1ـ قال الإمام الصادق(عليه السلام): «من قرأ (ِإنّا أَنْزَلْناهُ) في فريضة من الفرائض، نادى منادٍ: يا عبد الله، قد غفر لك ما مضى، فاستأنف العمل». 2 ـ قال الإمام الباقر(عليه السلام): «من قرأ )ِإنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ( بجهرٍ كان كشاهر سيفه في سبيل الله، ومن قرأها سرّاً كان كالمتشحّط بدمه في سبيل الله، ومن قرأها عشر مرّات محا الله عنه ألف ذنب من ذنوبه». 3ـ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «من قرأها أُعطي من الأجر كمن صام رمضان وأحيا ليلة القدر». مكان نزول سورة القدر المشهور بين المفسّرين أنّها مكّية، واحتمل بعضهم أنّها مدنية. معنى القدر
القدر في اللغة: كون الشيء مساوياً لغيره من غير زيادة ولا نقصان، وقدّر الله هذا الأمر بقدره قدراً: إذ جعله على مقدار ما تدعو إليه الحكمة. معنى ليلة القدر سُمّيت ليلة القدر؛ لأنّها الليلة التي يحكم الله فيها ويقضي بما يكون في السنة بأجمعها إلى مثلها من السنة القادمة، من حياة وموت، وخير وشرّ، وسعادة وشقاء، ورزق وولادة… .
ويدلّ على ذلك قوله تعالى: (فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ * أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنّا كُنّا مُرْسِلِينَ).
ففرق الأمر الحكيم يعني إحكام الأمر الواقع بخصوصياته التقديرية، وإمضاؤه في تلك الليلة رحمة من الله إلى عباده. وقيل: القدر بمعنى المنزلة، وسُمّيت ليلة القدر لأهمّيتها ومنزلتها، ولأهمّية ومنزلة المتعبّدين والذاكرين الله فيها، فإحياؤها بالعبادة والعمل الصالح فيها ـ من صلاة وزكاة وأنواع الخير ـ خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر، ولولا ما يضاعف الله تبارك وتعالى للمؤمنين ما بلغوا، ولكنّ الله يضاعف لهم الحسنات رحمة منه تعالى. وسُئل الإمام الباقر(عليه السلام) عن قول الله تعالى: (إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) قال: «نعم، ليلة القدر، وهي في كلّ سنة في شهر رمضان في العشر الأواخر، فلم ينزل القرآن إلّا في ليلة القدر، قال الله تعالى: )فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ). قال الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام): «قال لي رسول الله(صلى الله عليه وآله): يا علي أتدري ما معنى ليلة القدر؟ فقلت: لا، يا رسول الله. فقال(صلى الله عليه وآله): إنّ الله تبارك وتعالى قدّر فيها ما هو كائن إلى يوم القيامة، فكان فيما قدّر ولايتك وولاية الأئمّة من ولدك إلى يوم القيامة». وسُئل الإمام الصادق(عليه السلام): كيف تكون ليلة القدر خيراً من ألف شهر؟ قال: «العمل الصالح فيها خير من العمل في ألف شهر ليس فيها ليلة القدر». تعيين ليلة القدر لم يعيّن القرآن الكريم أيّة ليلة هي، سوى أنّها في شهر رمضان، وقد اعتُمد في تعيّنها إلى الأخبار والروايات، فعن حسّان بن أبي علي قال: سألت الإمام الصادق(عليه السلام) عن ليلة القدر، قال: «اطلبها في تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين». وقد اتّفقت أخبار أهل البيت(عليهم السلام) أنّها باقية متكرّرة كلّ سنة، وأنّها من شهر رمضان، وإنّها إحدى الليالي الثلاث، ولذلك دأب الشيعة على تسمية الليالي الثلاث بليالي القدر. وعن زرارة قال: سألت الإمام الباقر(عليه السلام) عن ليلة القدر، قال: «في ليلتين؛ ليلة ثلاث وعشرين وإحدى وعشرين»، فقلت: افرد لي أحدهما، فقال: «وما عليك أن تعمل في ليلتين هي إحداهما». وقال الإمام الصادق(عليه السلام): «التقدير في ليلة القدر تسعة عشر، والإبرام في ليلة إحدى وعشرين، والإمضاء في ليلة ثلاث وعشرين». وقال الإمام الصادق(عليه السلام): «كان رسول الله(صلى الله عليه وآله) إذا دخل العشر الأواخر، شدّ المئزر واجتنب النساء وأحيا الليل وتفرّغ للعبادة». وعن علي بن أبي حمزة قال: «كنت عند أبي عبد الله(عليه السلام)، فقال له أبو بصير: جعلت فداك! الليلة التي يرجى فيها ما يرجى أيّ ليلة هي؟ فقال: “هي ليلة إحدى وعشرين، وثلاث وعشرين”. قال: فإن لم أقو على كلتيهما؟ فقال: “ما أيسر ليلتين فيما تطلب”! قال: قلت: فربما رأينا الهلال عندنا وجاءنا من يخبرنا بخلاف ذلك في أرضٍ أُخرى، فقال: “ما أيسر أربع ليال فيما تطلب فيها”. قلت: جُعلت فداك، ليلة ثلاث وعشرين ليلة الجهني، قال: “إنّ ذلك ليقال”، قلت: جُعلت فداك، إنّ سليمان بن خالد روى أنّ في تسع عشرة يُكتب وفد الحاجّ. فقال: “يا أبا محمّد! وفد الحاجّ يُكتب في ليلة القدر، والمنايا والبلايا والأرزاق، ما يكون إلى مثلها في قابل، فاطلبها في إحدى وعشرين وثلاث وعشرين، وصلِّ في كلّ واحدة منهما مائة ركعة، وأحيهما إن استطعت إلى النور، واغتسل فيهما”. قال: قلت: فإن لم أقدر على ذلك وأنا قائم؟ قال: “فصل وأنت جالس”، قلت: فإن لم أستطع؟ قال: “فعلى فراشك”، قلت: فإن لم أستطع؟ فقال: “لا عليك أن تكتحل أوّل الليل بشيء من النوم، إنّ أبواب السماء تُفتح في شهر رمضان، وتُصفد الشياطين، وتُقبل الأعمال، نعم الشهر شهر رمضان، كان يُسمّى على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله) المرزوق”». والمستفاد من مجمل الروايات أنّها ليلة ثلاث وعشرين ـ على الأكثر ـ. ولم يُعيّن وقتها بالذات؛ كي لا يُستهان بها بارتكاب المعاصي، وليجتهد الناس في العبادة، ويحيوا جميع ليالي شهر رمضان ـ شهر الطاعة ـ طمعاً في إدراكها، كما أخفى الله تعالى الصلاة الوسطى في الصلوات الخمس، وساعة الإجابة في ساعات الجمعة، وغيرها. صفات ليلة القدر ومن صفاتها: أنّها ليلة يطيب ريحها، وإن كانت في برد دفئت، وإن كانت في حرّ بردت، تطلع الشمس في صبيحتها ليس لها شعاع. روى الحسن عن النبي(صلى الله عليه وآله) قال في ليلة القدر: «إنّها ليلة سمحة، لا حارّة ولا باردة، تطلع الشمس في صبيحتها ليس لها شعاع». فضل ليلة القدر
وردت روايات كثيرة في فضلها، منها:
1ـ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً، غفر الله ما تقدّم من ذنبه».
2ـ قال رسول الله(صلى الله عليه وآله): «إنّ الشيطان لا يخرج في هذه الليلة، حتّى يضئ فجرها، ولا يستطيع فيها على أحد بخبل أو داء أو ضرب من ضروب الفساد، ولا ينفذ فيه سحر ساحر».
بل تتنزّل فيها النعم والخير والبركة والإحسان للمؤمنين الذاكرين الله، بشتّى أنواع الذكر، حيث يضاعف الله سبحانه لهم الحسنات والخيرات رحمة منه على عباده، فهي ليلة سلام حتّى مطلع الفجر.
3ـ تتنزّل الملائكة والروح ـ وهو جبرائيل ـ فيها إلى الأرض؛ ليسمعوا الثناء على الله سبحانه، وقراءة القرآن والدعاء وغيرها من الأذكار، وليسلّموا على المؤمنين العابدين الزاهدين التالين لكتاب الله بإذن الله سبحانه ـ أي بأمره ـ فهي سلام على أولياء الله وأهل طاعته، فكلّما لقيتهم الملائكة في هذه الليلة سلّموا عليهم. أعمال ليلة القدر
هناك أعمال كثيرة مستحبّة لهذه الليلة المباركة، منها:
الغسل، وقراءة القرآن، وذكر الله تعالى، وقراءة الأدعية المأثورة ـ كدعاء الجوشن الكبير، ودعاء رفع المصاحف ـ، بل مطلق العبادة، وزيارة الإمام الحسين(عليه السلام)، والتخضّع والتذلّل لله حتّى يضيء فجرها. خفاء ليلة القدر الاعتقاد السائد أنّ اختفاء ليلة القدر بين ليالي السنة أو بين ليالي شهر رمضان المبارك يعود إلى توجيه الناس إلى الاهتمام بجميع هذه الليالي، مثلما أخفى رضاه بين أنواع الطاعات كي يتّجه الناس إلى جميع الطاعات، وأخفى غضبه بين المعاصي كي يتجنّب العباد جميعها، وأخفى أحبّاءه بين الناس كي يُحترم كلّ الناس، وأخفى الإجابة بين الأدعية لتُقرأ كلّ الأدعية، وأخفى الاسم الأعظم بين أسمائه كي تُعظّم كلّ أسمائه، وأخفى وقت الموت كي يكون الناس دائماً على استعداد، ويبدو أنّ هذا دليل مقبول. كيفية نزول القرآن في رأي عدد من العلماء أنّ القرآن الكريم نزل