( بقلم : مهند السماوي )
المقارنة المضحكة والمبكية:الشعب الروماني والعالم الغربي المتخلفان!والشعب العراقي والعالم العربي المتقدمان! لنقوم بعمل مقارنة بسيطة بين عالمنا العربي،من جهة بما يحمله من تراث هائل موجود في شخصيته الممسوخة بفعل الاستبداد والطغيان،والعالم الغربي بمايحمله من تراث هائل من الحرية والديمقراطيةوالتحرر من كل اشكال القيود،حتى اصبحت الشخصية متحررة أكثر من الطبيعي،كذلك نختار نموذجين من كل منهما وردة الفعل الجماعية على العمل نفسه،ولنختار الشعبين، العراقي من الاول،والروماني من الثاني،ولعدة أسباب،أولهما التقارب الزمني في الابتلاء بالاستبداد والتخلص منه،وثانيا ردة الفعل الاقليمية والعالمية على الحدث في البلدين،وثالثا طبيعة الاستبداد والمستبدين في البلدين المتشابهة،ورابعا الحجم السكاني المتقارب بين البلدين والتاريخ العريق لكليهما.
لقد ابتليت رومانيا،مثل العراق بحزب ديكتاتوري تحول الى عصابة مافية أجرامية،أستغلت وجودها في الحكم،لاشباع غرائزها الحيوانية ونوازعها الشريرة،مستخدمة أقسى أنواع القسوة ضد شعبيهما مع أستخدام التعتيم الاعلامي بأشد صوره على جرائمهم البشعة،وبنفس الوقت مستغلة الاعلام لابراز صورة مزيفة مستخدمة كل وسائل الاغراء والارهاب وخاصة لدى العالم الخارجي،ونجاحهما في غسل عقول ملايين البشر!.وكان على رأس النظامين طاغيتين مريضتين بداء العظمة،مارسا الطغيان ببشاعة مع أسرتيهما وأعوانهما المتخلفين،الفرق الوحيد بينهما،أن النظام البعثي في العراق حاول تصدير تجربته الاجرامية الى خارج الحدود بفضل التشجيع الاقليمي والدولي ولكن فشل فشلا ذريعا في ذلك،بينما لم يحاول النظام الشيوعي في رومانيا عبور الحدود بفضل وجود المانع الاقليمي وعلى رأسه الاخ الاكبر(الاتحاد السوفييتي السابق) والدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة.كان العامل الخارجي دورا رئيسيا في اسقاط النظامين وتحرر الشعبين،ففي حالة رومانيا كان التغيير قد بدأ في الاتحاد السوفييتي ثم تبع ذلك سقوط الانظمة الموالية له مما رفع حالة الدعم الخارجي عن النظام الروماني وشجع الشعب على القيام بثورة حظيت بدعم خارجي،تسببت بسقوط النظام ولكن مع ضحايا كبيرة من جانب الشعب الروماني،وسقوط النظام البعثي في العراق كان بفعل العامل الخارجي أيضا مع سقوط ضحايا كبيرة من جانب الشعب العراقي المنكوب.المفارقة هنا هو القبض على رأسي النظامين في البلدين،حيث جرت محاكمة الطاغيتين(شاوشيسكو وصدام) وكانت محاكمة الاول مباشرة بعد سقوط النظام نهاية1989 وجرت محاكمة سريعة له ولزوجته ليا المتورطة معه في الجرائم بحق الشعب الروماني،واستمرت المحاكمة لعدة ساعات،وبعد ذلك اتخذ القرار العادل بحقهما وهو الاعدام الذي جرى فورا بعد أنتهاء المحاكمة عام 1989.
