( بقلم : ناجي الغزي )
عندما نتناول هكذا موضوع ساخن ومتداول في أروقة السياسيين والمثقفين على حد سواء لابد لنا أن نذهب إلى تعريف الطائفية أولا والشخص الطائفي , وكذلك نعرف المثقف وأهميته في المجتمع .تعريف الطائفية- هي التعصب لأفكار ومعتقدات تنتسب في الأصل إلى دين معين، دون آخر , أو مذهب دون آخر. والطائفية عكس الوطنية التي تتبنى مبدأ المساواة والعيش دون أي تمييز , والطائفي هو من يحمل تلك المبادئ على أسس طائفية وعنصرية بحتة الغاية منها المحاباة لطائفته دون الأخرى وإلغاء الآخرين دون المبالاة بأي روابط أخرى مع أبناء مجتمعه . أما تعريف المثقف – فهناك الكثير ممن ذهبوا إلى تعريف المثقف وكان أكثــرهم ( انطونيو كرامشي) الإيطالي والذي اعتمد على معايير جديدة, تقوم على الوظيفة والمكانة الاجتماعية التي يشغلها , حيث قال( إن كل إنسان مثقف ولكن ليس لكل إنسان في المجتمع وظيفة المثقف). والمثقف هو الذي يعمل ويتعامل بالفكر والعلم والمعرفة , كالفقيه والعالم والباحث والكاتب . أذن فكل من يكون سلاحه فكره ولسانه رأيه فهو مثقف , والمثقف في المجتمعات المتــقدمة والمتحضرة سلطة فاعلة ومؤثرة ولكن هناك مجتمعات تمرُّ في مراحل حرجة وتحول تاريخي خطير , فقد تتجلّى سلطة المثقف فيها . فهو مسئول أخلاقيا وتاريخيا اتجاه مجتمعه في تلك اللحظة . أولا- بتشكيل الوعي , وثانيا - بتسليط الضوء على القيم الفكرية والأخلاقية التي تنمي من مدارك الفرد وتوسع مفاهيمه ,بكونه منتجاً للوعي الفكري . وهنا نقصد المثقف صاحب الفكر القيم , و ليس المثقف المنتج للمعرفة السطحية . وان مجتمعنا العراقي يمرُّ في تلك المرحلة الحرجة والحساسة في تاريخه السياسي والاجتماعي , وهناك أمراض خلفتها الأنظمة التي جاءت لتحكم العراق في غفلة من الزمن , فذهبت بالعراق وأهله إلى متاهات مظلمة , وللأسف نرى البعض من مثقفي العراق والوطن العربي الآن , يعكسون حالة التجزئة والشرذمة والاحتقان الطائفي الموجود في المجتمع العراقي في الكثير من كتاباتهم وطروحاتهم الفكرية من خلال الصحف ومواقع الانترنيت والفضائيات المسموعة والمرئية . فقد لا يستطيع الكثير من المثقفين أن يبرئ نفسه من الاتهام أمام الشعب العراقي بكل طوائفه ولا أمام التاريخ , فهو متهم في أخلاقه المهني وعدم حياديته في تناول المواضيع السياسية الهامة في المجتمع , حيث انه فاقد لفاعليته الفكرية اتجاه مهمته الأخلاقية والإنسانية واتجاه مجتمعه , لأنه لم يعمل بخصوصيته الفكرية التي تعتمد على إنتاج المعرفة حيث اعد نفسه و أصبح في جوقة القارعين لطبول الحرب مدركين لما يحصل لكن غير آبهين لما سيحصل .
ولقد نسى الكثير من مثقفي العراق التزامه الفكري والإنساني والأخلاقي والوطني اتجاه قضايا شعبه ألأكثر أهمية من شحذ عواطف الناس بالاتجاه المعاكس . و بدلا إن يمسك قلمه هادما كل حواجز العزلة والتفرقة التي تسمم هواء الوطن ,راح يوسع الهوة بين ابناء المجتمع وينحر الجسد العراقي بأفكاره المسمومة تارة والموبوءة تارة . حيث انه لم يبتكر آلية لتخفيف الاحتقان الطائفي وإنقاذ الوطن من براثين الجهل الذي استشرى في ظل غياب العقل , وصمت الأصوات المعتدلة , ونفاق كبير مورس على كل المستويات . وإن مهمة المثقف كبيرة وصعبة للغاية لأنه الأكثر خصوصية في المجتمع .أولا- لأنه مستهدف بكل زمان ومكان من قبل النظام الحاكم ومرصود من قبل المجتمع ككل . فقد يكون موقع المثقف أمام السلطة أما معارض أو مهادن فهو يعيش حالة صراع مرير ربما يؤدي به إلى الهلاك أو إلى النفاق . وبما أن المثقف هو من يملك ملكة الوعي ويستطيع تحريك العقل الراكد ووضع الكثير من النقاط على الحروف لأنه يرى ما لا يراه غيره , فهو مكلف وملزم بنبذ كل مظاهر التشرذم والتفرقة التي تؤدي بالمجتمع إلى الهاوية وتمزق نسيجه الاجتماعي والثقافي والديني , وان من اشد مظاهر الفرقة هي الطائفية , وأخطرها الطائفية الدينية في مجتمع مثل العراق ذو موروث ديني وتاريخي كبير .
والذي يمر بولادة قيصرية في عملية بناء الدولة العراقية الجديدة , وان الهدم والتشويه الفكري الذي يلامس العقول البسيطة من عامة الناس , سيترك تداعيات كبيرة وخطيرة جدا ربما تعطل وتأخر مسيرة البلد البطيئة والمتعثرة , وان التحدي الأساسي الذي أمام المثقف العراقي في الوقت الراهن هو أصلاح العطب الفكري المشوه لدى الكثير من طبقات المجتمع , ووقفة مع الضمير أمام السيل الهائل من الدماء العراقية . وان يرتقي إلى مستوى المسئولية , فوق الشبهات وفوق ذاته المنجرفة تحت مسمى الطائفية , وعلى المثقف أن لا يبتعد عن لعبة خلط الأوراق المبللة بالأوراق الجافة . فالرؤية لم تنعدم عند الجميع ولازلنا نتمتع بنظر جيد رغم إسرافنا في استخدام الأجهزة الالكترونية , وإن العراق اليوم يحتاج إلى فكر باني ومنتج وليس إلى فكر هدام ومعطل , وهناك الكثير من المثقفين التقليديين كما يصنفهم أصحاب الفلسفة , ممن يعيش على ماض ثابت قديم ومتحجر . لا يريد أن يصارح نفسه مع التطور ويكاشفها أمام التحول الحاصل في مجتمعه فهو يحاول عبثا البحث والتنقيب في عبارات وأوهام الزمن الغابر , فالكثير من يريد إعادة أنتاج إيديولوجيته الشوفينية الماضية بهموم المجتمع وقوته اليومي من خلال تمازجها بطروحات طائفية يراد منها تزييف الواقع ونشرها بين الناس . هؤلاء يعيشون في ضمير ظلامي مغيب عن الواقع ويحلمون بعودة زمن الأفاعي الغليضة التي تملك السم الأكبر لحقن أوردتهم . وان ثقافة الصراعات الطائفية لا تحقق إلا الدمار البشري , وان هذا الاتهام لا يتعدى رجال الدين و مفكريهم ومثقفيهم الذين ربما لهم الباع الأكبر في إلزام المجتمع بنبذ ظاهرة الطائفية أو التمسك بحبالها . فهم ملزمين أمام الله والوطن بمهمات كبيرة وكثيرة أولا - توحيد صف الدين وإعلاء كلمة الله ثانيا - عقلنة الدين من خلال تفسير عقلاني لبنية الدين التي تشكل قاعدة أساسية للكثير من المذاهب , وكذلك حث الناس للانتماء الوطني أكثر منه للطائفي وهذا مما يؤدي نتاجا طيبا على المجتمع ككل . لذا على النخب المثقفة العربية والعراقية أن لا تغرق في وهم الطائفية التي تنخر المجتمع وتشتت وحدته . وعلى المثقف أن يذيب العصبيات الطائفية المتوارثة من الأزمنة الغابرة وصهرها في بوتقة المجتمع , وان لا يفقد مهمته في اتجاه التغيير, فتتحول مهمته المعرفية التنويرية إلى تحريضية ويتحول إلى عضو في جماعة تكفيرية ربما !! وقد يخسر دوره التاريخي والأخلاقي
https://telegram.me/buratha