على النبي(صلى الله عليه وآله) مرّتين: الأُولى: نزل عليه في ليلة القدر جملة واحدة، على سبيل الإجمال. الثانية: نزل عليه تدريجاً، على سبيل التفصيل، خلال المدّة التي قضاها النبي(صلى الله عليه وآله) في أُمّته، منذ بعثته وإلى وفاته. ومعنى نزوله على سبيل الإجمال: هو نزول المعارف الإلهية التي يشتمل عليها القرآن وأسراره الكبرى على قلب النبي(صلى الله عليه وآله)؛ لكي تمتلئ روحه بنور المعرفة القرآنية، فقال تعالى: )إِنّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ). ومعنى نزوله على سبيل التفصيل، هو نزوله بألفاظه المحدّدة وآياته المتعاقبة، والتي كانت في بعض الأحيان ترتبط بالحوادث والوقائع في زمن الرسالة، وكذلك مواكبة تطوّرها، )الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثمّ فُصِّلَتْ مِن لّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ). مزايا التدرج الأُولى: مرّت على النبي(صلى الله عليه وآله) والدعوة حالات مختلفة جدّاً خلال ثلاث وعشرين سنة، تبعاً لما مرّت به الدعوة من مِحَن وقاسته من شدائد، وما أحرزته من انتصار وسجّلته من تقدّم.
وهي حالات يتفاعل معها الإنسان الاعتيادي، وتنعكس على أقواله وأفعاله، ويتأثّر بأسبابها وظروفها، ولكنّ القرآن واكب تلك السنين بمختلف حالاتها من الضعف والقوّة، والعسر واليسر، والهزيمة والانتصار. وكان يسير دائماً على خطّه الرفيع، فلم ينعكس عليه لون من ألوان الانفعال البشري الذي تثيره مثل تلك الحالات. الثانية: إنّ القرآن بتنزيله تدريجياً كان إمداداً معنوياً مستمرّاً للنبي(صلى الله عليه وآله)، كما قال الله تعالى: )وَقَالَ الّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتّلْنَاهُ تَرْتِيلاً). فإنّ الوحي إذا كان يتجدّد في كلّ حادثة، كان أقوى للقلب وأشدّ عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك نزول الملك إليه، وتجدّد العهد به وتقوية أمله في النصر واستهانته بما يستجد ويتعاقب من مِحَن ومشاكل. ولهذا نجد القرآن يأمر النبي(صلى الله عليه وآله) تارة بالصبر، فيقول: )وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً)، وينهاه تارة أُخرى عن الحزن، كما في قوله: )وَلاَ يَحْزُنكَ قَوْلُهُمْ إِنّ الْعِزّةَ لِلّهِ جَمِيعًا هُوَ السّمِيعُ الْعَلِيمُ). الثالثة: إنّ القرآن الكريم ليس كتاباً كسائر الكتب التي تؤلّف للتعليم والبحث العلمي، وإنّما هو عملية تغيير الإنسان تغييراً شاملاً كاملاً في عقله وروحه وإرادته. وهدفه الأساس هو صنع أُمّة وبناء حضارة، وهذا العمل لا يمكن أن يوجد مرّة واحدة، وإنّما هو عمل تدريجي بطبيعته. ولهذا كان من الضروري أن ينزل القرآن الكريم تدريجياً؛ ليُحكم عملية البناء، وينشئ أساساً بعد أساس، ويجتثّ جذور الجاهلية ورواسبها بأناة وحكمة، وقصّة تحريم الخمر خير شاهد على ما نقول. الرابعة: إنّ الرسالة الإسلامية كانت تواجه الشبهات والاتّهامات والأسئلة المختلفة من قبل المشركين، وكان النبي(صلى الله عليه وآله) بحاجة إلى أن يواجه كلّ ذلك بالموقف والتفسير المناسبَين، وهذا لا يمكن أن يتمّ إلّا بشكل تدريجي؛ لأنّ طبيعة هذه المواقف والنشاطات المعادية هي طبيعة تدريجية، وتحتاج إلى معالجة ميدانية مستمرّة. لعلّ هذا هو المراد من سياق قوله تعالى: )وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا). السبب من نزول القرآن في ليلة القدر ليلة القدر ـ كما عرفنا ـ ليلة تقدير مصائر البشر لسنة كاملة حسبما يليق بكلّ فرد، والقرآن باعتباره الكتاب القادر على أن يرسم للبشرية مستقبلها ومصيرها ويهديها إلى طريق سعادتها وهدايتها، يجب أن ينزل في ليلة القدر، ليلة تعيين المصير، وما أجمل هذه العلاقة بين القرآن وليلة القدر.
العتبة العباسية المقدسة
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
https://telegram.me/buratha