بسم الله الرحمن الرحيم : اللهم عرفني نفسك فإنك إن لم تعرفني نفسك لم اعرف نبيك . اللهم عرفني نبيك فإنك إن لم تعرفني نبيك لم اعرف حجتك . اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني .
عرفاناً بالجميل وامتناناً للمبذول من الجهد الطويل ، ما كان منه من معاناة الجهات المسؤولة في الجامعة أو الكلية ، أو ما كان منه في إضفاء النزعة العلمية والسلوكية الوقادة ، ارتقاء بمستوى لائق بمدينة أمير المؤمنين () من أساتذة كبار في العلم أعلام في مستوى المعمورة ، يقف أمامكم ابن بار ، وأخ متواضع لكم في العلم ، أصالة عن نفسه ، ونيابة عن أقرانه المخلصين الأوفياء ، معلناً ذاك العرفان .
نعم : لزاماً علينا جميعاً النهوض بالواقع العلمي المعاصر في حاضرتنا المقدسة هذه ، والتي طالما كرمنا بنسبتنا إليها ؛ فكان حقيق بنا الوفاء لذلك بقلب صادق وعمل لا نرجو منه جزاء ولا شكوراً .
إنَّ المراقبة لتوجهات النفس هو السلوك الحقيقي لأهل الطريق الصالح ، وبها تكون تصفية السر و ملاحظة ما سوى الله تعالى ، والنفس لو خليت والطبع والغريزة والعادات والأعراف لظهرت بالدعاوى . والمؤمن هو الذي لا ينساق لأهواء نفسه بل يكون هوى العبد تبعاً لطاعة مولاه .
عذراً أنا في هذه الكلمات كناقل التمر إلى هجر . إلا أننا لا نشك أنَّ من النعم على النائم الذي طال به النوم أن يوقضه أحد ، ولا يرى بذلك إلا نعمة إلهية هي مدعاة للإلتفات والتنبيه إلى ما آلت إليه الأنا في النفس من تركيب معقد بعد أن غادرت مقام البساطة والإطمئنان .
قال أمير المؤمنين : ( من نصب نفسه للناس إماماً فليبدء بتعليم نفسه قبل تعليم غيره ، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه ) .
وقال : ( العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن القلوب كما يزل المطر عن الصفا ) .
إنَّ التعامل المحمدي ومراقبة ما حولنا على أن نرى الله تعالى قبله وبعده وفيه ومعه ، ولا نبالي بعد ذلك لو قيل فينا ما قيل . إنَّ ذلك لمغيّر لتلك النفوس بل لمحييها وبانيها . ويكون داعياً خفياً لآل محمد ( ص ) ، ومن يتشوق أن يكون من أصحابهم وخاصتهم – جعلنا الله تعالى جميعاً منهم - فعليه أن يرابط أمام ثغر نفسه فإنّها أعدى أعدائه ، فلا يسلمها زمامه لتشغله بالأرض وعلقها .
سيدي يا أمير المؤمنين : على باب ولائك ينيخ الحب راحلته وترتاض النفس لنفي هواها حتى تعرف الحق بك لأنك ميزانه ، وقد تصابرت على الإقامة في الإنقياد لهم حتى كانت لكل باب من أبواب مرضاتك يد قارعة ، فكان ملاك أمرها متابعتك وقد أنكر أكثر الناس أمرهم وإن كان أكثر الحق فيما ينكرون . ولم ترسو سفينة الموالين بل أبحرت إلى أبعد من شواطئ الإحساس والركون لواردات السمع والبصر والميل لما سمع ورأى ، حين لم يفارقهم خزيمة ذو الشهادتين في نيته بعد أن تجاوز شرط الحس للشهادة ؛ لأنَّ إيمانه برسول الله وما جاء به من خبر السماء كان أبلغ من شهادة حواسه ، بل ارتقى آخرون لتجاوز ظاهر الإمتثال والتسليم إلى الإنقياد تطلعاً لعالم الإندكاك بهم عليهم السلام حتى بالخطرات ، ذاك مقام المقربين المظهرين لأمره ، لا يسبقونهم بالقول ، وهم بأمره يعملون ، ونصحوا في سرهم كما في علانيتهم .... فأين نحن بكليتنا وبصرحنا ونفوسنا منهم ؟؟ وها هي تتهاوى يوماً بعد آخر إلى أن وصل الرقي بها في اللا معرفة ، وسياسة النفاق حاكمة ، والأنا متألقة ، وخريجها بات بعض منهم لا يعرف كيف يتوضأ ، وتلك أختنا في مناقشة بحثها بعد أن رشحت للتسابق على مستوى الجامعة لا تفقه أن الزواج أفي حقل العقود هو أو الإيقاعات وأخشى أن تراه يوماً عبادة وبالتالي نتوقف على قصد القربة ويذهب فقه آل محمد سدى ؟؟ .
عجباً أكلام يقال من باب نواد المؤمنين فما بال غيرهم ؟؟ ثم ما وجه الترجيح بمناقشة كبيرة أمام من يعلم ومن لا يعلم الحال لبنية الكلمة في التفسير ليعتلي رئيساً للمناقشة فيها يحاكي علم الكلام والعقيدة أمجر اشتراك حروف الكلام وحدت الإختصاص ، أو هي الغفلة من المختصين ، أو هي اللقمة ورغيف العيش وإن طفنا بلدانا ورحلنا سنيناً متخذين العهد إلا أن يتلقفوها ويتشرنقوا دونها ، ولكن هيهات أن يغلبني هواي لكنها هواجس تفتقت محذرة من ويلات العتاب من حارس مدينة أمير المؤمنين ( ) ولربما تسلب البركة من المؤسس لعدم رضاه بما يجري في رابعته .
في حديث لأمير المؤمنين () يقول فيه : ( قد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلا إدباراً ولا الشر إلا إقبالاً ولا الشيطان في هلاك الناس إلا طمعاً ........ إضرب بطرفك حيث شئت من الناس فهل تبصر إلا فقيراً يكابد فقراً ، أو غنياً بدل نعمة الله كفراً ، أو بخيلاً اتخذ البخل بحق الله وفراً ، أو متمرداً كأن بإذنه عن سمع المواعظ وقراً . أين خياركم وصلحاؤكم وأين أحراركم وسمحاؤكم وأين المتورعون في مكاسبهم والمتنزهون في مذاهبهم . ظهر الفساد فلا منكر مغيّر ولا زاجر مزدجر أفبهذا تريدون أن تجاوروا الله في دار قدسه وتكونوا أعز أوليائه عنده هيهات لا يخدع الله عن جنته ولا تنال مرضاته إلا بطاعته ) .
أطلت بموقفي أمامكم إلا أنها رغبة النفس وتطلعات الزملاء المخلصين الساعين في الأرض إصلاحاً أن نشد الأزر سوية للنهوض بالواقع العلمي المعاصر ، والنهوض بالسيرة المحمدية التي غيبت على مدى الأيام وإن تعهد بها أمام أحد المرجعيات الرشيدة في النجف الأشرف بعض المعتلين في الجامعة ، ولكن لم نرها على أرض الواقع ، مما جعل مصداقية الوعد مصداقاً لقولهم : دع الخلق للخالق ، وحيث لا يصح في مثل مدينتنا المقدسة الترهل والتميع والإنصياع للغرب من أخوتنا الشباب . نجد اختنا الكريمة كذلك فبدلاً من توفير أمتار القماش للستر بدأت تنفق أثمانها للتزّين الخارج عن حد اللياقة . واعتقد أن هنالك فرق بين اللائق وحد اللياقة ، وبين المقبول والمرفوض . فهل هذا من العفاف ؟ هل أن مثلها الأعلى زهراءً كانت أو زينبياً والتي لم ترخ سترها وان طاف بها الأعداء بلداناً و سلبوا حرمتها . أو هو البحث عن النمط الغربي والموديل أو البرستيج المزعوم كما يتشدقون بهذه الألفاظ المستوردة بدعوى الثقافة والمستبطِنة للإنحلال المبرمَج والتحكم عن بُعد بأخلاقياتنا ، والمتمحورة حولكم باعتباركم الطبقة المتلقية والحيوية والفاعلة نسبياً أو المثقفة كما يقولون .
