( بقلم : نعيم العكيلي )
كان يسمى عراق صدام , كان الشعب العراقي ملغيا ان يكون له وطن حسب عبارة البعث ودعايته السمجة وشعاراته . بنهاية عام 2006 اصبح العراق بلا صدام وعاد الى شعبه الاصيل حيث تم تنفيذ حكم الاعدام بالدكتاتور الذي اختزل وطنا وشعبا عمره اكثر من ستة الاف سنة بشخصه وحده .
لم يكن اعدام صدام بسبب انتمائه السياسي كما كان يعدم خيرة ابناء العراق واحراره , ولم يكن اعدامه لمعتقد ديني او مذهبي ودليل ذلك ان احد البعثيين المتهمين معه في جريمة الدجيل افرجت المحكمة عنه وبرأت ساحته من الجريمة المذكورة , كما ان الاف البعثيين مازالوا يشغلون مواقع مهمة في هيكل الدولة وبعضهم عاد بعد استثنائه من قانون اجتثاث البعث وهذا واقع لاينكره سوى الذين عميت بصيرتهم قبل ابصارهم .
اعدام صدام كان نتيجة جريمة ضد الانسانية وهي واحدة من عشرات الجرائم التي يعرفها العراقيون والعرب بينها قتل الاسرى الكويتيين بعد غزو الكويت . انقسم الموقف المحلي والعربي من اعدام صدام وكان هذا متوقعا مع ملاحظة المواقف من مجمل التجربة العراقية الجديدة بعد سقوط الدكتاتورية في التاسع من نيسان عام الفين وثلاثة .
الموقف المحلي :
----------------
1- موقف حكومي يرى نفسه وطبقا لواجباته ملزما دستوريا بتنفيذ الحكم الذي اصدره القضاء العراقي المستقل , وبالتالي فكل نقد انفعالي او ضوضاء تثار حول تنفيذ الحكم من قبل الحكومة انما هو يريد جر العراق في تجربته الجديدة الى تدمير دولة القانون وابقاء العراق رهن المواقف الفردية والاجتهادت الشخصية في تنفيذ هذا الامر وترك ذاك
2- موقف سياسي تمحور حول كتل سياسية داخلة في الحكومة ولها ممثلوها في مجلس النواب حيث رات الكتل الكبيرة ( الائتلاف والكردستانية ) تنفيذ الحكم بالاعدام اقرارا للعدالة وبداية مرحلة جديدة وان صدام قضت عليه جرائمه ولم يقضي عليه حزب سياسي او جهة مذهبية او قومية , وهذا الموقف جاء منسجما مع ما يقضي به الدستور وتشدد عليه القوانين النافذة .
وهناك كتل سياسية رأت في اعدامه عملا طائفيا وان الرجل ليس في صفحة اعماله ما يدعو الى اعدامه وحضرت مجالس العزاء التي اقيمت في بلدته بتكريت بل صرحت هذه الكتل ان مبادرة المصالحة الوطنية اصيبت بنكسة كبيرة باعدام صدام وكأن المصالحة صممت واطلقت لانقاذه من حبل المشنقة بل في تفكير صقور هذه الكتل ربما يجب ان تفضي المصالحة الوطنية الى عودة صدام والبعث الى حكم العراق وعودة شعار امة عربية واحدة الى كل الواجهات في بلاد الرافدين !! . من بين الكتل السياسية من تطرف في تأبين صدام رغم ان موقف هذه الكتل ليس بغريب بل الغريب ان لايكون كذلك, ومثلت هذا الاتجاه باشد مايكون هيئة علماء السنة , فقد شاركت في مراسم العزاء في تكريت وانبرى خطيبها في تلك المراسم ليقول انهم مهما عملوا فلن يوفوا صدام حقه ولن يردوا فضله , وانا اجزم انهم صادقون في ذلك كل الصدق فالرجل حوّل العراق الى ضيعة يلعب بها صبيانهم ونساؤهم , فمنهم كبار قادة الجيش والاجهزة الامنية ومنهم كوادر الحزب الحاكم كما حقق لهم الكثير من خططهم الطائفية والعنصرية المقيتة ضد اغلبية الشعب العراقي .
تبعا لهذه المواقف تميز المشهد العراقي الشعبي بفرح غامر في اوساط اكثر من ثمانين بالمئة من العراقيين باعدام صدام وعشرة بالمئة او اقل ناقمين بسبب ماكانوا عليه من تسلط واستئثار واخرين لم يدلوا بشيء.
الموقف العربي :
----------------
وهو ايضا ليس مفاجئا للمراقب , فالدول العربية ومنذ سقوط نظام البعث وزوال صدام اتخذت موقفا سلبيا من الواقع العراقي الجديد , وكانت مواقفها محكومة احيانا بالعلاقة مع واشنطن واخرى بالخلفية الطائفية وثالثة بالخشية ممايجري في العراق وما انجز من دستور دائم وتعددية سياسية واعلام مفتوح وتداول سلمي للسلطة وغير ذلك من الدوافع .
استنكار واستهجان في السعودية لتنفيذ حكم الاعدام في اول ايام العيد , وأسف في مصر, واعتبار صدام اسير حرب وشهيدا في ليبيا ويقام له تمثال الى جنب تمثال عمر المختار , وصلاة الغائب في اليمن والجزائر , واعتبار عملية الاعدام اغتيالا سياسيا حسب واجهة تنظيم القاعدة منظمة حماس في فلسطين , وهناك مواقف تصب في نفس الاتجاه صدرت عن بعض المنظمات المهنية العربية التي تضم بين صفوفها قيادات بعثية كما جرى في الاردن .
هذه المواقف لانريد الدخول في كشف النفاق الذي انطوت عليه لكن تعلل السعودية بقضية العيد ينبغي ان نقف عندها لانها تنطوي على مغالطة في فهم الاحكام الشرعية ونقول حول الموقف السعودي : ان السعودية دعت القوات الفرنسية لاقتحام بيت الله الحرام لقتل الذين احتموا به عام 1979 ابان ملوكية خالد بن عبد العزيز ولم تشفع قدسية المكان لمن احتمى به .
ثانيا / ان ماحُرم في الاشهر الحرم هو القتال الابتدائي واخذ الثأر والغزو القبائلي الذي كانت عليه الجاهلية قبل الاسلام ولم يحرم اقامة الحد وتنفيذ القصاص.
ثالثا / ان السعودية قتلت عشرات الحجاج الايرانيين في مكة في الثمانينات دون مراعاة لحرمة المكان او حرمة الزمان .
رابعا / ان السعودية لم تستنكر ما صدر عن بعض مدعي العلم لديها ومادعوا اليه من حرب ضد اغلبية الشعب العراقي وقتل شيعته في بيانهم قبل اعدام صدام , فهل اقامة القصاص على صدام تثير الاستغراب والدعوة لقتل ملايين العراقيين قضية تستحق النظر والمراجعة ؟
https://telegram.me/buratha