
فيسبوك