بقلم الشيخ جلال الدين الصغير
مع من نتحالف؟
انتشر خلال الشهر الأخير خبراً بلا مصدر حقيقي!! أن كتلة المواطن عقدت تحالفاً بينها وبين متحدون والأحرار والأكراد لإزاحة السيد المالكي من مسعاه للولاية الثالثة، وسرعان ما سرى كالنار في الهشيم لأنه اعتمد كسياسة ممنهجة من قبل النافذين في أحزاب الحكومة، وظلت قنوات هؤلاء تروج للخبر بطريقة وأخرى وتم إدخال شبكة الإعلام الحكومية في الخط، ولم تنفع كل التأكيدات النافية له والتي صدرت من الجهات المعنية بهذه الكتلة، حتى بات قصة يصدّقها الكثيرون فالمحب يأتي راجياً ان لا نتحالف مع هؤلاء، والمنافس شامت بذلك، والمتردد عاتب ومستنكر، ولهذا لا بد من مناقشة هذا الموضوع بشكل هادئ بعيداً عن صخب المغرضين.
وبداية أشير بأننا نمتلك من الصراحة ما لا يزايد علينا فيه أحد، وهي صراحة كبدتنا الكثير من الأضرار، ولكن ليس من نهجنا أن نخبئ ما نفكر به في طيات الكواليس، كما أنني أؤكد بان ما من كتلة من الكتل السياسية إلا وتفكر بشكل جدي في صياغة تحالفاتها المستقبلية، وتحرص على ذلك، فالقوة تكمن في تمتين هذه التحالفات، وليس في فرطها، وقد عرف عنا أننا الجهة الوحيدة التي لم تنتهج نهج التأزيم والتصعيد حتى مع أكثر الجهات إضرارا بنا، ولم تستفزنا كل هذه الإجراءات باتجاه أن نتخلى عن هذا النهج، بل أبقينا دوماً أبوابنا مفتوحة للتلاقي مع كل الجهات التي تتلاقى وبرامجنا وأهدافنا السياسية دون أن يضير هذا التلاقي في احتفاظنا بمنهجنا وببرنامجنا ورؤانا السياسية.
اذا ما انتهينا من ذلك، فبودنا أن نتساءل عن مصدر هذه الإشاعة، وكم من الذين يرددونها قد تأكد بانتهاجنا لهذا الطريق، أو ليس من الحق العمل بمبدأ: إن جاءكم فاسق بنبأ؟ وهو أمر مؤسف للغاية جداً أن يصدّق بعض الناس كلما يقال له في ساحة عرفت بكثرة التهريج والتسقيط الاعلامي والسياسي فيها، دون السؤال عن مصداقية كل ذلك!!
والمثير أن الجهة الوحيدة المتحمسة لنشر وبث هذا الخبر هي الأكثر تورطاً بموضوع هذا التحالف، إذ من الواضح أن الأخوة في دولة القانون متحالفون ومنذ أربعة سنوات مع هذه القوى بشكل فعلي بالاضافة إلى مجموعة صالح المطلك وطارق الهاشمي، فلو كان ذلك معيباً فلماذا أبقوا تحالفهم هذا طوال السنوات الأربعة وتشاركوا في حلو ومر هذه الحكومة، وتقع عليهم مسؤولية كل ما جرى طوال هذه السنوات الأربعة، فمتحدون ووزارؤها إنما جاء بهم الأستاذ نوري المالكي نفسه، وهو الذي وقع على ترئيس أسامة النجيفي على رأس أعلى سلطة دستورية في العراق، وطارق الهاشمي من استنابه على رئاسة الجمهورية هو نفس السيد المالكي والرجل لا زال لحد الآن يقبض رواتبه من حكومة السيد المالكي مباشرة، وصالح المطلك من تحمس لإخراجه من إسار اجتثاث البعث ثم نصبه في موضع نائب رئيس الوزراء ولا زال هو نفس السيد المالكي، وأما بقية المتشاركون فأمرهم واضح للعيان وكل ذلك كان ثمار تشكيل الحكومة في اتفاقية أربيل، فعلام هذا الضجيج على كتلة المواطن؟ مع أنها لم تعلن أي شيء من ذلك لا من قريب ولا من بعيد!! ولماذا لا يتحول كل ذلك إلى دولة القانون فهي صاحبة مشروع التحالف خلال هذه السنوات، ولا زالت تتحدث أنها ستتحالف مع قوى من نسيج تحالفاتها السابقة لتأمين الأغلبية السياسية المزعومة كما صرح بذلك السيد المالكي نفسه، وعليه فإن كان أمر التحالف مع هؤلاء مريب فالأولى بمن يستريب أن ينتهي منه هو أولاً ثم يطلب من غيره عدم فعل ذلك!! لو كان لي أن استعير نكتة فإنني أشبه ما يجري بمجموعة جلسوا في خمارة يترعون من مشروباتها حتى إذا ما راوا مستطرقا مر من أمامهم حتى راحوا يقرعونه بكل صفات الشاربين والمخمورين، ويحكم كيف تحكمون؟!