لم يقل أحد أن الشعب الروماني متخلف أو همجي يمارس العنف والقتل دون محاكمة عادلة ولم يقل أحد أن المحكمة غير عادلة أو غير قانونية أو أن الحكم بحق شاوشيسكو غير قانوني أو عادل،بل رحب العالم أجمع بالحكم الصادر بحقه وعلى رأسه العالم الغربي المتمسك باصول وقواعد المحاكمات الجزائية الطويلة الامد.كذلك لم تتدخل الانظمة والشعوب المجاورة ولم تدافع عن الطاغية ونظامه،ولم تتهم الشعب الروماني بالتهم الباطلة أوتجرح شعوره،بل باركت المحكمة والمحاكمة والحكم الصادر منهما،وانتهت القضية الى هذا الحد ولم يحاول أحد مساعدة عوائل الطاغية وأعوانه أومنحهم اللجوء السياسي أو أجبار الحكم الروماني الجديد على أرجاع أتباع النظام السابق الى أعمالهم أو أملاكهم السابقة،بل تركوه وشأنه وساعدوه على الخروج من محنته وممارسة دوره الطبيعي في المجتمع الدولي،وكان ما كان صحيحا،والان نرى رومانيا بلدا طبيعيا يحيا كبقية الشعوب الحية ويعمل ويتطور بجد لاجل مستقبل أبناءه ويساعد الشعوب الاخرى0 حسب استطاعته وخاصة للتحرر من نير الظلم والطغيان والفساد،فهنيئا له ولجيرانه ولشعوب العالم الغربي،ولنرى حالة البلد الاخر:العراق.
لم يعتقل الديكتاتور صدام من قبل افراد الشعب العراقي،حتى تجري له محاكمة عادلة مثل محاكمة الديكتاتور الروماني،بل تم اعتقاله على يد القوات الامريكية،وفي منطقة موالية له على حساب وطنهم،وبعد ذلك جرت له محاكمة عادلة ونزيهة،ومطولة ،كبقية المحاكمات في دول العالم الاخرى، وتبث عبر شاشات التلفزة العالمية،فكانت منتهى الشفافية والعدالة التي حرم منها ضحايا النظام البائد،والذين يقدرون بالملايين وكانت دليلا ناصعا على تطور العراق الحر الجديد،وتطبيق حكم القانون على المجرمين أيا كان،ومهما كان حجم جرائمهم،فكان ذلك خطأ فظيعا! ليس في عمل المحكمة وحكمها،وأنما في المحيط العربي المتخلف،الغارق في بحر الطائفية والعنصرية(حتى تفوق على نظام جنوب أفريقيا السابق)والجهل والهمجية، والذي لايعرف القانون والعدالة،بحق الطواغيت وجرائمهم البشعة،بقدر ما يعرف المحاكمات الصورية السريعة،التي لم و لن تبث أبدا عبر شاشات التلفزة،لكي يشاهدها الضحايا وأتباع الطواغيت معا!.فماذاكانت ردة الفعل على تلك المحاكمة في حق مجرمين يستحقون وبجدارة حكم الاعدام الفوري كما استحقه شاوشيسكو وموسوليني في أيطاليا وغيرهم كثيرون؟.
الجواب من قبل غالبية الناس في دول العالم العربي،هي أن المحكمة والمحاكمة والحكم غير عادل!فما قيمة الملايين من الضحايا أذا كانوا في معظمهم من غير دينك أو مذهبك أوقوميتك!فليذهبوا جميعا الى الجحيم،أذا لم يكونوا في مستوى قذارتي وهمجيتي التي يشهد العالم عليها،وأفتخر بها!.كان الرأي الشاذ في العالم الغربي،هو السائد لدينا في العالم العربي،والسائد لديهم،هو الشاذ لدينا،فأثبتنا لجميع الامم والشعوب!وللتاريخ أيضا،حجم الشذوذ لدينا بالاضافة الى حجم التخلف والهمجية،وأصبح لدينا لقب جديد،نفتخر به على الامم الاخرىيضاف الى ألقاب الامة العربية المجيدة!هو(الامة الشاذة).
أذا كان المعارضون للمحكمة والحكم في الغرب،في حكم الشواذ،نظرا لتأييد الغالبية هناك،لقرارالشعب العراقي الجريح،والذي كان من المفروض أن يتم بعد سقوط الديكتاتورية مباشرة،فأن الغالبية من الشعوب العربية هو معارض وبشدة له!ولتبرير المعارضة أسباب شتى منها مايدل على تفاهة وأنحدار العقل العربي،والتي ضحكت من سذاجتها وتفاهتها الامم!ومن أبرزها أن المحكمة تحت الاحتلال ،بل أنها امريكية،رغم اننا لم نشاهد سوى العراقيين في تلك المحكمة،لا بل شاهدنا فريق الدفاع يضم امريكي بالاضافة الى حثالة المحامين العرب،الممثلين الحقيقيين للحثالة العربية الجديدة،وهل أن محاكمة عصابة أجرامية،يحتاج الى القول ان هناك أحتلال،فأذا كانت البلاد العربية كلها الان محتلة،لعدم وجود أي نظام عربي حر وشرعي ودستوري،يستمد حكمه من الارادة الشعبية والوطنية،ولتابعيتها الى الدول الكبرى الى درجة تشمئز النفوس الحرة الكريمة منها،فعلام التبجح الوقح،بأن هناك أحتلال.
