( بقلم : ماجد محمد )
تقصـدت والله أن أتأخـر بالتعليـق على مجــزرة الجامعـة المستنصرية ودمي يغلـي ودموعي لا تجـف , تعمـدت التـاخير كـي أرى ردة فعـل الضمـير العـربي والإنسـاني العالمـي , وقبــل هـذا وذاك حـاولـت أو أستشـف ردة الفعــل الداخليـة لنـا كشعـب سـومر وآشـور وبـابـل , شعـب يتبـاكي فيـه بعـضـه علـى إحتـلال بغيـض وهجمـة فارسيـة صفـوية دون أن يـذرف دمعـة ولـو كـاذبة علـى ظلـوع الـوطـن حـين تكسـرت على أبـواب المستنصريـة !! أنتظـرت كـل ذلك لعلـي أثبـت صـدق تصـوري بـأننـا شعـب المعـالي وأمـة الإسـلام الواحـد , ولأبرهـن لنفسـي علـى الأقــل إن الإنسـانية بخـير وضميرهـا لازال ينبـض , أنتظـرت وراقبـت وتابعـت , ولكن النتيجـة كـانت كارثيــة , فـلا عمـق لـدين ولا إرتبـاط بإنتمـاء ولا إحساس بـأنسـانية , وأثبـت الحـدث وما جـرى بعــد الحـدث إن تـديننـا بـاطـل وعروبتنـا ركيكـة وإنسـانيتنا هـزيلـة , وكـم نحـن تافهـون لا نـرقى حتى أن نكـون مستعمـرة نمـل أسـود .
الأيـام مدرسـة , يتعلـم فيهـا الأنسـان ما يستطيـع أن يغتـرف مـن معلـومات بالقـدر ذاتـه الـذي يكتشـف فيـه غوامض الأمـور , ومـا بـين إنسـان يغـوص فـي بحـار المعـرفة كـي يبنـي الحيـاة , وآخـر يبتكـر فنـون الإنتفـاع الشخصـي ويبـرر الوسيلـة لقتـل الآخـرين , وسكـوت قـاتـل للفـريق المتفـرج المتبقـي , إنقسمـت حياتنـا وضـاعت فيهـا القيـم وأنصهـرت الثـوابت الإنسـانية لتختلـط بـأسهـم السـوق ومقـدار الـربح والخسـارة , أصبحنــا نجـري لهمـوم يومنـا غـير مبالـين لغـد ينتظـرنا بشغـف... للفنــاء , وبـات مـوت البشـر حـدث خـبري نشـاهـده مسـاءا مـن فضـائيات جامـدة فنتسـاءل عـن مغـزى الحركـة الداخليـة لأجسـادنا تنقبـض معهـا القلـوب ونحـس بكـربة سـرعـان ما تنجلـي وتـزول , نعـم أيهـا الأخـوة فلقـد نسينــا الضمـير , ومـات فينـا الضمـير .لـم يكـن هـؤلاء الشبـاب أصحـاب قـرار سياسـي , ولا فكـر دينـي يفلسـف الأسـلام ويحـوله إلى مـذاهب مختلفـة , تطاحـن بعضهـا بعـضـا لتثبـت أي الفـريقـين نـاجي , ولا هـم مـن أصحـاب النفـوذ المعـادي للأحتـلال أو المـرحب بـه , هـؤلاء ثلــة مـن مجتمـع منقسـم على نفسـه , تـركـوه طلبـا للعلــم , ونيـل المعـرفة , قـد أكـون مـن المُتجـنين عليهـم حـين وصفـتهم بالشبـاب , فـلا عـلاقة حقيقيـة تربطهـم بمـرحلة الشبـاب , لا لهـو ولا سـرور , ولا متعـة بيـوم عــادي يسعـدون فيـه كبـاقي خلـق الله , يومهـم سمتـه الحرمـان والفـاقة , حلمهـم مصبـاح بـلا إنقطـاع ومـدفئـة نفطيـة تـؤدي واجبهـا بـلا خـوف مـن نضـوب الـوقـود , كـانوا يقـرأون الحـب مـن عيـون الـوالديـن فأحبـوا الحيـاة علـى عـلاتها , أدركـوا إن جيـوب آبـاءهم لا تحتمـل عـاطـلا آخـرا فـي الأسـرة . حـين يسمعـون لغـة المـوت المجـاني تمـلأ الشـوارع والطـرقـات يتـذكـرون فـورا دروس الـدين الإسـلامي فـي سنـين دراستهـم السـابقة " أطلبـوا العلـم مـن المهـد إلـى اللحـد " , " طلـب العلـم فريضـة على كـل مسلـم ومسلمـة " , " مـن مـات أو قتــل وهـو متوجـه لنيـل العلـم مـات شهيــدا " فألغـوا مـن حسـاباتهـم فكــرة التجاسـر عليهـم , ثـم لِـمَ يـُقتلـون والـديـن يـُحصـن طـالب العلـم ؟ ومـن يقتلهـم ؟ حتـى الكافـر أو أبـو جهـل لا يفعلهــا , ولكـن .. ويـا للأسـف لقــد نسـوا إن الإرهــاب لا ديـن لـه .
أرادوا رغـم كـل معـاناتهـم أن يكـونوا صنـاعا للحيـاة بإصـرار عجـيب قــل نظـيره , أرادوا أن لا يكـونوا عـالة علـى المجتمـع , فخـرجوا صبـاح يـوم بـارد كـبرودة المـوت المنتظـر , لايعلمـون أن وحـوش المـوت الأصفـر قــد خططــوا وبـاتـوا متربصـين متلهفـين لسـاعة التنفيــذ , لقــد كـان الهـدف هـذه المـرة رواد صـرحا علميــا , لقــد أدوا هــؤلاء الــرواد مـا عليهـم وأدى صـانع المـوت ما عليـه , سقطـوا وهـم يتسـاءلون ماذنبهـم ؟ أحترقـوا وعيـونهم لله شاخصـة تشكـي ظلـم البشـر و قسـوة البشـر .
وعنـد المسـاء نشـاهـد حـدث خـبري مـن قنـوات فضائيــة جامـدة ونتسـاءل عن مغـزى حركـة داخـل أجسـادنا تنقبـض معهــا قلـوبنا ونحـس بكـربة سـرعان ما تــزول حـين نسمـع ربـة مـنزلنـا تـدعونـا للعشــاء , فلقــد مـات فينــا الضمـير .ماجــد محمـدبغــداد / العــراق
https://telegram.me/buratha