يُدرَس التاريخ للعبرة والعظة وتربية الأجيال يقول الله سبحانه وتعالى (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون)....( 1) ، وكل أمة من أمم الأرض تعتبر درس التاريخ من دروس التربية للأمة نتيجة الاستفادة من تجارب الماضيين ، فتصوغه بحيث يؤدي مهمة تربوية في حياتها ، ولا يعني هذا تزوير التاريخ لإعطاء صورة وضاءة لإحداث أثر معين في نفس الدارس ، ولا الى إغفال عثرات الماضيين وانتكاساتهم ، وإبراز الأمجاد والبطولات وحدها فهذا ليس المطلوب ، إنما المطلوب أن يكون الدرس التربوي الأكبر هو المستفاد من درس التاريخ ، إن أحوال هذه الأمة في صعودها وهبوطها ورفعتها وانتكاستها إنما حدثت نتيجة أفعال معينة قام بها الذين سبقونا ولا يمكن لهذه الأحداث أن نغيَّرها أو نحرف مسارها فقد حدثت وسجلها التاريخ على صفحاته وما علينا إلا الاستفادة منها في إتباع الصحيح منها وتجنب أخطاءها من أجل حياة أفضل في الدارين ، ويقول الله عز وجل عن أهمية الحدث التاريخي ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب)....( 2) أي في دراسة الحدث وأخذ العبرة منه يكون الهدى والفلاح ، وما يؤلم الإنسان في هذا الزمن هو ابتعاد الأمة عن تاريخها بما يحتوي من أحداث وإهمال ذلك التاريخ يعني إهمال أحداث تعتبر شاهد حي عن كثير من المواقف التي أصبحت اليوم المرتكز للكثير من العقائد والأفكار والتاريخ ليس علم الماضي بل هو علم الحاضر والمستقبل ، لأنه المرتكز الذي ترتكز عليه الأمم لبناء وعيش الحاضر والتخطيط للمستقبل ، من أجل بناء حياة سعيدة في الدنيا والفوز بالجنان في الآخرة ، لهذا علينا دراسة الأحداث بشكل عادل ومفصل حتى نصل الى روح الحقيقة التي يبحث عنها كل إنسان عاقل يعرف علة حقيقة خلقه وهي عبادة الله سبحانه وتعالى ، لهذا عندما نمر على كتب التاريخ تستوقفنا عبارة الرزية كل الرزية بما جرى في يوم الخميس وهذه العبارة الى شخصية تلقب بحبر الأمة عند المسلمين كافة وهو عبد الله بن عباس ، رزية يوم الخميس كما يرويها أبن عباس( في البخاري ومسلم) : (عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب فقال النبي صلى الله عليه وسلم " هلم أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده " فقال عمر:إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن حسبنا كتاب الله ، فأختلف أهل البيت فاختصموا فمنهم من يقول قربوا يكتب لكم رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً لن تضلوا بعده ومنهم يقول ما قال عمر فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "قوموا " قال عبيد الله فكان يقول ابن عباس إن الرزية كل الرزية ما حال بين رسول الله وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم) ...(3) ، من هذا الحديث نستنتج أن الذي منع أمر رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) أن ينفذ هو عمر بن الخطاب والله سبحانه وتعالى يقول (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا)... ( 4) ويعلل عمر بن الخطاب منعه بعبارة غلب عليه الوجع (إنه يهجر في بعض الروايات) أي لا يعلم ماذا يقول والله سبحانه وتعالى يقول ( وما ينطق عن الهوى ، إن هو الا وحي يوحى) ، فأختلف المجتمعون وأكثروا اللغط ومجموعة تقول مقالة عمر والأخرى تقول قربوا يكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبدا ، أي هناك حزبان في المدينة أحدهما رفض أن يكتب رسول الله كتاباً وهذا الكتاب يبعد الأمة عن الضلال والأخر أييد رأي الرسول (صل الله عليه واله وسلم) في كتابة الكتاب ، علماً أن هذا الكتاب هو امتداد لكتاب الله سبحانه وتعالى لأنه يبعد الأمة عن الضلال والله سبحانه وتعالى يقول ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين)....(5) ، ونستنتج من هذه الرواية احتمالان :
الأول : إن عمراً لم يفهم أو يعي معنى الرسالة قط ولم يعرف آيات الله عندما منع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) من كتابة الكتاب والقرآن يصرح ويوضح لا يمكن للمؤمنين أن يرفضوا أمر الله ورسوله قال الله سبحانه وتعالى ( وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا).... ( 6) وكل ما يأتي به رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) هو من عند الله قال الله سبحانه وتعالى ( وما ينطق عن الهوى ، إن هو إلا وحي يوحى).... (7) ولا يمكن للمؤمنين أن يشرعوا لأنفسهم أحكاما قال الله سبحانه وتعالى (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم )....( 8)، وإن عمر بن الخطاب لا يعنيه أمر هداية أو ضلال الأمة وهو يسمع رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) يؤكد بأن بعد كتابة هذا الكتاب لن تضلوا بعده أبدا قال الله سبحانه وتعالى (فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق الا الضلال فأنى تصرفون ).....(9).
الاحتمال الثاني : إن عمر بن الخطاب يعرف ويعي كل الذي ذكر في الاحتمال الأول ولكنه كان رافضاً لمحتوى الكتاب الذي سيكتبه رسول الله (صل الله عليه واله وسلم) ، وقد أظهرت أحداث السقيفة أن محتوى الكتاب كان يعارض ما نتجت عنه أحداث السقيفة ، لأن نتاج السقيفة كان من تدبير عمر بل من قراره في تنصيب الخليفة الأول وإعطاءه البيعة في لحظة كانت الأمة جميعها مشغولة عن هذا الأمر ، وهذا الرأي هو الأرجح نتيجة تحليل أحداث السقيفة مع أحداث رزية يوم الخميس واجتماع مكة وحادث اغتيال الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) في العقبة وكذلك بعد عودته من تبوك وغيرها من الأحداث التي تبين أن القوم كانوا يبيتون ويخططون للسيطرة على مقاليد الأمور بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) ، ومن هذا يظهر أن رزية يوم الخميس الانطلاقة الحقيقية لانقلاب السقيفة على الخليفة الشرعي الذي نصبه الله سبحانه وتعالى ورسول الله (صل الله عليه واله وسلم) في غدير خم عندما قال (من كنت انا مولاه فهذا علي مولاه ....) ، وإنها كانت بحق رزية وعلى الأمة التفكر فيها لمعرفة حقائق الأمور لأنها اللحظة التي سحبت الأمة من طريق الهدى الذي أراده رسول الله (صل الله عليه واله وسلم) ودفعتها الى طريق الضلال الذي أراده من قال على رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) قد غلب عليه الوجع أو (دعوا الرجل انه يهجر).
(1) سورة الأعراف آية 176(2) سورة يوسف آية 111(3) صحيح البخاري حديث رقم 5345 كتاب المرضى –باب قول المريض قوموا عني وكتاب صحيح البخاري ج1 ، مسلم، صحيح مسلم كتاب الوصايا ج2 حديث رقم 1637 ، أحمد بن حنبل – مسند احمد بن حنبل ج1ص325- 355(4) سورة الأحزاب آية 36(5) سورة البقرة آية2(6) سورة الأحزاب آية 36(7) سورة النجم آيات 3،4(8) سورة الشورى آية21 (9) سورة يونس آية 32
https://telegram.me/buratha