مقالة قيمة للاستاذ الدكتور منذر الفضل تتناول احكام تعديل الدستور لجمهورية العراق الاتحادي , وفي هذه المقالة حقائق كثيرة حول الدستور يمكن للقارئ ان يكتشفها اثناء قرائته لهذه المقالة .
في نهاية شهر أب من عام 2005 إنتهت اللجنة الدستورية المنتخبة من الجمعية الوطنية من إنجاز مسودة الدستور, وقد أشتركت في كتابته وصياغته أطراف عديدة من الاحزاب والكتل والشخصيات السياسية والقانونية ورجال الدين ومن كل القوميات وأتباع الديانات والمذاهب كما ساهم في اللجنة الدستورية أيضا 25 عضوا من العرب السنة الذين كانوا من المقاطعين للعملية السياسية وللانتخابات التي أفرزت أول جمعية وطنية منتخبة مارست عملها من 16 أذار 2005 وحتى نهاية ديسمبر من العام ذاته وكان من أهم إنجازاتها هو اعداد دستور دائم للبلاد يرسي أسس دعائم دولة المؤسسات الدستورية وحكم القانون من خلال أعتماد مبدأ التداول السلمي للسلطة والفصل بين السلطات وإحترام حقوق الانسان وفقا لمبدأ الشكل الاتحادي للدولة العراقية .وعلى أثر المفاوضات بين الاحزاب والشخصيات العراقية السياسية المشاركة في السلطة مع تكتلات سياسية من العرب السنة الذين قاطعوا العملية السياسية وبهدف إشراكهم في إدارة العراق الجديد تم التوصل يوم 13 إيلول من عام 2005 الى تعديل بعض الفقرات وإضافة فقرات أخرى الى مسودة الدستور قبل عرضها على الاستفتاء العام على العراقيين الذي تم في إكتوبر 2005 وكان من بين الفقرات المضافة هي نص المادة 142 المتعلقة بتعديل بعض مواد الدستور لاحقا وفقا الى أليات دستورية كشرط للاشتراك في العملية السياسية حيث تضمن النص على قيام مجلس النواب بتشكيل لجنة برلمانية مؤقتة مهمتها تقديم تقرير الى المجلس خلال مدة لا تتجاوز أربعة أشهر يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن إجراؤها على الدستور وعلى أن تحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها . كما نصت المادة 122 من الدستور على طريق أخر إعتيادي لتعديل الدستور , ولهذا لابد من بيان أحكام تعديل الدستور وشروط تعديله على النحو التالي :القسم الآول(الحالة المؤقتة )تعديل الدستور وفقا لتقرير اللجنة المؤقتة لمجلس النوابقبل التعرض الى طريقة وشروط تعديل الدستور طبقا الى أحكام نص المادة 142 من الدستور العراقي الذي صار نافذا من يوم اعلان تشكيل الحكومة في 20 مايس 2006 , لابد من الاشارة الى أهم نقاط الاختلاف التي إثيرت من التكتلات السياسية من بعض العرب السنة ومن ثم نوضح شروط وأليات تعديل الدستور وهي على الشكل التالي :أولا : المواد والمبادئ المعترض عليها من بعض العرب السنةوفقا لما إستمعته وما فهمته من قراءة طروحات هذه التكتلات والاطراف من بعض العرب السنة إبان مشاركاتي في إعداد كتابة مسودة الدستور كعضو منتخب من الجمعية الوطنية فانه يمكن تلخيص هذه الاعتراضات على النحو التالي :1. يعتقدون بأن الفيدرالية سوف تقسم العراق وإن هذا التقسيم يدخل ضمن دائرة الحرام السياسي عندهم ولهذا فانهم يذهبون الى أنه لابد من العودة الى الحكم المركزي ويستثنون من ذلك الكورد الذين لهم وضع خاص محصور في محافظات السليمانية واربيل ودهوك فقط ويقرون بأن لهم على هذه المحافظات حكما ذاتيا لا مركزيا تابعا للمركز في بغداد .2. رفض قاطع لفيدرالية الوسط والجنوب حيث يعترض هؤلاء على نصوص عديدة منها ما ورد في الماديتين التاليتين وهما :(( المادة (114):يسن مجلس النواب في مدةٍ لا تتجاوز ستة اشهر من تاريخ أول جلسةٍ له، قانوناً يحدد الاجراءات التنفيذية الخاصة بتكوين الاقاليم، بالاغلبية البسيطة للاعضاء الحاضرين.