لعبت وسائل الاعلام العربية،أقذر الادوار، خاصة في ظل تابعيتها الى انظمة مستبدة متخلفة،وبدلا أن تأخذ رأي الضحايا في قرار الحكم،تأخذ وبوقاحة منقطعة النظير،رأي الشارع المنحرف،واعوان المجرمين!،فكانت خير ممثل للانحراف العربي.وصف الشعب العراقي ومحكمته العادلة،بأفظع الكلمات وأقذرها،ووصف الشعب الروماني ومحكمته السريعة الفاقدة لمواصفات المحاكمات الدولية،بأروع الكلمات وأجملها!،ولم يتم أبدا مراعاة شعور العراقيين وبقية ضحايا الدول المجاورة.
المهازل العربية لا تنتهي:التاريخ المعاصر مليء بالمهازل العربية التي لا تعد ولاتحصى،ووصلت الى حد الكوارث الوطنية،من أبرزها تصوير النكبات والهزائم العربية المتتالية،انتصارات كبرى!والتخلف العربي،على أنه تقدم،والديكتاتورية على أنها حكم الشعب،والاستبداد على أنه حرية وديمقراطية،وغيرها من الخزعبلات التافهة.لنأخذ أكبر دولة عربية،وهي مصر،حكمها الديكتاتور عبد الناصر،فترة طويلة،ومازال الكثيرون يحبونه ويمجدونه،ويدافعون عن فكره التافه وطغيانه وجرائمه البشعة وهزائمه العسكرية المنكرة،رغم مرور عشرات السنين على موته،في داخل مصر وخارجها،ويكفي المهزلة الكبرى خروج أكثر من ثلاثة ملايين لتشييعه الى مثواه الاخير،وهو المسؤول الرئيسي عن ثلاث نكبات عسكرية كبيرة لبلده وأمته،وهي هزائم 1956،1967،وحرب اليمن،بالاضافة الى جرائم الحكم بحق الشعب،وجريمته الكبرى،الوصول الى الحكم والبقاء فيه بصوره غير شرعية،وغيرها من الجرائم الكثيرة،فهل هناك من عاقل،يشيعه الى القبر ويبكي عليه،ويدافع عنه وعن نظامه المجرم الفاسد!.
لنأخذ بلد آخر،وهو اليمن الذي أعاد أنتخاب(رغم التحفظ على الانتخابات وماجرى فيها) طاغيته الصغير،الذي يحكم البلد منذ1978 بصورة غير شرعية،واليمن مازال على تخلفه،ومازال سعيدا بذلك التخلف!مع العلم أن الانفتاح في الصين بدأ أيضا في عام 1978 وفيها التطور الاقتصادي الاعلى في العالم منذ ذلك الحين،رغم أن الفرص المتوفرة لليمن أكثر منها لدى الصين!،ناهيك عن المساعدات السنوية التي تتلقاها ووجود العمالة في دول الخليج وتوفر الثروات الطبيعة وكبر المساحة والموقع الجغرافي الممتاز،أما الان فلا مجال للمقارنة!.بلد آخر يتصف بالحرية النسبية،وهو لبنان،رغم ذلك متمسك بالطائفية،ويعيد أنتخاب أبناء العوائل الاقطاعية السياسية،لكل الطوائف!ومن بينهم أمراء الحرب،الذين تسببوا بالكوارث للبلد أيام الحرب الاهلية،وأذا قتل أو توفي سياسي،يتسارعون لاختيار خليفته من أسرته وكأن البلد خالي من الكفاءآت والشخصيات الوطنية المخلصة من غير تلك العوائل الاقطاعية،بل يتسارعون لتأييده ومن ضمنهم أصحاب العقول الكبيرة،ياللتفاهة!أهكذا العقل العربي!أتلك خيرالامم كما يدعي القوميون العنصريون العرب؟بل أنها أتفه الامم،وأكثرها سذاجة وحمقا!.
أما الاردن،أو مملكة شرق نهر الاردن،وهي التي شعبها يضم أكثر المؤيدين لنظام صدام المجرم،والحجة أنه أكثر شخص أستفاد من حكمه، الاردن،وكأن الفوائد الاقتصادية من جيب صدام وعصابته الاجرامية،وليست من العراق،شعبا وأرضا!يكفي القول عن تلك الدولة،انها دولة مسخ،غريبة في كل شيء!.أما شعب فلسطين،والذي مازال يناضل،لتكوين دولته،فبدلا من أن يسعى للحصول على تأييد جميع دول وشعوب الارض،في صراعه الطويل،وهو مايفرضه عليه العقل والمنطق،فأنه كبقية الشعوب العربية،والتي لايختلف عنها في شيء! يخلق له أعداءا،من دول وشعوب مختلفة وهي السياسة التي درجت عليها مختلف المنظمات الفلسطينية،مهما كان الخلاف فيما بينها!وهي سياسة ثابتة لديهم عكس الجزائريون أثناء صراعهم مع الاستعمار الفرنسي،الذين حرصوا على عدم الخوض في الصراعات الدولية والاقليمية،وشكروا الجميع على دعمهم لهم،وقد أدت تلك السياسة الناجحة الى تحرير بلدهم والابقاء على التأييد العالمي لهم،وبدلا من أن يستفاد الفلسطينيون من تلك التجربة الخلاقة لتحرير بلدهم،مارسوا سياسة جوفاء عادوا بسببها دول وشعوب كثيرة،ومنها الشعب العراقي،وبدلا من الوقوف الى جانبه،فالمظلوم دائما يقف مع المظلومين أمثاله،لكن العبقرية الفلسطينية،آثرت الوقوف مع الطاغية الارعن،والذي تسبب بالكوارث للقضية الفلسطينية منذ مجيئه،فما كان من وقوفهم الى جانبه أيام الحرب مع أيران وهي التي صادقة تدعمهم،ومازالت،لكن الغباء مع الحقد المذهبي والعنصري،حول التأييد لصدام! وكذلك الصراع مع الاردن وسوريا ولبنان ودول الخليج أثناء غزو الكويت،أدى الى فقدانهم التأييد والدعم الضروريان في صراعهم،وعلى العكس من ذلك كان عدوهم أذكى منهم كثيرا،ولهم سياسة ثابتة في التعاون مع الدول والشعوب الاخرى،وسوف يبقى الفلسطينيين في صراعهم ما دامت كل تياراتهم متمسكة بالغباء الاستيراتيجي المستند على قاعدة العداء العنصري والديني والمذهبي.لا أريد الدخول في تفاصيل كل الدول العربية فهي واضحة للعيان،ولاتحتاج الى ذكاء في التحليل للوصول النتيجة المعروفة في تفاهة وأنحطاط العقل العربي،وليس هنالك من سبيل للخروج من متاهةالمجهول في تهافت الشعوب العربية نحو الانحطاط والجهل والهمجية والعنصرية والطائفية والمذهبية والاستبداد الذي يحول الشعوب الى مجموعة من القطيع الحيواني،سوى الى ثورة عظمى في التغيير الذاتي للخلاص من كل مايجعلنا أبعد عن الانسانية اللطيفة وأقرب الى الوحشية الهمجية، ويكون رأس حربة التغيير كل المثقفين والكتاب والمفكرين والعلماء والمخلصين الشرفاء،وتكون البداية في الشعوب المغلوبة على أمرها ذاتيا وخارجيا،وتكون كلمة الحق فوق كل الميول والاهواء والنحل فلنكن أحرارا كالاخرين على الاقل، حتى لا تنطبق علينا رواية جورج أرويل الشهيرة(1984)قبل التغيير،أو روايته الشهيرة الاخرى بعد التغيير(مزرعة الحيوان) والتي لم ولن يقرأها ألا .....
https://telegram.me/buratha