ردا على الكاتب الامريكي كوبرت صاحب مقالة ( اية الله العظمى خلف الستار )المنشورة في صحيفة الواشنطن بوست بتاريخ 28/10/2006 ( بقلم : اكرم الزبيدي )
يبدو ان الانتخابات القريبة للكونجرس الامريكي والتنافس المتصاعد والمحموم بين الجمهوريين والديمقراطيين جعل البعض لايحسن اختيار المفردات بل وحتى التعبير،وكما يظهر ان كل شيء في امريكا هو من اجل الانتخابات ولا شيء آخر،فكل شيء صالح للتوظيف ،ولو اقتضت الضرورة السياسية ــ وما اوسعه من عنوان ــ ان تُحجب الحقيقة او ان يُتعبد بالاوهام لفعل البعض ذلك دون ادنى تريث او تامل ،وما جادت به قريحة الكاتب الامريكي كوبرت لهو خير مثال على ما ذكرت ،فقد امتلأ مقاله وللاسف الشديد بالكثير من المغالطات والشبهات والتي كنت اتمنى من الكاتب عدم الوقوع فيها والترفع عنها ،فهو في بداية مقالته يطرح سؤالا تم توجيهه (خلال هذا الاسبوع الى المكتب الصحفي لمجلس الامن الوطني الامريكي) ،
والسؤال هو (هل التقى اية الله العظمى علي السيستاني باي مسؤول امريكي عسكريا كان ام مدنيا منذ اجتياح القوات الامريكية العراق عام 2003؟ ) وبعد السؤال مباشرة وفي معرض جوابه يطرح الحكم المسبق والمعرفة القبلية والتي يحاول ان يقود البحث اليها ليوهم بذلك الراي العام الامريكي ويوظف مقالته لانتخابات الكونجرس،والتي هي الهدف الحقيقي من هذه المقالة ،ومفاد الحكم المسبق هذا ( هو مدى بُعد ادارة بوش وكما كانت دائما عن الواقع في العراق ) وهنا يبدء الكاتب بطرح مقدمات بعضها صحيح والاخر مغلوط ،فالصـــحيح منها مثلا ان الســــيد السيستاني هو ( اقوى شخصية في العراق ) وانه ( كان قد تعرض لعدة محاولات اغتــيال في فترة حكم الطاغية صدام )،(وانه يعتبر نفسه خارج السيطرة الامريكية )،وهذا هو عين الصواب ،لان هذا العالم الرباني لم ولن ترهبه اساطيل العالم اجمع وقواتها بما فيها امريكا ،ثم يسترسل الكاتب الى امر آخر وهو( ان الشيعة هم القوة السياسية الرئيسية في البلاد وهم القادة في الحكومة الجديدة )...الخ ليصل بعدها الى نتيجة قد حاكتها بديهياته السياسية ذات الطابع النفعي ان (على السيد السيستاني على الاقل ــ ولا ادري ماهو الاكثر ــ ان يقابل بوش وجها لوجه ويقول له شكرا لك ) ، بهذه الطريقة المغلوطة والمعوجة تسلسل صاحب المقال ليصل الى ذروة ما يفكر فيه ويطمح اليه ،اما سبب عدم لقاء سماحة السيد دام ظله بالمذكورين فهو في منظور الكاتب يعود الى كون (بوش وجيني ورايس واتباعهم .. غير مسلمين ويعتبرهم كفارا او ملحدين) ،
وهنا اقول لصاحب المقال ولاشباهه امور عليه التمعن بها ودراستها جيدا واهم من هذا وذاك هو التجرد من الاوليات والمبادئ النفعية المركوزة في عقول السياسيين وعدم التاثر بالاجواء والصخب الانتخابي ،والامور هي :
1ــ كنا نظن قبل السقوط او ما يسمى بالتحرير ان امريكا فعلا عازمة على التغيير والهدف هو جعل العراق الانموذج المغري الذي ستسيل له لعاب الشعوب والتي ستطالب بالتغيير وعلى وجه السرعة شريطة ان يكون التغيير على غرار الطريقة الامريكية في العراق والا فلا ،وهذا من باب الجهل بالسياسة الامريكية وبمخططاتها الرهيبة ،ان لم يكن من باب الرغبة العارمة في التغيير وما يتبعها من اثر نفسي تجاه المخلّص المرتقب ،ولكن وبعد التغيير بانت الحقيقة ساطعة كسطوع الشمس ،وهي ان الهدف ليس كما كنا نظن وهو خلق المثال الاكمل الديمقراطي في المنطقة ،وانما هناك امر اخر قد دُبر في ليل وخُطط له سلفا ،وهو خلق بؤرة استقطاب للعناصر والفايروسات الارهابية في العالم وجعل العراق ساحة احتراب وقتال وليذهب الشعب العراقي عن بكرة ابيه الى الجحيم ،فالعراق في نظر الساسة الامريكان هو جرح مفتوح دوره استقطاب الجراثيم الارهابية والتي اوجعت امريكا في عقر دارها ،لذا فقد اختاروا المكان والزمان المناسبين ــ في منظورهم ــ وليبدء العمل بالتجربة ولكن فوق رؤوس العراقيين ،فهم وان كانوا وللحقيقة يمتلكون مضادا حيويا لهذا الجرح الملتهب الا انه من غير الصواب في المنظور الامريكي استعماله ،اذ يجب ان يبقى هذا الجرح مكشوفا والى الابد ليتضاعف التهابه وليحمي امريكا من هذه الفايروسات