قاسم العجرش
ليس من شيء أكثر ألما، مما تسببه ظاهرة إستخفاف الساسة بالعراقيين، فإستخفافهم بنا وإستجهالهم إيانا، بل وإستحمارنا؛ بات هو العنوان الأوسع لممارساتهم، ولقد مضوا في هذا الشأن شأوا خطيرا، دون حد أدنى من بصيرة لما يفعلون! وهذه السياسة كانت فكرة قديمة، مارسها فرعون على قومه, كما حكى تعالى عنه في قوله: ( فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ ).
قد يدفع النزق بالسياسي أن يفرح، وهو يرى أن يكون أفراد مجتمعه، منقادين مخفوضي الرؤوس، ليسمعوا ويطيعوا، دون تعليل أو مناقشة، ليسخّرهم في أقبح صور الاستعباد البشري، مع ما يرافق ذلك، من مظاهر النقص والخور الإنساني.
لكن سيأتي يوم نجدهم فيه، وقد تحولوا بأتجاه الأقوى، أثراً ونفوذاً على عقولهم، والمدغدغ لعواطفهم والمشبع لغرائزهم، وهذا ما يجيده كثير من الساسة العراقيين، ويلعبون عليه اليوم بكل مهارة، في لعبة الترويج لأنفسهم في الأنتخابات!
اللعب على العواطف والغرائز، قضية منتجة في المدى القصير، لكنها خاسرة في المدى البعيد، لأن الأستخفاف لابد أن يكشف، وستكون النتيجة شعور عميق بالخسارة والخذلان لدى الناخب، وهو ما يولد أحساسا بالنبذ، وربما تنشأ في هذا المناخ الموبوء، أفكار متطرفة أو انتماءات شاذة.
في فضاءات الشعور والإحساس بالخذلان، تتشكّل اكبر أخطار الهدم الأجتماعي، وسيتم التوصل الى حقيقة: أن الساسة أستخفوا بجماهيرهم، وسيتم تلمس الإهانة التي ألحقها الساسة بالشعب، وسيتشكل عاجلا القرف الوجودي، وسيسود التذمر من كل شيء، حتى لو كان حسناً!
إن أخطر ما في ظاهرة الاستخفاف بالإنسان، أنها تغتال عقله وفكره، وبالتالي حياته المثلى التي يسعى لتحقيقها في دنياه، ويحلم بها في لياليه.
الاستخفاف مصدر قلق دائم، وتحوّلات ونقمة الُمستخَفّ بهم أمر حتمي, والنتائج دائما لا يتوقعها الساسة، أو هي على ألأقل؛ ليست بمستوى بصرهم، الذي لا يبتعد كثيرا عن أرنبات أنوفهم، بل أن تحولات ما بعد إكتشاف الخديعة، ستكشف عن ضعف الساسة وقلة حيلتهم، خصوصا عندما يُلقون في وجه المشكلات، أو يُطلب منهم الصمود في وقت الشدة، كما هو حاصل هذه الأيام في قضية تفرعن الإرهاب وزيادة قوته وسطوته، حتى أنه بات جيشا، يمتلك معسكرات وأرتال سيارات وأسلحة متقدمة، ويسيطر على مدن وجبال وأودية!
ترى هل سيبقى سياسيينا يستخفون بعقولنا بلا حياء؟!
كلام قبل السلام: أقرأ أمس قول القرطبي في معاني الاستخفاف:"فاستخف قومه وقهرهم حتى اتبعوه، يُقال استخفّه خلاف استثقله، واستخفّ به أهانه"!
سلام..
https://telegram.me/buratha