الصفحة الفكرية

أهميّة العقل في الكتاب والسنّة..

2913 08:49:00 2013-05-30

 

إنّ للعقل أهميّة كبرى في كيان الإنسان، وتقويم شخصيته، وتوجيه سلوكه، وتحديد مصيره. وبه تميَّز عن بقية الحيوانات وفُضِّل عليها؛ فإنّها وإن كانت تملك شيئاً من الإدراك الغريزي، إلا أنّه في حدود ضيقة. أمّا الإنسان فهو يستطيع بعقله تمييز الأشياء، ومقارنة بعضها ببعض، ثم الترجيح بينها، واستحصال النتائج من مقدّماتها، وتحديد الضوابط التي ينبغي الجري عليها، مع سعة أفق وانفتاح على الواقع، قد يقطع به ذوو الهمم العالية شوطاً بعيداً في التقدّم، ويرتفعون به إلى مراتب سامية من الرقيّ والكمال.

ولذلك أكّد القرآن المجيد على العقل في آيات كثيرة. قال تعالى: {وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُولُوا الألبَابِ} [سورة البقرة: 269]. وقال سبحانه: {قَد بَيَّنَّا لَكُم الآيَاتِ إن كُنتُم تَعقِلُونَ} [سورة آل عمران: 118]،... إلى غير ذلك.

كما أكّدت على ذلك السنّة الشريفة في أحاديث كثيرة لا تحصى عن النبي (صلى الله عليه وآله) والأئمّة من آله (عليهم السلام)، وبصيغ مختلفة في عرض ذلك.

فعن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: «قوام المرء عقله، ولا دين لمن لا عقل له» [بحار الأنوار 1: 94]. وفي الحديث عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنّه قال: «لا غنى كالعقل، ولا فقر كالجهل» [بحار الأنوار 1: 95]... إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة.

نعم، قد يفقد العقل فاعليته، أو يتعثر في طريقه، نتيجة تقصير الإنسان وتفريطه، إمّا إهمالاً وتسامحاً؛ لعدم شعوره بالمسؤولية، أو لتغلّب عوامل ومؤثّرات أخرى عليه؛ من كسل، أو ضجر، أو شهوة، أو غضب، أو تعصّب، أو تقليد، أو غير ذلك ممّا يقف في طريق العقل ويمنعه من أداء وظيفته.

وليس ذلك لفقدان القوّة العاقلة؛ بل لعدم فاعلية العقل نتيجة ما سبق، حتى يتجمّد أو يُغلَب.

وفي حديث عبد الله بن سنان قال: «سألت أبا عبد الله جعفر بن محمّد الصادق (عليهم السلام)، فقلت: الملائكة أفضل أم بنو آدم؟ فقال: قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام): إن الله ركب في الملائكة عقلاً بلا شهوة، وركب في البهائم شهوة بلا عقل، وركب في بني آدم كلتيهما. فمن غلب عقله شهوته فهو خير من الملائكة، ومن غلب شهوته عقله فهو شرّ من البهائم" [وسائل الشيعة 11: 164].

وتصديق ذلك في كتاب الله عزّ وجلّ حيث يقول: {إنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللهِ الصُّمُّ البُكمُ الَّذِينَ لاَ يَعقِلُونَ} [سورة الأنفال: 22].

ضرورة إعمال العقل في أمر الدين

هذا وبعد أن اتضحت أهميّة العقل، فحيث كان الدين من أهمّ شؤون الإنسان التي يمرّ بها تقرير مصيره ـ في سعادته وشقائه وخيره وشرّه في دنياه وآخرته ـ كان أفضل عون له في أمره عقله؛ فهو الطريق الأوّل له، وبه تقوم حجّته ويصل إليه، ولذا سبق التأكيد عليه في الكتاب المجيد والسنّة الشريفة.

وفي حديث هشام بن الحكم عن الإمام الكاظم (عليه السلام) قال: «يا هشام إن لله على الناس حجتين: حجة ظاهرة، وحجة باطنة. فأما الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمة (عليهم السلام). وأما الباطنة فالعقول» [الكافي 1: 16].

وفي حديث عبد الله بن سنان عن الإمام الصادق (عليه السلام) : «قال: حجة الله على العباد النبي، والحجة فيما بين العباد وبين الله العقل» [الكافي 1: 25].

والظاهر أن مراده (عليه السلام) أن الأنبياء (عليهم السلام) تختصّ حجّتهم بوظيفتهم، وهي التبليغ عن الله تعالى. أمّا العقل فهو الحجّة في الأمور الباقية، من إثبات وجود الله عزّ وجلّ، وحاكميته، ووجوب طاعته، وإرساله الأنبياء، وصدقهم في دعوى الرسالة من قبله تعالى، وغير ذلك ممّا يكون مورداً للحساب والمسؤولية بينه وبين عباده، فهو الدعامة الكبرى، والقطب الذي عليه المدار، وإليه ترجع الأمور.

ويتجلّى ذلك في العرض ـ الحقيقي أو التمثيلي ـ الذي تضمّنه حديث محمّد بن مسلم عن الإمام الباقر (عليه السلام) قال: «لما خلق الله العقل استنطقه، ثم قال له: أقبل، فأقبل، ثم قال له: أدبر، فأدبر. ثم قال: وعزتي وجلالي ما خلقت خلقاً هو أحب إلي منك، ولا أكملتك إلا فيمن أحب. أما إني إياك آمر، وإياك أنهى، وإياك أعاقب، وإياك أثيب» [الكافي 1: 10].

تحديد المراد من العقل

ولا نريد بالعقل الاستدلالات العقلية المعقّدة المبنيّة على مقدّمات برهانية دقيقة، تحتاج إلى خبرة عالية يفقدها الكثيرون؛ بل العقل الجلي، بالرجوع للمرتكزات الوجدانية التي أودعها الله تعالى في الإنسان بفطرته، والتي بها تحديد الحقّ من الباطل، وتحديد مدلول الكلام وما تقتضيه مناسبات المقام، والتي هي المدار في العذر والمسؤوليّة عند عامّة العقلاء، والتي يكون الخروج عنها مخالفة للوجدان حسبما يدركه الإنسان لو خلّي وطبعه، حيث يستطيع بسببها كل إنسان كامل الإدراك يهمّه الوصول للحقّ استيضاح الحقيقة وتمييز الأدلّة الصالحة للاستدلال عليها من أقصر الطرق وأيسرها، وأبعدها عن الخطأ.

نعم، لا بأس بالاستظهار لمعرفة الحقيقة وتأكيد الحجّة الواضحة عليها بالاستدلالات العقلية المعقّدة التي لا يقوى عليها إلا ذوو المقام الرفيع في المعرفة والتحقيق.

والحقيقة أنّه لابدّ من التوافق بين العقل الوجدانيّ والبرهان العقليّ مهما تعقّد. أمّا لو اصطدم البرهان بالوجدان وخرج عن مقتضاه فلابدّ من التوفيق بينهما. وكثيراً ما يتيسّر ذلك للناقد المتبصّر.

ولو تعذّر التوفيق بينهما تعيَّن الإعراض عن البرهان، لكونه شبهة في مقابل البديهة.

ومرجع ذلك للعلم بخلل في الاستدلال، وقصور في بعض مقدّماته إجمال، وإنْ تعذَّر تمييزه تفصيلاً.

الموضوع مختصر من كتاب (أصول العقيدة) لسماحة آية الله العظمى السيّد محمّد سعيد الحكيم دام ظله الوارف

8/5/13530/ تح: علي عبد سلمان

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك