يخطىء من يراهن ان البلاد في طريق التفكك والانهيار.. ويخطىء من يتصور ان الازمة السياسية او الاقتصادية هي ازمة نهاية طريق.. انها ازمة في طريق له محطات وعراقيل وعوائق لابد ان نمر بها للوصول الى الاهداف.
فالوضع السياسي مضطرب لان البلاد بحاجة الى تغييرات جذرية، ولأن دعوات الاصلاح كانت كبيرة، وكانت اقرب الى الشعارات والذهاب الى الامور الشكلية والشخصية والكمية اكثر منها منهاجاً متكاملاً للاصلاح يعرف مصادر قوته وضعفه، ويستطيع تشخيص من اين يبدأ والى اين ينتهي، لتكون اولوياته الامور الاساسية والمؤسساتية والاجرائية والنوعية.. بل ان الدعوات كانت اكبر مما يستطيع الواقع ان ينتجه.. فالهدف سيبقى انشاء مجتمع فاضل وشعب عزيز هو المصدر الاساس للقوة والقدرة الامنية والاقتصادية والسياسية.. تمثله دولة كريمة عادلة تحاصر الفساد، وتحمي المواطنين في امنهم وحقوقهم وتحقيق الخدمات لهم.. دولة المواطن وليس دولة الحزب، او المسؤول.. دولة تلعب فيها الاحزاب والقوى السياسية دوراً قيادياً عبر حكومة ينتخبها برلمان يمثل الشعب وتحت رقابة الشعب.. لذلك حركت دعوات التغيير والاصلاح المطامح والمطالب ورفعت سقف الترقبات.. ولعلها اكتشفت اليوم او ستكتشف قريباً ان الذهاب للامور الشكلية، بحجة السرعة وفقدان المواطنين لصبرهم، يجعل الاصلاحات شكلية ايضاً.. وهكذا يضيع الوقت ونخسر ما كان يجب القيام به من خطوات محسوبة في منهج متكامل ومترابط للتغيير بمرتكزاته النظرية والتشريعية وبتوقيتاته وعناصر وادوات تنفيذه. وهكذا قد نرتكب مجدداً الخطأ الكبير، وهو ان اوضاعاً معقدة ومتداخلة، موروثة وحاضرة، لا يمكن حلها بالشعارات والعواطف والحلول السريعة والشكلية، بل بالمواقف القيادية التي تمتلك تصوراً متكاملاً للازمة وحلولها الحقيقية.
كانت شعارات التغيير والاصلاح اكبر مما يستطيع الواقع ان ينتجه.. اذ لا يمكن ان نتصور اننا سنتمكن من تفكيك دولة ريعية نفطية نسجت غزلها وشبكاتها ومصالحها داخل الدولة وخارجها، بل داخل البلاد وخارجها، خلال عقود طويلة من الزمن، ومن طبائعها الفساد والجمود والاحتكار والتفرد، اي كل ما ثرنا لتغييره. فبدل ان نستثمر ازمة اسعار النفط لاشاعة ثقافة الثقة بالنفس والاعتماد عليها، واستغلال كافة مواردنا وامكاناتنا، وهي كبيرة.. وتحريك القطاعات المنتجة الحقيقية وتوفير الخدمات الاساسية وتعبئة الشعب بحقوق حقيقية معنوية ومادية، وتحقيق علوية المجتمع والشعب على الدولة، بقيت الاعين مشدودة الى التعينات والوظيفة والرواتب وانتظار ارتفاع اسعار النفط مجدداً..
فعندما يقال "اشتدي ازمة تنفرجي" فهذا هو المقصود ان الازمات هي مفارق ايضاً لحلول.. ونعتقد ان الازمة الحالية الامنية والسياسية والاقتصادية قد تكون محطة لاعادة النظر والبدء بمرحلة جديدة وصولاً للاهداف المطلوبة. ويقول سبحانه {ان مع العسر يسرا.. ان مع العسر يسرا} فالامران متلازمان، فاليسر لا يأتي بعد العسر، بل معه.. كذلك يمكن القول، ان الازمة والحل مترابطان.
عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha