( بقلم : جاسم فيصل الزبيدي )
منذ عام 61هـ الى عام 2005م ...تاريخ الحزن والشهادة ، تاريخ كتبته الدماء...فصة عهود طويلة من الطغيان ، ولكن بألم واحد، فمنذ خكسة عشر قرناً بدأت مذبحة كربلاء عام 61هـ . وانتهت في نفس المكان حيث لما يزل الدم نفسه يسقي رمال الصحراء في أنتفاضة آذار عام 1991 ويستمر يسقي تلك الرمال في الكاظمية والنجف وفي الحلة وفي البصرة وفي كل شبر من ارض العراق.وحيث يعيد الاحفاد التاريخ نفسه ويتجدد الانتقام للشهداء الذين تُركوا في الرمال دون رؤوس ..انها حكاية يتلاحم فيها العصران مثلما تتلاحم الإرادة والشهادة ويبقى الطغيان والالم وصوت الوطن الجريح وهو يئن:ـ( جابر...... يا جابر....مادريت بكربله أشصار ، من شبوا النار!؟)
لقد وجد المبدعون العرب في قضية الامام المفدى متنفساً لدواخلهم المشحونة بالحب والندم وكذلك الحزن والاسف على ما اصاب الحسين وأهل بيته من الآم في واقعة كربلاء...غير ان المعالجات المعاصرة للادباء والشعراء لمأساة كربلاء جاءت بأساليب فنية جديدة ، وصاغت نماذج أدبية رفيعة ، تنضح بالجرح المدمى والاثم العميق المتجذر في الوجدان ، مستلهمة معاني عاشوراء في الثورة والشهادة.
فقد اصبحت كربلاء عند عبد العزيز المقالح رمزاً لعصر ذهبي مضى ومدينة فاضلة مفقودة بقي الشعراء يحلمون بها ويتغنون بأمجادها.فكربلاء هي رمز لتحدي الشر الذي ينتصر الباطل فيها، لان الخيانة اقوى من الحق، والمطامع اقوى من المبادئ. كما ان كربلاء هي الوطن الذي يحلم به، وطن لا غدر فيه ولاخيانة ولاأطماع..فيقول:ـنحن من كربلاء التي لاتخونومن كربلاء التي لاتخون ولدنا،ومن دم الاشجار خرجت للظهيرة أسماؤنامنذ مـــــــــــــــوت الحسينمدينتنا لا تصدر غير النجوم،ولاتصطفي غير رأس تتوجهبالنهــــــــــار الشـــــــــهادةتغسله بالدماء العيون الجريحة
كما تصبح الدماء التي سالت في كربلاء رمزاً للحق ووساماً فوق الرؤوس، وتضحية لامفر منها . فالخير لاينتصر بالكلمات فقط وإنما في الكفاح والدماء:ـوالموت في الشعب اوروع مايكتب الشعراء، نوافذ أكواخهم، تتألق بالموت والورد، تثمر بالخبز والدم، رأس الحسين غدا وردة في الحدائق، انشودة صار للمتعبين، ونهراً ونافذة للمطراما عبد المعطي حجازي فقد جعل من كربلاء رمزاً للوحدة ، وحدة الإنسان ووحدة المصير وكذلك وحدة الامة العربية التي كادت ان تتحقق، في الستينات من القرن الماضي، لولا انها أُجهضت. في قصيدته( عودة فبراير) يقول:ـكأنني سمعت صوتاً كالبكاءهذا الحسين وحدة في كربلاءمازال وحـــــــــده يقاتـــــــــــلمُعفّر الوجـــــــه يريدُ كوب ماءوالأمويون عـلى النهر القريبكأنني أرى دمشق بعد ليلة الغياببيوتها مظلمة وسجنها العالي فضاءالليل ليس الليل، والعقم في كأس الشرابوالكلمات مثقلات بالـــذنوب
ويأتي جمال الغيطاني في كتابه( تجليات) ليجعل من الحسين ليس بطلاً فحسب ، بل هو التحقق المادي الذي يتجسد عبر الأزمنة في الأبطال المدافعين عن شرف الامة وحريتها وكرامتها.الحسين عنده النموذج الذي يتمثله الإنسان رمزاً للاستشهاد، مقابل النموذج الشر، كرمز مناقض، في الوجدان العربي ـ الإسلامي ـ لقد حاول الغيطاني توظيف تراجيديا كربلاء توظيفاً حياً وعلى درجة عالية من التقنية في إطلالته على تراث كربلاء، بالرغم من ان( تجلياته) هي سيرة ذاتية في قالب روائي فيه مسحة صوفية.
ان كربلاء عند الغيطاني محطة استذكار يلتقي فيها الكاتب مع الامام الحسين في خيالهِ ويتحدث معهُ بلغة قلبه دون لسانه بحيث لم يعد هناك فاصل بين التاريخ والواقع ، بين الحقيقة والخيال ، ليقارن بين ابن زياد ـ حاكم الكوفة و(الحكام العرب) اليوم في هذا الزمن المر، مثل كل شعراء العزاء الحسيني ، ليترك أمنية ، هي الإنتقام من الظالمين ، اينما كانوا مثل أولئك الذين تسببوا في مقتل الحسين.ونتيجة لإحباطهِ في الواقع يلجأ الى مسجد الإمام الحسين بالقاهرة علهُ يجد في حضرتهِ العزاء والسلوى. فيقول:ـوَلّيت قِبلة إمامي الحسينوفاض أساي فخاطبتهُ بوجهي وليس بنطقي:ـ- يانبع الصفا ، يامشرق المودة ،تعذبني قلة الحيلتي ، وصعوبة الطريق ، يا إمامي، لم يعد حالي حالي ، جئتك ملوّعاً بالفقد- يقول صاحب الثغر العذب المنكوث بعصا الظالمين:ـ- كل شيء بقدر
ويتوجع (أمل دنقل ) الشاعر المصري الراحل ، مع آلام الحسين التي أضافت الى الانسان هالة من الحزن الشفاف ودفقاً من الكبرياء ورمزاً دائماً للتجدد ، غير انه ، وفي الوقت نفسه، يُظهرُ إحباطهُ ايضاً ، ذلك الاحباط الانساني الذي هو قاسم مشترك عند كل شعراء العزاء الحسيني ليعلن غضبهُ ويقول:ـكنت في كربلاء..قال لي الشيخ إن الحسينمات من اجل جرعة ماءوتساءلت كيف السيوف استباحت بني الاكرمين؟فأجاب الذي بصرّته السماء:ـ إنه الذاهبُ المتلألئُ في كلَّ عينإن تكن كلماتُ الحسينوسيوف الحسينوجـــلال الحسينسقطت دون أن تُنقذ الحق من ذهب الأمراءأفتقدر أن تُنقذ القّ ثرثرةُ الشعراء؟!
ويتحول (أمل دنقل) من نعيه الحسين الى نعيه العصر كلهُ ، مشهّراً بهولاء الذين مازالوا يذبحون (الحسين) كل يوم ، ينافقون، ويرثون آخر الأمر:ـوالاموي يُعصى في طريق النبع:(...دون الماء رأسك ياحسين...)وبعدها يتملكون ، يضاجعون أرامل الشهداء،لايتورعــــــون،يؤذنون الفجر....لم يتطهروا من رجسهمفالحق مات..
وهناك عدد آخر من الشعراء الذين استلهموا قصائدهم من نبع كربلاء . فقد كتب (أحمد دحبور )( العودة إلى كربلاء) وكتب بدر شاكر السياب( الدمعة الخرساء) ونزار القباني ( شمس كربلاء) ومحمود درويش وغيرهم كثير.
https://telegram.me/buratha