الصفحة الفكرية

الأخلاق والسياسة في فكر الإمام الخميني (قدس سره)...بقلم: الشيخ وليد الساعدي

6712 21:39:00 2013-05-15

 

تعتبر الأخلاق من أهم الامور في شريعتنا الإسلامية، وإن الإنسان المسلم لا يسمى مسلماً حقيقياً، إلا إذا تمسك بالإخلاق، ونحن إذا رجعنا إلى القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، نرى أن القرآن الكريم والسنة تعرضت لها بصورة مفصّلة، وأمر الله نبيه أن يأمر المسلمين بهذه بها الاخلاق، ومن جانب آخر أمرنا الله أن نقتدي بالأخلاقه وسلوكه، فقال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كثيرا)،وقد ووصفه الله تبارك وتعالى بأخلاقه العظيمة والرفيعة،قال تعالى (وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حولك) وقال تعالى (وانك لعلى خلق عظيم).

نص المقال :

ولقد وصفه كل من عاش معه كأزواجه وأهل بيته وأصحابه وغيرهم، بأنه كان من أعظم الناس أخلاقاً وحلماً وكرماً وتواضعاً، بل أن حتى أعدائه الذين حاربوه وقاتلوه وأخرجوه من داره شهدوا له بهذه الأخلاق عندما (قال لهم في فتح مكة ما تظنون إني فاعل بكم؟ قالوا خيراً إنك أخٌ كريم، وابنُ أخ كريم فقال : لهم أقول كما قال أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم، أذهبوا فانتم الطلقاء).

ولقد شهد له تلميذه وأخص الناس به، ومن عاش معه في حجره وتربى في بيته أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: ولقد قرن الله به (صلى الله عليه وآله) من لدن أن كان فطيماً أعظم ملك من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره . . ) ولقد وصفته زوجته عائشة عندما دخل عليها رجل إعرابياً يسألها عن أخلاقه فقالت:(ألست رجلاً عربياً تقرأ القرآن؟ فقال بلى: قالت: فإن القرآن خلقه)

وفي رواية أخرى عن سعد بن هشام قال: سألت عائشة عن خُلق رسول الله فقالت: (أما تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، فقالت: فإن أخلاقه كانت القرآن).

وكانت هذه الأخلاق لا تتغير في الحرب ولا في السلم ولا في حالة الغضب،ولا في غيرها، وحتى في الإمور السياسة ونظام الدولة وإدارة المجتمع، في الذي يقرأ سيرته المباركة يرى ذلك واضحاً، أن سياسته كانت ممزوجة بالأخلاق الفاضلة والطباع الحميدة، فلم يسجل التاريخ عليه مخالفة أخلاقية في قول أو أفعل، وهذا معنى أن السياسة لا تتنافى مع الأخلاق، فقد ذكر المؤرخون أن رسول الله(ص) ذات يوم وزع بعض الفئ على الناس، وأخذ أعرابي نصيبه فاستقله، وبسط يده، وجذب الرسول من ثوبه جذباً شديداً، وقال : يا محمد زدني، فليس هذا المال مالك ولا مال أبيك، واستل عمر سيفه صارخاً دعني يا رسول الله أضرب عنقه، فقال الرسول : (دعه إن لصاحب الحق مقالا) .

وقد ضرب رسول الله (ص) بهذا الموقف أروع الأمثلة للجمع بين السياسة والأخلاق، و ليعطي للحكام والأقوياء درساً في تقبل النقد والمعارضة من كل إنسان، فلا يستصغرون ضعيفاً، ولا يحتقرون فقيراً، فمهما بلغوا من المكانة فإنهم دون النبي (ص) قداسة وعظمة، وليشجع المستضعفين على المطالبة بحقوقهم، ويجرئهم على من يظن به الانحراف عن جادة الصواب، فهذا موقف من عشرات المواقف لرسول الله (ص) ولو نظرنا إلى هذه الحادثة التي ينقلها المؤرخون، ووقفنا عليها لرأينا فيها عدة امور .

