المقالات

الجارة تركيا، و"لوزان" الثانية، وتداعيات الخرائط


قال الرئيس التركي في ٢٩/٩/٢٠١٦ بان "خصوم تركيا في الحرب الاولى" اجبروها التوقيع على معاهدتي "سيفر" (١٩٢٠) و"لوزان الثانية" (٢٤/٧/١٩٢٣) التي وضعت حدوداً جديدة لتركيا ونظمت عملية تفكك الدولة العثمانية. وفي ١٩/١٠/٢٠١٦ طالب الرئيس اوردغان مرة اخرى بتعديل معاهدة "لوزان" قائلاً ان المشكلة الاساسية هي "اعادة بناء المنطقة"، واشار لوجود خطة في غير صالح تركيا، وتهدد بقائها.. وأكد تقدم القوات التركية باتجاه مدينة "الباب" بعد تحريرها مدينة "دابق" السورية من تنظيم "داعش".. ويطالب الرئيس بـ"منطقة آمنة" شمالي سوريا.. واطلقت انقرة الشهر الماضي عملية "درع الفرات" لارجاع وحدات "حماية الشعب الكردي ypg"  القريبة من pkk الى الطرف الغربي للنهر، وقال السيد اوردغان في ١٩/١٠/٢٠١٦ ان "المنطقة الآمنة" التي انشأتها تركيا عند الحدود قد تمتد لمساحة (٥٠٠٠) كم٢. وأكد ايضاً السبت ٢٢/١٠/٢٠١٦ رداً على الخريطة التي تداولتها بعض وسائل الاعلام مؤخراً، وتظهر تركيا متوسعة وتضم محافظات سورية وعراقية، انه "يجب فهم ان كركوك كانت لنا، وان الموصل كانت لنا.. لماذا هذا الكلام لا يعجبهم؟ انا فقط قدمت درساً في التاريخ يجب فهم هذا".

اعلم ان كثيرين سيختلفون معي، لكننا نحب ان ننصِف ونُنصَف. لقد كنت -ولا زلت- من المعجبين بالرئيس اوردغان لشجاعته وصراحته وحسه الوطني والاسلامي وانتقاله بتركيا -كبلد مسلم- لمستويات عالمية متقدمة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.. وجمعتنا لقاءات عديدة رسمية وصديقة عندما كنت نائباً للرئيس وكان رئيساً للوزراء، وعندما كان رئيساً للجمهورية، وكنت وزيراً. لكن هذا كله لا يمنع من القول ان الرئيس (ان كان ما ينقله الاعلام دقيقاً) يري الامور من زاوية واحدة. والرؤية من زاوية واحدة خطيرة، لانها قد تخفي الزوايا الاخرى عن عين الناظر، دون ان تخفيها من الحقيقة والواقع. فكلام القادة والسياسيين عن خرائط قديمة، ليست دروساً تاريخية فقط، لان الاخرين لهم حساسياتهم ودروسهم ايضاَ.. وسريعاً سينتقل الجميع من التاريخ الى الجغرافيا والحقوق والتشكيلات الاثنية والمذهبية والدينية. وغالباً ما يقود الكلام عن الخرائط التاريخية لمغامرات وحروب تقود لسياسات ضم والحاق، او انقسامات وتجزأة. فهل نعود لخريطة الدولة الاكدية (العراقية) وفتوحات سرجون الاكدي (٢٣٤٠-٢٢٨٤ ق.م) والتي تضم اجزاء شاسعة من الاراضي التركية الحالية؟ ام الى خرائط الامبراطورية الاخمينية الفارسية (٤٨٦-٥٥٩ق.م) والتي ضمت الجانب الاوروبي من تركيا؟ ام للخرائط الاموية والعباسية التي تمتد الى مساحات قريبة من البسفور في مواجهة الدولة البيزنطية؟ فالكلام عن خرائط الدول الامبراطورية قادت لحروب مدمرة.. ودفعت شعوبنا ثمنها.. ونشهد اليوم اشرس حرب باسم "دولة الخلافة" و"داعش" تحت عناوين التاريخ بالزاوية الاحادية، وتدفع شعوبنا ثمنها ايضاً.

وقف شعب العراق بمرجعيته وقدم الشهداء في المعارك بجانب الجيش العثماني ضد الاحتلال البريطاني، دفاعاً عن الاسلام رغم ظلم النظام. خضع العراق للاستعمار، وهُزم العثمانيون في ١٩١٨، وفرضت عليهم "معاهدة سيفر" عام ١٩٢٠، التي ارادت تجزأة تركيا، ومنح كل الاقليات تقريباً كيانات سياسية مستقلة. فخاض الاتراك حرب "الاستقلال" ضد قوات يونانية وارمينية وفرنسية، اضافة لبريطانيا وايطاليا، فحققوا انتصارات مهمة لعب فيها "اتاتورك" دوراً بارزاً. فجاءت معاهدة "لوزان/١٩٢٣" كتسوية بين الطرفين. فاسست الجمهورية التركية في الاناضول وتراقيا الشرقية وجزء من الاراضي السورية، دون مكاسبها التاريخية القديمة الاخرى في الغرب والشرق، بالمقابل تم التنازل عن مشاريع تكوين الدول المستقلة للقوميات الاخرى. فهل نفتح هذا الملف بالاتجاهين ام باتجاه واحد؟ فهذه امور حساسة وخطيرة قد تقود لانزلاقات مدمرة، بغض النظر عن النوايا.

ان وقوف تركيا ضد "داعش" والارهاب هو من شروط النجاح. ونرى في تركيا جاراً عزيزاً يجب بناء اقوى العلاقات معه.. وان رفض العراق لعروض التواجد الميداني لدولة مجاورة، سببه انه يفتح خرائط التاريخ، ويقود لسياسات الحاق او المزيد من الانقسام. فنرجو مخلصين مراجعة المواقف. فاما اننا اعداء ودول طامعة، فلماذا نكذب على بعضنا؟ ام نحن دول وشعوب متجاورة ومتآخية، كما ندعي، وهو ايماننا، فيجب ان نجلس ونتفق على العيش والامن المشترك.

عادل عبد المهدي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك