واثق الجابري
أكاد أجزم أن أكثر من نصف المعركة، التي يواجهها العراق كانت إعلامية، ولم أستغرب قيام داعش بتحطيم متحف الموصل بطريقة بشعة، وبالأمس القريب يتبجحون بنشر مقاطع قطع الرؤوس، وحرق الأجساد والمتاجرة بالنساء.
ركز داعش على إستخدام مشاهد الرعب وإثارة الهلع، وأنطلق من صور تثير إستغراب الرأي العالمي، وتكون أكثر تناولاً إعلامياً.
أستخدم داعش وسائل الإعلام؛ كرأس رمح في المعركة، وأسقط مُدناً دون أن يخسر سلاحاً ولا رجالاً، وتفوق على الإعلام المحلي، الذي إنقسم بين معادي للعملية السياسية، يستخدم الحرفية في تشويه الحقائق، وإعلام وطني مرتبك بتأثير غباء الساسة، وأستخدم كلاهما الطائفية وتركوا الوطن؟! ومنهم من إنحدر الى السطحية، وعدم القدرة على تفكيك شفرة بربرية، عادت بأفعالها الى عصور بَقر البطون، وإثارة الرعب والإستسلام.
إعتمد الإرهاب على صفحات التواصل الإجتماعي، وكان تويتر الأكثر إستخداماً؛ لسعة العالمية، بينما إنشغل المجتمع العراقي بصفحات الفيس بوك وفق ميولات حزبية، تنشر صور بطولات فارغة لمسؤولين لا يمثلون الحد الأدنى من الأداء المهني، ويثر مشاعر الإستهزاء والإستغراب، بين أمكانيات العراق وحجم الإنجازات، ويولد تنامي الإعتراض، والغليان ضد القوى التي تنهب المال العام، وتخط أوراق لا يستطيع كل المتلقين التفرقة بين رثها وسمينها.
بعد سقوط عدة مدن عراقية، والطبيعة التي رافقت الأحداث، جعلت كثير من الطوائف ملزمة بالإجتماع، وكسرت قيود التضليل الإعلامي والسياسي، ووجد النازحون ترحاب وعناية، وتقديم عون كان مغيباً عنهم طيلة سنوات، مقابل همجية داعش، وتماديها بذبح العراقيين والإعتداء على حرماتهم، وهيمنة أيادي منغمسة بالجريمة والرذيلة غير عراقية، لا تفهم طبيعة التقاليد التي تحكم تلك المناطق.
يبدو أن الصورة أصبحت مختلفة، وصار الشارع يشعر بالخطر، وتولد لدى المواطن والقنوات الفضائية، وعي وإدراك أن الإرهاب لا يستثني أحد، وبدل نشر صور الدماء وقطع الرؤوس، والعمل دون دراية كوسيلة إعلام لصالح الإرهاب، أصبح التداول لصور البطولات، ويتفاخر الشباب بإرتداء البزة العسكرية، وتفتخر عوائل الشهداء على سواها، ويتسابقون لتقديم عطاء أكثر.
تحول الوعي المجتمعي الى ثقافة موحدة، وأن الوطن في حالة غرق ومن يتخلف يكون من الخسائر، وغابت الصور التي صورها الساسة على مصالح ضيقة، وبدأت العشائر في الرمادي والبيشمركة يلتحمون بالحشد الشعبي والقوات المسلحة، وشكلت الموصل وصلاح الدين وديالى قوى، كانت هي العون في تحرير ديالى ومسك الأرض، ولعبت القوى السياسية والعشائرية دور محفز في تحرير مناطق مهمة في صلاح الدين، وحماية العتبات المقدسة في سامراء.
صمود آمرلي والضلوعية خير مثال لحماية المناطق من أهلها، وفي ناحية العلم قدمت الشيخة آمية آال جبارة مثال للبطولة والشرف، وبذلك شكلت عشيرتها فوج أسمته (فوج الشيخة أمية ألجبارة)، وذيل الشعار بأسم الحشد الشعبي؛ حتى بدأت ساعة الصفر في معركة تكريت، وإذا بها معركة خاطفة تعاون فيها الحشد الشعبي والقوات المسلحة وأبناء المناطق، وحتى من كان يخشى قوة داعش بدأ بإدراك أن العراق لا يمكن أن يعيد هيبته بدون أبناءه.
تشير الأنباء عن هزيمة كبرى لداعش في صلاح الدين، وأن الجثث تملأ الشوارع، ولم يعد لورقة الطائفية دور، مهما حاول داعش أن يصور أنها كذلك.
إنكشفت المعايير التي صورها الإرهاب، وبدأ القوات بتفرعاتها تلتحم على بعضها، ويبدو أن الضربة كانت صاعقة خاطفة، وسوف تولد نوع من الرعب والإنكسار لدى الإرهاب، ولم يعد لوسائله التقليدية جدوى؛ من الإحتماء بالمدنيين وإستخدام الورقة الطائفية؛ في ظل وعي مجتمعي متنامي تجاه الإرهاب، الذي سفك دماء المجتمع بمختلف توجهاته، ومن الواضح أن موازين الإرهاب تحولت الى هزيمة صار يعلنها، وأن التجربة أعطت درساً بليغاً لأبناء تلك المناطق أولاً، وأن المحنة كانت سبب لنبذ خلافات كان الإرهاب يسعى لديمومتها.
https://telegram.me/buratha