المادة (115):يحق لكل محافظةٍ أو أكثر، تكوين اقليمٍ بناءاً على طلبٍ بالاستفتاء عليه، يقدم بأحدى طريقتين:اولاً :ـ طلبٍ من ثلث الاعضاء في كل مجلسٍ من مجالس المحافظات التي تروم تكوين الاقليم .ثانياً :ـ طلبٍ من عُشر الناخبين في كل محافظةٍ من المحافظات التي تروم تكوين الاقليم .3. تصر هذه التكتلات ( جبهة التوفق وجبهة الحوار الوطني وآخرون ) على إن مدينة كركوك عراقية ويرفضون اجراء التطبيع باعادة العرب الى مناطقهم التي قدموا منها ويرفضون اعادة المدن والاقضية والنواحي التي فصلها النظام السابق عن كوردستان مثل خانقين وسنجار ومخمور وغيرها.4. يرون بضرورة تعديل أو الغاء طريقة توزيع الثروات بين الاقاليم واعتراضات ضد سلطات الاقاليم الواردة في الباب الخامس من الدستور .5. إجتثاث البعث , حيث يعتقدون إن ليس كل من انتمى الى حزب البعث هو مجرم ولابد من الغاء قانون اجتثاث البعث والتمييز بين البعث الصدامي وحزب البعث ومحاكمة الاشخاص الذين ارتكبوا جرائم فقط وتأهيل الاخرين ودمجهم في المجتمع , ولهذا هم يرون بضرورة حذف نص المادة 7 من الدستور التي نصت على مايلي :(( اولا _ يحظر كل كيان او نهج يتبنى العنصرية أو الارهاب أو التكفير أو التطهير الطائفي، أو يحرض أو يمهد أو يمجد أو يروج أو يبرر له، وبخاصة البعث الصدامي في العراق ورموزه، وتحت أي مسمى كان، ولا يجوز أن يكون ذلك ضمن التعددية السياسية في العراق، وينظم ذلك بقانون.ثانيا _تلتزم الدولة بمحاربة الارهاب بجميع اشكاله، وتعمل على حماية أراضيها من أن تكون مقراً أو ممراً أو ساحة لنشاطه.))6. هوية العراق العربية , حيث يرى هؤلاء بأن العراق بلد عربي وأن هوية العراق يجب أن تبقى عربية ومن هنا يجب أن يكون الرئيس عربيا ووزير الخارجية عربيا .7. حل المليشيات وبسط سلطة الدولة وهم يعتبرون إن قوات البشمركة من المليشيات ايضا .8. رفض ازدواجية الجنسية .9. رفض بات للاعلان العالمي لحقوق الانسان والاتفاقيات الدولية ولا يجوز أن تكون جزءا من الدستور .10. برمجة انسحاب قوات التحالف من العراق .11. البعض منهم يريد تطبيق الشريعة الاسلامية بحذافيرها بما فيها الجرائم والعقوبات مثل جرائم الحدود والقصاص والتعزير ومعاقبة الزاني بالرجم بالحجارة وغيرها ويرى بادخالها في الدستور.12. يريدون تمجيد دور ما يسمى بالمقاومة ضد المحتل .وسبق أن بينا موقفنا في سلسلة من المقالات واللقاءات الاعلامية من هذه الطروحات الشوفينية فضلا عن موقفنا الواضح والصريح في رفض هذه الآراء خلال إعداد الدستور الدائم , كما اننا نعتقد بأنه ليس من السهولة بمكان أن يحصل تعديل في مواد جوهرية في الدستور مثل تعطيل الفيدرالية أو منع اقامة أقاليم جديدة وفقا للدستور لأن أي تعديل للدستور يجب أن ينال أغلبية مطلقة من الاصوات وهي 138 صوتا بينما تشكل قائمة الائتلاف الموحد التي تريد الفيدرالية وحكم الاقاليم وبخاصة فيدرالية الجنوب مع قائمة التحالف الكوردستاني أغلبية مطلقة في الاصوات في مجلس النواب وتشكل صمام الأمان لمنع أي تعديل في أحكام الدستور يضر بمصالح الاغلبية المطلقة للعراقيين وهم العرب الشيعة والكورد وكذلك العرب السنة العلمانيين.