أيها المتفقهون : لماذا لا تكون مدرستنا الإسلامية نموذجاً لكم ونحن في بقاع تتشرف ملائكة الجليل بها ؟ هي النجفُ وما أدراكم ما النجف ُ ؟ .
لماذا التسليم لهذه الثقافات ؟ علماً إنني لا أعني بذلك الحد من الحرية الشخصية ولكني أرى أنَّ جامعتنا في بلد أمير المؤمنين () ولابد فيها من وجود مسحه ونكهة نجفية لروادها تنعكس حتى على ذواتهم النقية وتوفيق الله تعالى له فلماذا البعد عن الله ؟ ، واعلموا أن نار البعد اشد من نار اللظى .
يقول أمير المؤمنين ( ) : ( ومن عشق شيئاً أعشى بصره وأمرض قلبه ، قد خرقت الشهوات عقله وأماتت الدنيا قلبه وولهت عليها نفسه فهو عبد لها ولمن في يده شيء منها حيثما زالت زال إليها ، وحيثما أقبلت أقبل عليها ، ولا يزدجر من الله بزاجر ولا يتعظ منه بواعظ وهو يرى المأخوذين على الغِرة ... فهو يعض يده ندامةً على ما أصحر له عند الموت من أمره ويزهد فيما كان يرغب فيه أيام عمره ويتمنى أن الذي كان يغبطه بها ويحسده عليها قد حازها دونه فلم يزل الموت يبالغ في جسده حتى خالط لسانه سمعه فصار بين أهله لا ينطق بلسانه ولا يسمع بسمعه ، يردد طرفه بالنظر في وجوههم . يرى حركات ألسنتهم ولا يسمع رجع كلامهم ..... ) .
ميوعة وتحلل ، وازدواج في الشخصية ، وترهل في الخلق ، وضعف في الإرادة ، ومسخ في معالم الرجولة.
حرية فردية ومجتمعية بدأت تتعالى بدعوى الثقافة والإنفتاح ، ألهذه الحرية المطلوبة حدٌ تنتهي عنده ،ولا تتجاوزه ؟ أم هي الانطلاق الكامل لا إلى حد أو هي الفوضى الممزوجة التي لا تصلح أن تكون ركيزة لقانون.
لذا علينا أن نقف وقفة مشرفة صادقة تتناسب ومستوى المسؤولية ، إنطلاقاً من جامعتنا الموقرة الحاملة لاسم عاصمة الدولة الإسلامية آنذاك ؛ رائدة الفكر ، محط أنظار العالم الإسلامي ، مدرسة تخرج منها الكثير حتى لأدرك الحسن الوشا في عصر واحد 900 رجلاً منهم في مسجد الكوفة كلٌ يقول حدثني جعفر بن محمد () .
ولنرتقي بكليتنا الأم ( الفقه ) وريثة ما شيده الشيخ المظفر ذاك الرجل المعطاء عرفاناً له بكل ما نحمل من فكر وإبداع .
ختاماً نبتهل إلى الله تعالى أن يسددنا لما يحب ويرضى ويجعلنا وإياكم من أهل الحق والحقيقة ، الخارجين من سلطان النفس ، الفارين منه إليه ، الداخلين في سلطانه حيث لا سلطان إلا له ، وأسكنني وإياهم جنة القرب ، وأعاذنا من نار البعد ، وأوردنا مناهل رحمته ، وهيأ لنا نوراً تكشف فيه ظلمات الإحساس ، نوراً لا ظلمة فيه ، وعلماً لا جهل فيه ، تنعدم فيه الصفات والأحوال ، يكون العلم فيه مقاماً لا يسكت صاحبه عن عَي ، ولا ينطق إلا كشجرة موسى () ، عندها يكون العلم منه إليه ، نسأله الرحمة وهو أرحم الراحمين ، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين.
د.جواد احمد البهادلي
https://telegram.me/buratha