قاسم العجرش
صحيح أن المشكل الأمني، سيما بعد 10/6 وما تلاه من أيام، يشكل الهم الأول، في قائمة هموم وإهتمامات العراقيين وساستهم، لكن دعونا نفكر بعيدا عن نظرية المؤامرة، التي ترى أن ما يجري من تداعيات أمنية، لا تهدف إلا لتعطيل العملية السياسية، وإتمام تشكيل الحكومة، لأنه تفكير آني وسطحي، يلغي الأسباب الحقيقية، التي تقف وراء ما حصل، وفي مقدمتها العمل على إعادة المعادلة التأريخية المقلوبة، حيث أقلية تحكم أكثرية منذ 1400 عام!
يتعين أن نبتعد عن هذا التفكير المبسط، الذي يقاربه محدودي التفكير، أو الذين لا يعرفون إلا العيش في آجام نظرية الشك..
منذ ثلاثة عقود من الزمن، أي منذ إنهيار الإتحاد السوفيتي ومنظومة الدول الإشتراكية، والعالم في تغير دائم، وليس بالإمكان العودة الى الوراء، وبشأن ما يحدث في منطقتنا، فإن سايكس بيكو هرمت، وتجاوز عمرها قرن من الزمان، وهي وما أنتجت تحتضر، وقريبا ستشيع كجثمان الى مثوى التأريخ!
ربما سأرجم بآلاف الأحجار لما أقوله، لكنها الحقيقة التي يتعين أن نعد أنفسنا لها، وأن نتعامل مع ما حصل وسيحصل بما نريد، لا بما يريده لنا الآخرين!
العالم من حولنا يتغير بسرعة مضطردة، ومن أراد أن يحجز لنفسه مقعدا في المستقبل، عليه أن يرتب أوضاعه، لكي تتوائم مع عملية التغيير، لكننا لم نفعل شيئا، وما فعلناه يشكل تراجعا ونكوصا، بمقاييس التغير الذي يتسارع، غيرنا الى الأمام ، ونحن ننكص الى الخلف، ويوما بعد يوم تزداد المسافة الفاصلة مع غيرنا، هم بالإتجاه الموجب،ونحن بالإتجاه السالب!..
لذلك وما دمنا لا نمتلك أدوات كثيرة للتأثير، على أن نصنع أدواتنا، وأولها أن نبني بنية تحتية قوية، لا تكفل لنا العيش في عالم دائم التغير فحسب، بل أن نكون وبقوة بنيتنا تلك، فاعلين ومؤثرين في العالم..
البنية التي أتحدث عنها، هي ليست الطرق والمطارات، والسكك الحديد والموانيء وغيرها مما ينصرف اليه الذهن أولا فحسب، بل أن نتهيأ ماديا وروحيا، ونكون متصالحين نفسيا مع الواقع الجديد.
نحن بحاجة الى أن نبني أنفسنا مجددا، لكي نلحق بالعالم الذي يعيد تشكيل نفسه، حيث تُبنى مجتمعات جديدة في كل شيء، في السياسة والعلوم والتكنولوجيا والاقتصاد، وفي التشكل الديموغرافي، وماكينة الشعوب حية متحركة، تعمل على إعادة إنتاج نظم جديدة في التعليم، وأطر العمل، والقوانين والمشروعات المجتمعية، لتنتج مخرجات بقيم نفسية وأخلاقية ومجتمعية جديدة، تتراكم في المعرفة والانجاز، و لا يمكن أن يأتي التغيير بفعل خارجي، إلا إذا كان مكملا ومساعدا.
كلام قبل السلام: تغيير الأمم والمجتمعات الإيجابي يبدأ ذاتيا، لا بإستقدام القوات الأمريكية، فهذه ستعيدنا الى الوراء حتما!
سلام.....
https://telegram.me/buratha