الارهابية ،ونحن نعلم والجميع كذلك ان لا مبادئ ولا قيم ولا انسانية ولا عامل القربى الى الله في السياسة ،فهي ـ اي السياسة ـ كما اراها بحر هائج مائج كل شيء فيها متغير وليس فيها اية ثوابت سوى ثابت المصالح ،وهذه الخطة الخبيثة والماكرة ( سياسة استقطاب الارهاب ) هي اخر ما افرزته قريحة الساسة الامريكان وعملوا على ضوئها وقد صرح بوش مرارا وتكرارا اننا هاجمنا الارهاب في الخارج حتى لا يغزونا في الداخل ،اذن الامر ليس كمـــا تقول ( .. ان اقوى امة في العالم والتي ارسلت بكرم 140 الف جندي من خيرة ابنائها لكي يقاتلوا ويعانوا ويموتوا من اجل تحرير العراق من قبضة البعث ..) والدليل اين كنتم في انتفاضة الـ (91 ) بعد ان دفعتم الشعب العراقي للثورة على حكّامه ، فاذا ما فعل وانتفض وقفتم تتفرجون عليه كيف يذبح على يد جلاديه ،لا لشيء سوى ان السعودية بلد الدكتاتورية والملكية المطلقة ــ التي تفضلتم عليها بعدم ضرورة اقامة الديمقراطية فيها !! ــ ارتأت ذلك والتقت معهم مصالحكم فابقيتموه ، فاذا ما توصل ابناء هذا البلد الجريح الى هذه الحقائق المرة والقناعات الراسخة ،فهل من المعقول ان تنتظر امريكا من ابناء هذا البلد الاحترام والتكريم فضلا عن استقبال سماحة السيد السيستاني لرئيسه او لقادته !! استقبال الفاتحين المنتصرين ،وهنا انتهي الى نتيجة على ضوء ما ذكرت ان هذا الطلب هو غباء محض لم اتوقعه من كاتب يحترم قلمه وفكره ليطلبه او حتى ان يفكر فيه .
2ــ اما قولك ( وانه ــ ويعني سماحة السيد ــ لن يدع بوش وجيني ورايس بان يرونه لانهم غير مسلمين ويعتبرهم كفارا او ملحدين...) اقول له ألم يستقبل سماحته السير سرجينو دي ميللو مبعوث الامم المتحدة في بغداد وكان مسيحيا وقد نعاه ببيان يوم قضى في الحادث الاجرامي على مقر الامم المتحدة وعبر عنه في حينها بالمرحوم مع كلمات المواساة والتابين ،ثم ألم يستقبل رئيس جمعية الصليب الاحمر وكان مسيحيا ايضا ،ولو كان هذا هو المعيار لكان عليه ان يستقبل السفير الامريكي زلماي خليل زاده كونه مسلما ! وقد رفض استقبال سفير فرنسا ايضا وبعض القادة البريطانيين ،واحب هنا ان اعلمك بامر لن تتوقعه ابدا وقد سمعته بنفسي من سماحته شخصيا يوم استقبل احدى الشخصيات الوطنية قائلا له : ( نحن ليس لدينا مشكلة ،في ان يكون رئيس الجمهورية نصرانيا ،المهم العدالة ) ولا يعقل ان يكون صاحب هذا الخطاب المعتدل والمتفتح ان يحمل في طياته ماذهبت اليه !!
3ــ اما قولك ياكوبرت ( كيف يمكن ان لا يلتقي هؤلاء القادة مع القيادي العراقي المستفيد الاكبرمن سقوط صدام ) فهو مردود من اساسه كون ان سماحته يعلم جيدا ما هي دوافعكم الحقيقية وبواعثكم الواقعية تجاه العراق وشعبه وما يدور في خلدكم وما تخططون له ،ثم ماذا استفادت المرجعية من هذا كله وما هو مشروعها الخاص حتى تتحقق الاستفادة ،هل هناك شيء غير الالام والغصص وهي ترى شعبها بكل اطيافه يُقتل تارة ويتمزق اخرى ،وانه ـ اي العراق ـ قد اختارته الامبراطورية الامريكية العتيدة لكي يكون حجابا اماميا متقدما لكي يُحفظ بلدها الام امريكا !! ولو ان سماحته استقبل هؤلاء واشباههم ،قطعا وجزما اقول انهم سيقولون ،ان العراق اصبح ولاية فقيه وانه اصبح دولة اسلامية ،وان سماحته هو من صيّرها كذلك !!
4ــ اما قولك ( ان بوش وأعلى قادته لم يروا الرجل بأعينهم ابدا ،بينما آية الله العظمى علي السيستاني يسيطر عليهم كأنهم دمى متحركة بخيط ،كما لو كان شيئا من سحر السيد (اوز) !!) اقول له ان هذا هو شأن العظماء من البشر اصحاب المبادئ والقيم ممن زهدوا في الدنيا لكي يسعدوا شعبهم واصروا في ان يحيوا حياة المسحوقين كيما يروا بشائر الفرح في عيون ناسهم واهلهم ،وتيقن يا كوبرت لو كان هناك ثمة مشروع خاص لسماحة السيد السيستاني او هدف شخصي يسعى اليه لما تربع على عرش القلوب ولما كانت له هذه الهيبة في النفوس والسلطان عليها ولاستطاعت حينها عقول الغرب ان تكتب دستور العراق وان تمرره علينا لانها حسبت لكل شيء وخططت له الا سماحة السيد ـ دام ظله ـ اذ لم يكن بالحسبان،فتنبه !
منشورات مؤسسة المنبر الحر / كربلاء المقدسة
https://telegram.me/buratha