المقالات

العراق أبقى ياحماس !

2102 04:35:00 2006-06-15

أقول إن تكرار هذه المواقف قد قتلت فعلاً أي مشاعر للتعاطف العراقي مع القضية الفلسطينية وأصبح الشعب العراقي تبعا لذلك ينظر الى الفلسطينيين نظرة ريبة واستغراب . فثمة تراكم طائفي تاريخي يطبق على العقلية الفلسطينية ولا يسمح لها أن تتحرر من عقدة الكراهية التي أفرزتها الطائفية........ ( بقلم : الدكتور طالب الرمَّاحي )

تعلمنا من التاريخ أن الشعوب تميل الى مصلحتها أولاً ، وهي بذلك لا تميل الى تبني مواقف تضر بتلك المصلحة مهما كانت الظروف ، وتعلمنا أيضا أن الشعوب تستفيد من أخطائها وتجاربها فهي تتبنى الصالح وتدفع عنها الطالح ، وكل ذلك هو جزء من تركيبة عقلية وتفكير الشعوب والفرد أيضا إذا افترضنا أن الإنسان بطبيعته يميل الى الجمال ويمقت القبح وهو يميل الى الخير ويتحاشى الشر ... هذا ما تتمييز به كل شعوب العالم إلا ( غالبية الشعب الفلسطيني ) فإن أمره غريب ومواقفه تثير الدهشة لدى العقلاء وأنا أدعو القاريء الى هذه الرحلة في تتبع مواقف غالبية الشعب الفلسطيني وخاصة الحركات الإسلامية منه خلال الحقب الأخيرة مما يحصل في المنطقة والعراق بالذات ، قبل أن نلقي نظرة على الأسباب .

* كانت الحكومة والحركات الإسلامية الفلسطينية تساند النظام السابق في العراق في حربه مع إيران وكلنا نتذكر القبلات والعناق الحار من قبل ياسر عرفات لصدام ، ونحن في العراق ندرك بما لايقبل الشك في أن الفلسطينييين في العراق كانوا يشكلون ركناً أساسيا في مخابرات صدام التي كانت تقمع الشعب العراقي . ونعتقد أن الحكمة في ذلك الوقت تتطلب أن يكون الشعب الفلسطيني على أقل تقدير محايداً طالما أن صدام يشن حرباً على إيران الإسلامية التي ساندت القضية الفلسطينية بشكل غير محدود واستبدلت سفارة إسرائيل بسفارة لفلسطين ، كما أن موقف الفلسطينيين المؤيد لصدام في حربه تلك دقت أول اسفين بين الشعب العراقي المتعاطف مع القضية الفلسطينية وبين أصحاب القضية لأن الشعب العراقي كان موقفه رافضا للحرب وأنه سيق إليها مجبوراً بفعل أجهزة أمن ومخابرات حزب البعث .

* الشعب الفلسطيني كان الشعب الوحيد الذي ساند صدام في غزوه للكويت ، علما أن العالم بأجمعه قد اتفق على أن الغزو كان جريمة إنسانية وأن صدام قد ارتكب خطأ فادحاً بحق دولة الكويت . لقد انفرد الفلسطينيون في موقف غريب يتناقض مع موقف كل دول العالم فقد ساندوا صدام في الغزو إعلاميا ولوجستيا ، وكانت النتيجة أن خسر الفلسطينيون موقعا اقتصاديا مهما إذ طرد ت الحكومة الكويتية كل العمالة الفلسطينية فكانت انتكاسة اقتصادية ما زال أثرها واضحا حتى الآن ، ناهيك من أن هذا الموقف الغريب قد أثر على موقف الكويت من القضية الفلسطينية بعد أن كانت تلك الدولة من الدول المهمة التي تساند قضية فلسطين سياسيا وماديا. وبالطبع كانت النتيجة التي خرج بها الشعب الفلسطيني مقابل ذلك .. لا شيء.

* كل العالم أجمعَ على أن نظام صدام كان نظاماً دموياً وديكتاتوريا شموليا قد فتك بالشعب العراقي وقد ظهرت أدلة هذا الفتك من خلال مئات المقابر الجماعية وأشرطة وسائل التعذيب الوحشية التي ظلت تعرض على شاشات الفضائيات طيلة الثلاث سنوات الماضية ، وكان من المفروض أن يكون الشعب الفلسطيني أقرب الى الشعب العراقي العربي المسلم في علاقاته وتفاعله ، وهذا مبدأ إنساني وعرف تاريخي ليس بين الشعوب التي تشترك في تاريخ واحد وثقافة ودين واحد وأنما أيضا بين الشعوب التي تخلتف في ثقافاتها وأديانها . ولكن الشعب الفلسطيني الشعب الوحيد في العالم الذي قلب هذه المعادلة وظل على طول الخط يساند الحكومة الصدامية على حساب الشعب العراقي ، وكان في كل المحطات يكيد للشعب العراقي المكائد من أجل أن يدخل السرور على قلب الحاكم من خلال التظاهرات المستمرة التي يحمل المتظاهرون فيها صور صدام وينعتونه بنعوت البطولة الزائفة وما شاكلها، وهو بذلك عمق الهوة بينه وبين الشعب العراقي.