ولو قدر أن البعض استدل على ذلك بأن الكتلة اتفقت مع متحدون في انتخابات مجلس محافظة بغداد وأولتها رئاسة مجلس محافظة بغداد، فلعمري ما هو حجم الفارق بين أن تسدي كتلة ما رئاسة مجلس محافظة بناء على تحالفات لبناء الحكومة المحلية فيها فتلام، ولا تلام كتلة أولت منصب رئاسة مجلس النواب لمتحدون ومنذ اربعة سنوات ولا تلام؟!! فإن كان التعليل في التحالف الذي تم في أربيل مرتبطاً بمقتضيات تشكيل الحكومة، فما المانع لغيرها أن تمارس نفس الأمر بأمر مصغر جداً!! أم أنها سياسة أن لدماء كتلة ما لون أزرق ولغيرها لون أحمر؟!! فتعاب هذه وتلام تلك!!
إن ما فرغنا من لغة التهريج السياسي والمماحكات السياسية التي انخدع فيها بعض الأبرياء المتحمسين الذين تأخذهم صورة الدماء التي تسفك في شوارعنا فيحاول البعض ان يشغل الناس عن تقصيره في حماية أمن الناس بالقفز إلى ساحة الصراعات السياسية ليحملها مسؤولية الخلل الأمني الناشئ من تفجير مئات المفخخات وحصده للآلاف الأرواح الطاهرة من أبناء هذا الشعب، دون أن يحمل نفسه مسؤولية الإخفاق بالرغم من إمساكه بالملف الأمني بكل تفاصيله، ولا يعني ذلك تبرأة لهذه الصراعات، إلا أن من السذاجة بمكان تحويل هذه الصراعات دوماً إلى الشماعة التي يعلّق عليها الفشل وسوء الإدارة وتبذير الموارد واتلافها، وبالتالي ليتألم هؤلاء الأبرياء من أي تحالف يشعرن بانه يمس دمائهم وأرواحهم.
أقول إن ما فرغنا عن كل ذلك فإن المشهد الانتخابي يحتم القول بأن أي تحالف قبل حسم النتائج هو محض خرافة، فكيف يكون التحالف ولم تعرف اطراف التحالف أحجامها الواقعية، ولذلك فالقاعدة الأولى في اي تحالف بالنسبة لنا هو انتظار معرفة الأوزان الإنتخابية لنا ولغيرنا.
أما القاعدة الثانية فهي مبنية على أساس أن لا تخرج رئاسة الوزراء من أيدي التحالف الوطني، وعليه فإن تشكيل التحالف الوطني بالنسبة لنا هو أصل ثان، ولكن لن نقبل بما هو موجود اليوم من التحالف الوطني لأنه وجود مهمش من قبل بعض اطرافه، وقد استخدم كورقة نجاة يتم الاعتماد عليها وقت الحاجة، ولهذا أحد اشتراطات تحالفاتنا مع قوى التحالف هو بناء التحالف الوطني كمؤسسة، وعدم السماح بتحويله إلى جهة لتوزيع المناصب وينتهي دورها من بعد ذلك.
ثم من بعد تأمين كل ذلك سننفتح على الآخرين، مستفيدين من الروح الوسطية التي ميزت خطابنا وخطواتنا كل هذه السنين، واحتفاظنا بخطوط الوصل مع كل القوى التي يمكن لها المساهمة في بناء العملية السياسية وفق مواصفات الدستور، وشرطنا ان لا يكون أي اتفاق خارج اطار الدستور وبناء على مقتضيات التوافق على البرنامج الحكومي الذي نعمل له.
إن رؤيتنا السياسية مبنية على اساس أن لا نخلق خصوماً وأعداءاً دون غض النظر عن المتطلبات التي تؤمن مصالح ما نمثله وما نعمل من أجله، فنحن معروفون باننا مفاوضون ألداء ولكننا لو اقتنعنا فإننا ملتزمون اوفياء، وهذه ستمكننا من توافقات جادة ومسؤولة.
https://telegram.me/buratha