المقالات

بين ركامِ الطرقات.. نفوسٌ مبعثرةٌ

1435 2019-04-24

حلا الكناني

 

تقع أبصارنا في كل مكان نبرحه على واقعٍ بات مريراً، وطفولة ابتاعت نفسها للتشرد والضياع بإرادة مسلوبة، وراحت تتخذ من السعي وراء الأشخاص والمركبات لعبةً لها، لتُريح جثمانها المُنهك في أعقاب الليل على ضياع يسلبها أي معنى لكلمة إنسان، ثم تعاود كرتّها، وكأنها غدت آلات ممكننة يديرها وحوشٌ أباطرة.

أترى ما الذي أحال تلك الطفولة البريئة إلى رجولةٍ كهلة؟ وما الذي دعاها لتسلب نفسها دفء الأمومة وحنوها؟ أتراها تلك الأيام النحسات التي عصفن بها فوجدت نفسها يتيمة على أبواب الطُرقات؟ أم تراها وجدتها صغيرة لأنثى حيوان تداركها الجوع فاقتاتت على صغارها؟ أم إنها أبصرت النور فأسّرها، ولما ادركت زيفه آثرت العودة لظلمتها؟

كلنا يعرف ان الحياة جميلة بزهوتها، ولكن تلك الطفولة ما عرفت سوى أنها بداية لموتها، و ما نعرفه ان الحياة تتبعها ميتة واحدة، وهذه الأرواح تموت في يومها ألف مرة أو ما يزيد، وتعاني صرعة موت بطيء يشلّها من دواخلها، فميتة عقل، وميتة جوارح، وميتة جسد، وميتة مشاعر، وهل منّا من يُطيق أي من ذلك؟ فكلنا راح يتذمر ، ولا يُرضيه واقعه،وإن كان نعيماً مقيماً، وتلك الطفولة تقنع بشيءّ من سدر قليل قد لاتطاله أيديها.

كفانا رقصاً على جروحها، وسخريةً بواقعها، وإعراضاً عن أحقيتها، وما لنا والاستعلاء، والغرور، وكلينا مخلوقَين من نطفة من منيًّ يُمنى، وسنلاقي ذات المصير، ونعود إلى ما تحت الثرى، لتصير آخرتها جنة المأوى، ونصير إلى جهنم، وما أخفى.

ننامُ قريري العين، وقد نحت الجوع والحرمان تضاريساً على جبهتها، ونستريح على أريكة و التراب مفترشها، ونستنشق النسيم العليل،و هجير الحر يكويها، فأي مفهوم للعدالة مؤمنون به نحن؟

رضينا أن نكون قضاة لا محامين، ورضينا أن نكون دعاة لا متهمين، وكانت تلك الطفولة البئيسة المعدمة المتهم الوحيد الذي لانخشى سطوته، ولا نهاب حيفه، ولكن شئنا أم أبينا فتلك الطفولة ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، وبها تُرتسم حروف معنانا، وبها تُخطُّ صفحاتنا، فإن أردنا أن ننهض فبها، وإن أردنا أن نعلو و نسابق الأزمان، فلنلمّ شتات تلك الورود المتناثرة في الشوارع والأزقّة، باحثة عمّا يُبقيها على قيد حياة فارقتها الحياة، ولنزرع في أعماقها الأمل الذي ما عرفت إلا ضده، ولنُغذي عقولها ونسقيها بأكسير العلم والمعرفة، لنشمّ رحيقها، ولننعم باكتمال أنسانيتنا التي لا تكتمل الابها، ولنذقها الشهد بعد طول العلقم، فهنيئا لكل من أحيا نفساً بعد تهالكها، وسخطاً لكل من قتل نفساً لأنه قتل الناس جميعها.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
يوسف عبدالله : احسنتم وبارك الله فيكم. السلام عليك يا موسى الكاظم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
زينب حميد : اللهم صل على محمد وآل محمد وبحق محمد وآل محمد وبحق باب الحوائج موسى بن جعفر وبحق ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
دلير محمد فتاح/ميرزا : التجات الى ايران بداية عام ۱۹۸۲ وتمت بعدها مصادرة داري في قضاء جمجمال وتم بيع الاثاث بالمزاد ...
الموضوع :
تعويض العراقيين المتضررين من حروب وجرائم النظام البائد
فيسبوك