الدكتور فاضل حسن شريف
جاء في کتاب مقامات فاطمة الزهراء في الكتاب و السنة للشيخ محمد السند: فاطمة وحجيتها على الائمة: الجهة الأولى: حجّيتها على الأئمة عليهم السلام: لما كانت علّة الخلق هي عبادة اللَّه تعالى لقوله: "وَ ما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَ الْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ" (الذاريات 56) فانّ العبادة لا تتم إلا بمعرفته تعالى، ومعرفته لا تتم إلا برسله وأوليائه، اذ هم حججه على العباد في كل زمان فهم الطريق اليه والمسلك الى سبيله. مقام الحجية إلهي تصل بوساطته العلوم الإلهية اللدنيّة الى عباده. وإذا كان أهل البيت عليهم السلام حجج الله على خلقه فانّ أمّهم فاطمة حجة الله عليهم، وهي ما صرّحت به رواية العسكرى عليه السلام: (نحن حجة الله على الخلق، وفاطمة عليها السلام محجّة علينا). روى فراتى الكوفي في تفسيره، قال: حدّثنا محمّد بن القاسم بن عبيد معنعناً عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: ("إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ" (القدر 1) الليلة فاطمة والقدر اللّه، فمن عرف فاطمة حقّ معرفتها فقد أدرك ليلة القدر، وانّما سميت فاطمة، لأن الخلق فطموا عن معرفتها)، وقوله "وَ ما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ" (القدر 2-3) (يعني خير من ألف مؤمن، وهي أمّ المؤمنين)، "تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها" (القدر 4) والملائكة المؤمنون الذين يملكون علم آل محمد صلى الله عليه وآله والروح القدس هي فاطمة عليها السلام. "بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ" (يعني حتّى يخرج القائم عليه السلام). فقد روى زرارة عن حمران قال سألت أبا عبد اللّه عليه السلام عمّا يفرّق في ليلة القدرهل هو ما يقدر اللّه فيها؟ قال: لا توصف قدرة اللّه، إلا أنه قال "فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ" (الدخان 4) فكيف يكون حكيماً إلا ما فُرق، ولا توصف قدرة اللّه سبحانه لأنه يحدث مايشاء. وأما قوله "لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ" (القدر 3) يعني فاطمة عليها السلام، وقوله "تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ فِيها" (القدر 4) والملائكة في هذا الموضع المؤمنون الذين يملكون علم آل محمّدعليهم السلام وبِالرُّوحِ (روح القدس، وهو في فاطمة عليها السلام) "مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلامٌ" (القدر 4-5) (يقول من كل أمر مسلّمة) "حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ" (القدر 5) يعني حتّى يقوم القائم عليه السلام. وكما هو الحال في وساطة النبي صلى الله عليه وآله لايصال القرآن لهم، ففي صحيحة زرارة قال: (سمعت أبا جعفرعليه السلام يقول: لولا أننا نزداد لأنفدتا، قال قلت: تزدادون شيئاً لا يعلمه رسول اللّه صلى الله عليه وآله، قال: أما إنّه إذا كان ذلك عرض على رسول اللّه صلى الله عليه وآله ثم على الأئمة ثم انتهى الأمر إلينا).
يقول الشيخ السند في كتابه: وفي رواية عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:(ليس يخرج شيء من عند اللّه عزّوجلّ حتّىيُبدأ برسول اللّه صلى الله عليه وآله ثم بأمير المؤمنين عليه السلام ثم واحداً بعد واحد لكي لا يكون آخرناأعلم من أولنا) فالوساطة ليست في خصوص الوجود الكتبي للقرآن، بل في ايصال الحقائق النورية للقرآن الى أنوار أرواحهم عليهم السلام، فالالقاء والتلقي نوريٌ بلحاظ نشأة الملكوت المطوي في وجوداتهم وأرواحهم كما يشير اليه قوله تعالى:"إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ فِي كِتابٍ مَكْنُونٍ" (الواقعة 77). وقد بيّن الإمام أبو عبدالله الصادق عليه السلام ما يتضمنه هذا المصدر العلمى الإلهى في رواية بقوله: (انّ فاطمة مكثت بعد رسول الله صلى الله عليه وآله خمسة وسبعين يوماً، وكان دخلهاحزنٌ شديد على أبيها، وكان جبرئيل عليه السلام يأتيها فيُحسن عزاءها على أبيها ويُطيّب نفسهاويُخبرها عن أبيها ومكانه، ويُخبرها بما يكون بعدها فى ذريتها، وكان علي عليه السلام يكتب ذلك، فهذا مصحف فاطمة عليها السلام).
وعن حجّيتها على الأنبياء المرسلين يقول الشيخ محمد السند: ويدلّ عليه من الكتاب بوجهين: الأول: كونها مطهّرة تمسُ الحقيقة العلوية الملكوتية للقرآن الكريم في اللوح المحفوظ كما تقدمت الاشارة إلى السور القرآنية الدالة على ذلك، وكما سيأتي في مقامات أخرى لاحقة والذي يُحيط بعلم الكتاب المهيمن على بقية الكتب السماوية السابقة يفضل على أصحاب تلك الكتب، حيث وصفت توراة موسى بأن فيه تبيان من كل شيء لا تبيان لكل شيء، فضلًا عن بقية الكتب. الثاني: قوله تعالى "وَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ * قالُوا سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قالَ يا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمائِهِمْ قالَ أَ لَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ أَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ" (البقرة 31-33). وقوله تعالى: "قالَ يا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعالِينَ" (طه 75). فظاهر هاتين الآيتين والتي استعرضت كذلك في سور أخرى، من أنّ هذهالأسماء كانت موجودة حيّة شاعرة عاقلة، لأن الضمير واسم الإشارة المستخدم فيالآيات المزبورة عائدة إلى العاقل الحي الشاعر، ومقتضى حصول آدم على شرف الخلافة الإلهية واسجاد الملائكة كلهم أجمعون خاضعين طائعين له كان بسبب تشريفه بالعلم بتلك الموجودات الحيّة الشاعرة، مما يفضي بشرافة مقام تلك الموجودات الحيّة الشاعرة العاقلة على مقام آدم فضلًا عن جميع الملائكة، ومما يقضي أن خلفاء اللّه من الأنبياء وجميع المرسلين أوصيائهم الذين يندرجون تعاقباًفي قوله تعالى "وإذ قال ربّك للملائكة انّي جاعل في الأرض خليفة" (البقرة 34) انّما يشرفون ويؤهلون بمقام الخلافة الإلهية في الأرض، انّما هو بتوسط تشريفهم بالعلم بتلك الموجودات الحيّة الشاعرة العاقلة، والتي أشار إليها تعالى في سورة ص بالعالين لأنّه تعالى حصر ما سوى آدم في قوله "أستكبرت أم كنت من العالين" (ص 75) كونه دون آدم فيكون عدم سجود ابليس استكباراً، أو هو من العالين الذين لا يخضعون لآدم ولا لطاعته بل يفوقونه، وليس أولئك إلا الموجودات الحيّة الشاعرة العاقلة الذين ببركتهم شرّف آدم بذلك المقام، فكيف يكونون دونه خاضعين وطائعين له؟
وعن المقام الثالث مريم بنت عمران مثل ضربه الله لفاطمة عليها السلام بقول الشيخ السند في كتابه: قال تعالى: "وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا وَ صَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها وَ كُتُبِهِ وَ كانَتْ مِنَ الْقانِتِين" (التحريم 12). عن أبي عبدالله عليه السلام أنّه قال (ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها مثلًا ضرب الله لفاطمة عليها السلام وقال: انّ فاطمة أحصنت فرجها فحرّم الله ذريتها على النار). وقبل ذلك، لابد من التنبيه الى قاعدة في باب المعارف أشارت إليها روايات أهل البيت عليهم السلام وهي أن ما ذكر في القرآن الكريم من الأنبياء والرسل والأوصياء والحجج وما لهم من مقامات ومناصب وشؤون إلهية إن من غاياته المهمة كونه مثلً اضربه الله تعالى لمقامات وشؤون النبيّ وأهل بيته عليهم السلام، وهذه القاعدة باب ينفتحمنه أبواب عديدة. فالمماثلة بين حالتي فاطمة عليها السلام وبين مريم عليها السلام تتم من وجوه قرآنية- قرآنية أي ستكون المقارنة بينهما على أساس استقراء قرآني للآيات الواردة في مقامات مريم عليها السلام وبين الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الواردة في مقامات فاطمة عليها السلام لنجد مدى الترابط الوثيق ووضوح المشتركات التي تؤهّل الباحث من متابعة أوجه التشابه بين المقامين.
https://telegram.me/buratha