يبدو العنوان مقحماً بعض الشيء، ولكن لأن واقعنا الراهن يقتضي جراحات معقدة وصعبة، ويتطلب الأمر تحمّل ألمها بصبر وجلد، ويتعيّن علينا أن نسمّي الأشياء بأسمائها. الواقع أننا طرف في صناعة هذا الواقع، فمع أن شطراً كبيراً مما ألنا اليه من سوء، لسنا مسؤولين عنه مسؤولية مباشرة، إلا أننا لا نتورّع عن أن نحمّل الساسة كل ما وصلنا اليه من سوء.
الساسة هم صنّاع السياسة، والسياسة هي التي تدير معظم القطاعات والأنشطة في العراق، شأنه شأن جميع الأمم، ومن بين أهم ما تديره السياسة قطاع الفساد، إن لم يكن القطاع الأهم والأكثر حيوية ونشاطاً مما تدير!
قبل تغيير نيسان 2003، كنا لا نمتلك أجهزة ومؤسسات تحارب الفساد غير القضاء، وغير مديرية للأمن الاقتصادي، كانت تستخدم استخداما مزدوجاً، مرة كأداة قمع للسوق والشارع العراقي، ومرة لتوجيه مسارات الاقتصاد للوجهة التي تخدم النظام وتحميه، إلا أنه يتعيّن أن نقرّ أن حجم الفساد؛ لم يكن على ما هو عليه الآن. فلماذا أتسع الفساد الى حد بات فيه أمراً معاشاً، وفي حالات لا تحصى مقبولاً حتى من الدولة ذاتها!
اليوم: وبرغم وجود العديد من الأجهزة الحكومية والتشريعية، المعنية بمحاربة الفساد، ومع وجود الحركات الاجتماعية التي تهدف الى مكافحة الفساد وملاحقة المفسدين، وسيل البلاغات والإجراءات القضائية، وما يليها من أحكام الصادرة من محاكم النزاهة، إلا أن الفساد تجذّر في قطاعات عديدة من الدولة، وهو ما نتج عنه احتلال العراق للمرتبة 177 في مؤشر مدركات الفساد عام 2013، الصادر عن منظمة الشفافية الدولية، وهو ما يعني؛ أن الدولة لم تفلح في السيطرة على الفساد، داخل قطاعاتها المختلفة، وأن مستوى الفساد يتصاعد من سيئ الى أسوأ.
نستطيع تصنيف ثلاثة أنواع مختلفة من الفساد: أولها هو الفساد التشريعي، الذي يتمثل في سعي الهيئات التشريعية إلى تجاوز وقائع الفساد، أو محاباة المفسدين على حساب الشعب ومصلحة الدولة، مثلما حصل في إقرار قانون التقاعد، وتمريره بعار الفقرتين 37، 38، الخاصتين بامتيازات الساسة والطبقات الحاكمة، وكما في حالة الذين حصلوا على أراضٍ أو أصول مملوكة للدولة، بالمخالفة لقيمتها الحقيقية.
النوع الثاني؛ هو الفساد الإداري المتمثل في تصرفات القطاعات الحكومية المختلفة، فيما يتعلّق بفتح أبواب إهدار المال العام، بلا ضوابط وكوابح، والدليل عدم وجود حسابات ختامية للدولة، منذ نيسان 2003 ولغاية اليوم.
النوع الثالث؛ هو الفساد الإجرائي الخاص بطبيعة سير العمل الحكومي، ووجود فرص أو إمكانات لإتاحة الحصول من دون وجه حق على منافع، كما في حالة إجراءات مديرية المرور العامة، التي فتحت الأبواب بقصد أو من دونه، على مصاريعها لذوي النفوس الضعيفة ـ وما أكثرهم ـ من منسوبيها للنهش بلحوم العراقيين، وباعتراف قيادات الدولة العليا.
كلام قبل السلام: الإخلاص من أعلى قيم الحياة وأنبلها، أما السياسة فهي الحسابات والمصالح والمنافع المتبادلة.
سلام...
https://telegram.me/buratha