( بقلم: د. وليد سعيد البياتي )
مواقف واتجاهات:إذا كانت الرسالات السماوية قد شكلت تحديا واقعيا لمراحل الضعف البشري على طريق استنهاض العقل من غيبوبة التردي والانحطاط، في محاولة جادة لاعادة صقل النفس الانسانية التي لوثتها الشهوات للارتقاء بها من من مستنقعات الضحالة الاجتماعية والفكرية، فأن هذه الرسالات قد تبنت على مر التاريخ قيما عليا، ومفاهيم تتجاوز الاني والمادي لتنطلق في كونية الوجود مستلهمة وحدانية الخالق في شريعة اتسمت كونها منهجا للتطبيق لا لكي تبقى في قلوب الانبياء والرسل، او في بطون الكتب، فالشرائع والسنن الالهية جاءت لتكون دستورا حيويا وواقعيا يقود حركة الحياة باتجاه فكرة " الجعل الالهي بخلافة الانسان على الارض"، وقد سعت كل الرسالات من اجل تحقيق هذا الهدف، ولما كانت الرسالات السماوية لم تاتي من فراغ بل انزلها الحق سبحانه لتلبي احتياجات المجتمع الانساني بما يتناسب وحركة التاريخ، فان عملية التحول التاريخي، والتشريعي من جماعة بشرية الى دولة قد تطلبت على الدوام منهجية احتلت مساحة بين القوة والحزم، فالقوة البدنية والعقلية بل والنفسية تشكل كيانا مهما في تحقيق ملامح القيادة التي يتداخل في تفعيلها الحزم والذي يشكل العزم والمرونة (وهنا يقصد بها المتوازنة وليست الهشة) اهم عناصرها، فالانبياء والرسل جاءوا مبشرين ومنذرين بل أن وظيفة الرسول الخاتم صلوات الله عليه وآله يحددها القرآن العظيم بالانذار" إنما انت منذر ولكل قوم هاد"، فالانبياء والرسل مثلوا احد اهم أشكال القوة الالهية، كما انهم حققوا إرادة الجعل الالهي في خلافة الانسان على الارض، غير أن الامم لم تتبنى مقالات الانبياء والرسل كما انها حاولت على الدوام ايجاد صيغ مختلفة للحكم لا تتفق والصيغ الالهية، ومن هنا ظهرت اشكالية رفض البعض لقيم الامامة كما ارادها الحق سبحانه فجردوها من قيمها الالهية وحاولوا الباسها قيما ومفاهيم دنيوية، فجعلوا للخلافة بالمفهوم الدنيوي قيمة الخلافة بالمفهوم الالهي، والبسوها غير لباسها، فتسلط على الامة اشخاص انحرفوا بالعقيدة عن مساراتها حتى رضت الامة في عصور انحطاطها ان يتراس عليها الطلقاء وابناء الطلقاء امثال معاوية وابنه الخمير يزيد، ولكن المنحرفون لم يرضوا بذلك فقط بل جعلوا هذا الاسلوب في الحكم هو المنهج السائد، فقطعوا في سبيل تحقيقة رقاب المؤمنين وشردوا الاخيار وتم انتهاك الحرمات، و تم العبث بالعقيدة والشريعة على السواء فظهرت الاكاذيب والروايات الموضوعة،
وحيث اننا هنا لانبحث المسالة من الجوانب التاريخية لكنا بصدد تفسير الحكم من خلال مفاهيم القوة والحزم، فلا غرو ان الحكم يرتكز على اسس منها القوة، فالله تعالى شانه يصف نفسة بانه" القوي العزيز" ووصف جبرائيل عليه السلا بأنه " ذو قوة " غير ان القوة لاتكون واقعية ولا منطقية اذا لم يرد بها تحقيق العدالة، قد يتصورالبعض اني احابي او افضل منهج القوة على بقية المناهج والسبل في تحقيق العدالة، أو اني اظن ان منهج القوة هو المنهج الوحيد لتحقيق النظام!! كلا والف كلا، ان ما اقصده هو القوة العقلانية، القوة المرتكزة على اسس شرعية والتي لا تخرج عن حدود الشرع الاسلامي ولهذا وضعت المقدمة السابقة كمدخل لما سياتي، لقد كان فرعون قويا وكان حازما في اتخاذ قراراته ولم يتأخر عن طرح افكاره لكنه كان طاغوتا حكم بما لم ينزل الله، ولا يمكن له ولامثاله ان يكونوا معيارا او مصداقا لعقيدة الجعل الالهي فهو لم يكن خليفة الله في الارض، ولم يملك قيم الخلافة الالهية إذ ان قيمة الجعل الالهي أن لا يكون الخليفة جبارا في الارض، ومن هنا نجد ان سياسة الحكم ترتكز على قاعدتين اساسيتين من خلالهما يتم تحقيق العدالة:
القاعدة الاولى: القوة: ويراد بها هنا القوة الشرعية التي ترتكز على القيم والمفاهيم الالهية، غير ان بعض مفكري العصرالحديث يجعل القوة نتاجا للعقل الجمعي فيمكن للمجتمع ان يعطي القوة للسلطة او الحكومة عبر تخويلها بالصلاحيات من خلال البرلمانات والتي تشكل الانتخابات احد اشكالها، وتبقى القوة مقيدة بالتشريع السماوي من جهة، وبالتشريع القانوني من جهة اخرى، ويبقى تساؤل هل يحق للسلطة إهمال الحقوق وعدم استخدام القوة تحت حجة المصلحة؟؟ هل يمكن التغاضي عن حقوق المجتمع والمواطنين المنتهكة حقوقهم فترفض استخدام القوة لضرب الاعداء تحت حجج غير واقعية او قانونية؟؟ فلو ان ارهابيا اعترف بجرائمة على شاشات التلفزة وأصر على بث سمومه وكشف عن عداوته للمجتمع وللناس الامنين بل واعلن تاييدة للعمليات الارهابية فهل يمكن او يحق للسلطة الحاكمة التغاضي عن معاقبته وجلبه للعقاب قسرا حتى وان كان خارج الوطن؟؟؟
القاعدة الثانية: الحزم: إن الحاكم الضعيف والمتردد وغير الحازم يكون وبالا على السلطة والمجتمع، فالتردد تضييع للحقوق ويعد ثغرة كبيرة في الحكم، فالحاكم يجب ان يكون حازما في إتخاذ قراراته، حازما في تطبيقها، فالحزم يجنب الحاكم من التهور في اتخاذ القرار، كما انه ينأى به عن التردد والهشاشة المضعفة للسلطة، فالحزم كقيمة تطبيقية اشد ما يظهر في القرارات العليا لكن هذأ لا يعني عدم الحاجة اليه في القرارات الصغرى، ولم يكن الحزم يوما مرادفا للضعف كما لم يكن يعني التفرد بالقرار، فمتى تتعلم حكوماتنا ان تكو ن ازمة في تطبيق العدل؟؟المملكة المتحدة – لندن
https://telegram.me/buratha