ثانيا : آليات تعديل الدستور وفقا للمادة 142 من الدستورنصت المادة 142 من الدستور العراقي على مايلي (( اولاً – يشكل مجلس النواب في بداية عمله لجنة من اعضائه تكون ممثلة للمكونات الرئيسية في المجتمع العراقي , مهمتها تقديم تقرير الى مجلس النواب , خلال مدة لاتتجاوز اربعه اشهر , يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن اجراؤها على الدستور , وتحل اللجنة بعد البت في مقترحاتها .))انعقدت الجلسة الاولى لمجلس النواب في 16 مارس 2006 وشكلت اول لجنة للنظر في النظام الداخلي للمجلس ومن المتوقع ان يقوم المجلس بتشكيل لجنة مؤقتة طبقا للدستور لتقديم تقرير للمجلس يتضمن توصية بالتعديلات الضرورية التي يمكن اجراؤها ويكون التقرير مقدما خلال فترة لا تتجاوز اربعة اشهر ولا يمكن تعديل الدستور الا اذا توفرت الشروط التالية :1. يجب أن تعرض التعديلات على مجلس النواب دفعه واحدة للتصويت عليها .2. لا تقر هذه التعديلات إلا بموافقه أغلبية مطلقة لعدد أعضاء المجلس أي أن ينال التعديل ما لايقل عن 138 صوتا .3. طرح المواد المعدلة للاستفتاء الشعبي خلال شهرين من من تاريخ اقرار التعديل في مجلس النواب 4. أن ينجح الاستفتاء على المواد المعدلة بموافقة أغلبية المصوتين واذا لم يرفضه ثلثا المصوتين في 3 محافظات أو أكثر .وبعد الانتهاء من هذا تفعيل أحكام المادة المذكورة يصار الى تطبيق الحالة الاعتيادية وهي تعديل الدستور بالطريق المرسوم في الدستور . إلا أن هناك اشكاليات عديدة تظهر في هذا المجال هي ما يلي : 1. مالحكم اذا مرت فترة 4 اشهر ولم تشكل لجنة تعديل الدستور ؟ فهل يصار الى تعديل المادة سالفة الذكر وتمدد الفترة الى فترة زمنية جديدة أم أن الفترة تسقط وبالتالي تمضي ولا يصار الى تعديل الدستور ؟ لأن تشكيل اللجنة المؤقتة ينتظر اقرار النظام الداخلي لمجلس النواب أولا , اذ انها لجنة لا يمكن تشكيلها في بداية عمل المجلس .2. إن عملية تمديد مدة تعديل الدستور تتطلب تعديل الدستور بطلب من مجلس الرئاسة ومجلس الوزراء معا أو خمس أعضاء مجلس النواب , كذلك لابد من موافقة مجلس النواب على تعديل مدة عمل لجنة التعديل وهو يحتاج الى موافقة ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب بينما يحتاج تعديل لجنة التعديل الى أغلبية مطلقة , فضلا عن موافقة الشعب في استفتاء عام ومصادقة مجلس الرئاسة خلال 7 أيام.القسم الثاني (الحالة الاعتيادية )تعديل الدستور وفقا للحالة الاعتيادية أوضح الدستور الطريق الاعتيادي لتعديلة إذ بأنتهاء اعمال اللجنة المؤقته يسري الطريق الاعتيادي في تعديل الدستور , وهو إسلوب ليس سهلا اذ أن الدستور العراقي الذي صار نافذا منذ 20 مايس 2006 يعد من الدساتير التي تسمى في الفقة الدستوري بالدساتير الجامدة بسبب الآليات الصعبة في اجراء أي تعديل على الدستور , فقد جاء فيه يلي :((اولاً :ـ لرئيس الجمهورية ( مجلس الرئاسة ) ومجلس الوزراء مجتمعين، أو لخُمس (1/5) اعضاء مجلس النواب، اقتراح تعديل الدستور. )). وقد نصت الفقرات ثانيا وثالثا ورابعا على شروط التعديل وهي : ((ثانياًً :ـ لا يجوز تعديل المبادئ الآساسية الواردة في الباب الاول، والحقوق والحريات الواردة في الباب الثاني من الدستور، الا بعد دورتين انتخابيتين متعاقبتين، وبناءاً على موافقة ثلثي اعضاء مجلس النواب عليه، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام، ومصادقة رئيس الجمهورية ( مجلس الرئاسة )، خلال سبعة ايام .