* عندما قتلت القوات العراقية والأمريكية ولدي صدام وقد كانا معروفين بفسقهما وفجورهما وكثرة جرائمها بحق الشعب العراقي عمت الفرحة والبهجة ابناء الشعب العراقي ، أما الفلسطينيون فقد عمت مظاهر الحزن والجزع ونصبت سرادق العزاء والتأبين لهما وكان أحمد ياسين على رأس من حضر هذه السرادق ، علماً أن المسلمين الشيعة في النجف قد خرجوا حاملين صور الشيخ ياسين عندما قتله الإسرائيليون بغارة جوية ، انظروا الفرق الكبير بين الموقفين ، الشيعة تحزن لمقتل الشيخ ياسين وهو موقف إنساني إسلامي عربي وهم يحزنون لأسر أو مقتل جلادينا .

* عندما ألقت القوات الأمريكية القبض على صدام في حفرته البائسة بعد أن ظل هاربا من المعركة طيلة سنتين عمت الفرحة كل أبناء الشعب العراقي ، أما الشعب الفلسطيني فقد عمه الحزن والوجوم .

* أما اليوم وقد استطاعت القوات الأمريكية والعراقية أن ترسل ( الزرقاوي ) الى الجحيم ، كان الشعب العراقي يأمل من الفلسطينيين أن يصمتوا على أقل تقدير ، وأن لا يظهروا مشاعر الحزن أو الأسف عليه احتراما لمشاعر الآلاف من الأبرياء التي اعترف الزرقاوي مفتخراً بقتلهم ومتوعد الأحياء من الشيعة بمزيد من عمليات القتل والترويع . لكن وللأسف الشديد انبرت حركة حماس في بيان لها فاعتبرت الزرقاوي شهيد الأمة وقتله خسارة للأمة ، ولم يكتف الفلسطينيون بهذا التعدي على الشعب العراقي إذ راح وزير خارجية السلطة الفلسطينية يؤبن ( المجرم ) الرزقاوي بعبارات الأسف والحزن ...

إن سياسة الفلسطينيين شعبا وحكومة وحركات وأشخاص تسير في طريق تعميق الهوة بين الشعب العراقي والشعب الفلسطيني ، وهي بهذا الإصرار تحاول أن تقتل ما تبقى من مشاعر التعاطف العراقي مع القضية الفلسطينية وأنا لا أغالي إذا ما قلت إن المواقف المتتالية للفلسطينيين والتي غالبا ما تحاول أن تستخف بالدم العراقي وتمجد وتعظم من يسفك ذلك الدم الطاهر البريء، أقول إن تكرار هذه المواقف قد قتلت فعلاً أي مشاعر للتعاطف العراقي مع القضية الفلسطينية وأصبح الشعب العراقي تبعا لذلك ينظر الى الفلسطينيين نظرة ريبة واستغراب . فثمة تراكم طائفي تاريخي يطبق على العقلية الفلسطينية ولا يسمح لها أن تتحرر من عقدة الكراهية التي أفرزتها الطائفية ، وهذا يستوجب على الفلسطينيين جهودا ليست بالسهلة من أجل إصلاح ذلك الخلل الكبير وعلى رأس ذلك الإصلاح هو اختيار قيادة سياسية حكيمة وعقلائية تضع مصلحة الشعب الفلسطيني فوق ما تعتقده من أوهام سياسية ومواقف ابتنتها على اسس واهية من مزاعم الكثير من القيادات ( الكارتونية ) كصدام وأمثاله ، ساسة تنظر الى الشعوب كوحدة واحدة تسعى من أجل التقريب بينها ، لا أن تضحي بها من أجل شخص أرعن كصدام أو مجرم محترف كالزرقاوي . فالشعوب باقية بقاء الدهور والحكام تتبدل بين حين وآخر سواء كانوا طواغيت أو شرفاء ، وها نحن في تجربة نعيشها فعلاً ويدركها الشعب الفلسطيني الذي هو الآن تحت تأثير ( المخدر ) الطائفي أن صدام في المعتقل ينتظر يوم القصاص من الشعب العراقي الذي هو مازال حيا يرزق وشامخا ، وكذالك فإن الزرقاوي الذي أمضى الشعب الفلسطيني يراهن عليه في هزيمة الشعب العراق قد لقي مصيره المحتوم الأسود ، وها هو الشعب العراقي ما زال حيا يرزق وشامخاً ..

 إذن ماذا جنى الفلسطينيون بعد تلك السنوات من تأييد الحكام والمجرمين ؟ لقد خسر الشعب العراقي بالتأكيد ، خسر قلعة عنيدة كان ينبغي له أن لا يفقدها في الوقت الذي تخلت الشعوب العربية وحكوماتها عن القدس ، وفيه أصبحت إسرائيل ماردا يعرف الفلسطينيون قبل غيرهم أن لا طاقة لهم عليها.

الدكتور طالب الرمَّاحي

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
المقالات لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك