فيستفاد من كلمتي (أوْلى [الأولوية]) و(مولا) اللتان جاءتا في نص الحديث النبوي سالف الذكر، ان كل ما كان للنبي صلى الله عليه وآله من مقامات ومناصب فهي على الأولوية المولوية أوالولائية لعلي بن أبي طالب ولا يخفى أن من مقامات النبوة مقام الخلافة، وأبرز منزلة لهارون من موسى كانت هي منزلة (الخلافة) بدليل قوله تعالى: (وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي)[4].
وعلاوةً على ذلك أيضاً فإن كلمة (المولى) مشترك لفظي جامع لكثير من المعاني التي تصل إلى حد سبعة وعشرين معناً ، كما ذكره وبينه علماء اللغة فهو يأتي لمعنى (الخلافة) و (السلطان) و (المدبر) و (المحبة) و (النصرة) والخ . فتبقى كل هذه المعاني المطابقة لحال البيان مطلوب الامتثال بها.
وتقريب الاستدلال: على اساس أن حمل كل هذه المعاني قائم على الاطلاق المقامي في دائرة بيان الخطاب النبوي، فتكون موضوعا للامتثال بها.
ومفاد قاعدة الاطلاق المقامي: انه يقتضي انتفاء القيود المضيقة لدائرة موضوع الحكم وذلك لو قدر لموضوع ما وذكر في الكلام، لما أضاف شيئا زائداً أو قيدا على الحكم المذكور، ولما استقل بالحكم دون بقية موضوعات الحكم، وانما تكون فائدة ذكره انه أحد موضوعات الحكم المذكور.
الاشكال الثاني: وايضا يُشكل البعض على أن حادثة الغدير كانت دليلاً على مبدأ الاختيار وليس مبدأ التعيين الالهي .
رد الاشكال الثاني: الأمر الذي لم يتطرق إليه أحد من العلماء هو أن الحديث النبوي الشريف قد أشار إلى كلا المبدأين (التعيين والاختيار) ، وجمع بين التعيين والاختيار، وهو أمر بين أمرين فلا هو بالتعيين الالهي منفردا فقط ، ولا هو بالاختيار منفردا فقط كما سنوضحه كالتالي:
أولا: أن الحديث في بداية نصه وترتيباً على ما ذكرناه في رد الاشكال الأول فانه قد أشار إلى مبدأ التعيين في قوله صلى الله عليه وآله: (من كنت مولاه فعلي مولاه) فكانت هذه الفقرة عبارة عن التعيين الالهي بلا شك ولا ريب ، لانه لم يفتح باب الاختيار للأمة بين أكثر من واحد وهذا أمر واضح وجلي للأعمى فضلا عن البصير .
وما دل أكثر على هذا الأمر نص قوله تعالى: (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً )[5]، فكلمة (إِنِّي) تفيد صيغة الافراد وتعني أن الله قد تفرد بهذا الأمر ولم يسمح لأحد بالتدخل فيه حتى الملائكة بدليل ما جاء في سياق الاية الكريمة سالفة الذكر: (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) فاختيار الخليفة بيد الله وحده وهو أعلم بمن هو الأصلح ، فان الله قد نفى أعلمية الملائكة به لأن فاقد الشيء لا يعطيه ، فبالتالي من قرر ان الاختيار بيد الخلق فضلا عن الملائكة الكرام وليس بيد الخالق فقد نسب الى الله النقص وعدم علمه بالأصلح نعوذ بالله وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا .
فبعد هذا التصريح فمن أين يبقى مجال لاختيار الخلق لخليفة الله؟!!
ثانيا: فأردف قوله هذا بعبارة (اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ) فجاء أفراد الأمة ليبايعوه على أمر الطاعة للخليفة الذي تم تعيينه من قبل الله ، ولم تكن البيعة على اساس اختيار من يكون الخليفة لانه لا يوجد محيص ولا مندوحة لأحد عن الأمر المتعين.
فكان مجال الاختيار الموكول للأمة هو البيعة بالطاعة للخليفة المتعين سابقاً بنص الهي ، وهذا أمر متروك لاختيار الأمة فلا جبر ولا تفويض بدليل قوله تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا)[6]، ولذلك أردف فقرة التعيين بفقرة الاختيار فقال : (اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ) ، أي اللهم تابع بالجنة على من أقر له بالطاعة ، وعذب بالنار من رفض طاعته.
النتيجة النهائية: فكان التعيين والتنصيب للخليفة من قبل السماء والأمة مخيرة بين تفضيل السمع والطاعة أوعدمها فقط لاغير، أما مسألة اختيار خليفة غير الخليفة المتعين بالنص الالهي فلا يوجد أي مجال لأنها (سالبة بانتفاء الموضوع) وقد اغلق باب الخلافة ومنع في وجه كل طامع ، وهذا أمر واضح جدا.
-----------
[1] صحيح مسلم : ج 7 - ص 122 - 123 .
[2] الصواعق المحرقة،ابن حجر الهيثمي/ ص 57 ـ طبعة
[3] حديث المنزلة :
رواية البخاري:
روي عن إبراهيم بن سعد عن أبيه في صحيح البخاري، كتاب فضائل الصحابة، الحديث 3503:حديث المنزلة قال النبي صلى الله عليه وسلم لعلي أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى
رواية مسلم:
روي عن سعد بن أبي وقاص في صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة، الحديث 24
https://telegram.me/buratha