ثالثاًً :ـ لا يجوز تعديل المواد الاخرى غير المنصوص عليها في البند "ثانياً" من هذه المادة، إلا بعد موافقة ثلثي أعضاء مجلس النواب عليه ، وموافقة الشعب بالاستفتاء العام ، ومصادقة رئيس الجمهورية ( مجلس الرئاسة )، خلال سبعة ايام .رابعاً :ـ لا يجوز إجراء أي تعديل على مواد الدستور، من شأنه أن ينتقص من صلاحيات الآقاليم التي لا تكون داخلةً ضمن الاختصاصات الحصرية للسلطات الاتحادية، إلا بموافقة السلطة التشريعية في الاقليم المعني، وموافقة أغلبية سكانه باستفتاءٍ عام. )).ولابد من الاشارة الى عملية المصادقة على الدستور حيث يُعدُ التعديل مصادقاً عليه من قبل رئيس الجمهورية ( مجلس الرئاسة ) بعد انتهاء المدة المنصوص عليها في البند "ثانياً" و"ثالثاً" من هذه المادة، في حالة عدم تصديقه. ومع ذلك فان العمل بهذه الطريقة الاعتيادية في تعديل الدستور هي الاساس , ومن ثم يعاد العمل بموجبها بعد البت في التوصية بالتعديلات التي تجري وفقا لاعمال اللجنة المؤقته .الموقف السياسي من تعديل الدستوراولا : موقف التحالف الكوردستاني :إن موقف التحالف الكوردستاني من تعديل الدستور سواء بالطريق الاول ( اللجنة المؤقته ) أم بالطريق الثاني الاعتيادي يتمثل في مبدأ اساسي مفاده إن أي تعديل للدستور يضر أو ينتقص من حقوق شعب كوردستان لن يمر في مجلس النواب ومن المستحيل القبول به وبخاصة اي تعديل يمس ثوابت شعب كوردستان ومن أهمها الفيدرالية و تطبيق احكام المادة 140 من الدستور بتفعيل المادة 58 المتعلقة حول تطبيع الاوضاع في كركوك في مراحلها الثلاثة ( التطبيع والاحصاء والاستفتاء ) وإعادة المناطق المستقطعة من حدود كوردستان وموضوع سلطات الاقاليم وتوزيع الثروات والموقف من قوات البيشمركة وتسلم المناصب السيادية وغيرها من المواد الدستورية الحيوية كالحريات العامة والديمقراطية وحقوق الانسان .ثانيا : موقف الائتلاف الموحد إن موقف هذه القائمة التي تضم مجموعة من الاحزاب الشيعية الدينية والسياسية والشخصيات المستقلة كما إنها من أكبر القوائم عددا في المقاعد في مجلس النواب وتشترك مع التحالف الكوردستاني في ثوابت عديدة مثل الفيدرالية وتوزيع الثروات وغيرها وهي ايضا تعارض إجراء تعديلات على الدستور تمس حقوق أغلبية العراقيين وهم العرب الشيعة من خلال التصريحات والمواقف الواضحة والمعلنة .ثالثا _ موقف جبهة التوافق العراقية :يتمثل موقف الجبهة من خلال موقعها على الانترنيت حيث ترى الجبهة مايلي : (إن مسوّدة الدستور الحالية لا تلبي المصالح الوطنية للعراقيين وفيها من الثغرات والنواقص ورداءة الصياغة الكثير مما يستدعي إعادة النظر بكامل المسوّدة من أجل أن تأتي ملبية لتطلعات العراقيين في بناء حاضر ومستقبل بلدهم . لقد أتاحت المادة (140) والتي أضيفت إلى المسوّدة في اللحظات الأخيرة فرصة مواتية لإجراء التعديلات المقتضية على بعض المواد التي لازال الجدل قائم حولها حتى الآن ، وعلى هذا الأساس سوف تنشط جبهة التوافق العراقية في تشكيل كتلة برلمانية رصينة تتولى تعديل المواد التي تثير هواجس جدّية والتي تمس استقلال البلد ، وحدة العراق ، سلامته الإقليمية ، هويته العربية . وعلى هذا الأساس تعتقد الجبهة أن إعادة صياغة المواد ذات العلاقة وعلى وجه الخصوص : الديباجة ، المادة (3) ، المادة (109) ، الباب الخامس وغير ذلك ، يتصدر قائمة المطالب بالتعديل .).
الدكتور منذر الفضل
https://telegram.me/buratha