الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي
كبرنا وضعفت فينا جميع القوى , صرنا ننظر للقادم نظرة ملؤها الرغبة والتوسل من الباري أن يختم لنا دنيانا , بأحسن أعمالنا , وحين تسرح أرواحنا لأيام المحنة والضيم من جلادينا , تقفز في الذاكرة , ومن دون موعد ومضة من أيام الشباب والتحدي , ما كنا نسميها جهاد , رغم كونها أعلى جهاد وبامتياز قل نضره في عالم المجاهدين ..ولكن حين وجدنا نزلاء فنادق النجوم الخمسة يجاهدون في أوربا وأمريكا , عرفنا إننا اليوم في عرفهم طلقاء .. واقسم بالله لولا حيائي من السيد عمار الحكيم , أو أن يعتبر هو أو المجلس الأعلى هذه الذكريات تزلفا له وللأحزاب التابعة للمجلس لكتبت ما عايشته مع آل الحكيم في " عكد الحكيم " بالنجف الاشرف عام 1984 وما بعدها .. يوم تخلى النجفيون وغيرهم عن جميع ممن له علاقة بهذا البيت .. اعني بيت الحكيم .. وكنت الوسيط بينهم وبين السيد الخوئي ..ولكن الذي حز في نفسي رجل اعتقد انه من أهل البصرة , مؤمن بولاية أهل البيت {ع} وأنا متأكد انه يصلي ويصوم ويؤدي جميع الفرائض ولكنه حين تذكر له مرجعا معينا , يصب جام غضبه عليه .. وقد أسعفتني غفلة النسيان بموقف للسيد الخوئي رحمه الله في فترة الحرب العراقية الإيرانية ..حين كان كسحابة تغطي جميع بيوت المجاهدين والمظلومين , وعوائل السجناء والفارين من العراق , من ظلم السلطة آنذاك ..
كنت أجيد البناء , وسياقة السيارات .. فاعتمد سماحته رحمه الله في هاتين المهنتين في تنفيذ ما يحتاجه المظلومون وممن يمكنه تقديم المساعدة أليهم ..وكان السيد رحمه الله يوجهنا عن طريق بعض المقربين منه في ترميم بيوت بعض المظلومين .. وقد كلفني السيد مهدي الخرسان حفظه الله أن أقوم بترميم بيت رجل لم يعطيني اسمه ..! يقع البيت في منطقة الحويش قرب جامع السيد السبزواري رحمه الله .في الأزقة الضيقة . اشترط أن لا افتح باب إحدى الغرف مطلقا , ولا أتقرب لها .. كنت اعرف الظروف وكي تزداد الثقة بي , نفذت الأمر ..
البيت أشبه بخربة , بل هو خربة .. جميع زواياه متهالكة , الحمامات لا أتحدث عنها .. أرضية البيت كان فيها اسمنت .. المهم اشتغلت ومعي اثنين من أهالي الفاو احدهم حي يرزق .. ندخل الباب بمفاتيح زودنا بها السيد الخرسان , ولما نخرج نقفل الباب باعتبار الدار خالية .. بعد ثلاثة أيام سمعت بكاء طفل في الغرفة التي منعنا السيد التقرب أليها .. بذلت الأم جهدا كي تهدي~ الطفل .يبدو أن السيد الخرسان لم يعطيهم معلومات عنا . كاد قلبي يتقطع من الحزن , وأنفاسي تتقطع .. سمعت زوجها يقول لها : أسكتيه بأي وسيلة .. بكت المرأة لبكاء الطفل .. فوقفت وراء الباب وقلت لهم بصوت عال .. سأغادر البيت لساعة وأعود , فكانت كلماتي كالصاعقة عليهم , ربما أعود ومعي رجال السلطة كما يفعل غيرنا , خرجت وزملائي .. سألني صاحبي أين نقضي الساعة ..؟ , قلت نحن في شارع الرسول {ص} .. لنذهب عند أمير المؤمنين {ع} ندعو الله تحت قبة الإمام {ع} أن يحفظ هذه العائلة ...
بعد سنتين سالت السيد الخرسان عنهم .. سكت أولا, كان مترددا , ثم قال : كيف عرفت ..؟ ذكرت له الحادثة .. قال يا ولدي لقد وشى عليهم جارهم .. واعدم الرجل وزوجته .. لأنه كان مطلوبا للدولة .. سألته كيف تحمل مصاريف الترميم ..؟ قال من السيد الخوئي .. ثم قال جميع البيوت التي أتعامل معك في ترميمها .. من قبله .. هذه المواقف كيف يعرفها الإعلام ..؟ وهل تسمى جهاد للسيد أو ترف وسكوت .. أو غير ذلك ..؟.
الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي
https://telegram.me/buratha