أولاً : أن هذا الصحابي لم يخاطب رسول الله(ص) بمقامه وهو الرسالة أو النبوة، وإنما قال يا محمد مع ذلك فإن الرسول الكريم، لم يعاقبه أو يجرح مشاعره مع أن رسول الله (ص) يستحق هذا المقام وأن الله تبارك وتعالى لم يخاطبه يا محمد، وإنما كان يخاطبه يا ايها الرسول أو يا ايها النبي، ولو أن أحدنا قابل رئيساً أو حاكماً أوملكاً من حكام أو ملوك المسلمين، وخاطبه بهذا الخطاب، لعوقب بأنواع العقاب من ضرب والسجن، وقد يعدم في بعض الحكومات.

ثانياً : إن هذا الرجل إتهم النبي(ص) بالخيانة وعدم العدالة ومع ذلك رسول الله لم يرد عليه إلا بالأخلاق الفاضلة، وإعطاء له حرية التعبير، وعندما أراد عمر قتله منعه رسول الله (ص)، وقال له : (إن لصاحب الحق مقالاً)، ونحن نعلم أن رسول الله (ص) عادلاً ولم يكن أعدل منه على وجه الأرض، و لكن هذا الاعرابي تصور أن الرسول لم يكن عادلاً فعترض عليه.

ثالثاً : نستفيد من هذه الحادثة أيضاً أن تصرفات بعض الصحابة، لا تدل على أن هذا هو رأي الإسلام، ولذلك لابد أن نفرق بين منهج الإسلام وفعل المسلم، فإن أفعال بعض المسلمين تخالف منهج الإسلام، ولذلك منع رسول الله عمر أن يقتل هذا الإعرابي وقال له:)إن لصاحب الحق مقالاً)، فهذه هي الأخلاق مع السياسة ، فإن الذين يقولون أن السياسة لايمكن أن تجتمع مع الأخلاق، فأنهم لا يقرءون الإسلام إلا من خلال أفعال بعض الحكام والملوك الذين حكموا بعد رسول الله (ص) وخالفوا سنته قولاً وفعلاً .

ولو جئنا إلى الإمام الخميني(قد سره) فقد جمع هذا الرجل بين السياسة والخلاقة الإسلامية، فإن الكثير من السياسين ونتيجة عملهم وحتكاكهم الكثير بطبقات المجتمع، يبتعدون عن الجانب الخلقي، بل البعض منهم يستخدم أنواع الطرق المحرمة والملتوية في سبيل الوصول على أغراضه السياسية، فلم يستخدم الإمام الراحل (رحمه الله) هذه الأساليب، كجده أمير المؤمنين (عليه السلام)،عندما قالوا له : أن معاوية أدهى منك وأعرف منك بالسياسة فقال (عليه السلام ) : (والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر . ولولا كراهية الغدر لكنت من أدهى الناس، ولكن كل غدرة فجرة، وكل فجرة كفرة . ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة).

وقال (عليه السلام) : ولقد أصبحنا في زمان قد اتخذ أكثر أهله الغدر كيساً، ونسبهم أهل الجهل فيه إلى حسن الحيلة . ما لهم قاتلهم الله قد يرى الحول القلب وجه الحيلة، ودونه مانع من أمر الله ونهيه، فيدعها رأي العين بعد القدرة عليها، وينتهز فرصتها من لا حريجة له في الدين).

فإن حياة الإمام الخميني (قس سره) حياة ينبع منها الاخلاق العالية، فلم يستخدم الخيانة، ولا الكذب ولا الغدر، فعاش متواضعاً وواسى أبناء شعبه، وأمته في محنتهم أيام الشاه المقبور، ولو نظرنا إلى بيته الذي كان يسكنه في قم المقدسة، فإنه كان بيتاً متواضعاً بسيطاً، وبعد انتصار الجمهورية الإسلامية، لم يسكن في القصور، ولم يجمع الأموال، يقول(رحمه الله) في مسألة الأخلاق والسياسة : (والسياسة المجردة من الأخلاق عاجزة اساساً عن قيادة بني الإنسان، وتوفير مصالحهم الحقيقية، وحتى لو افترضا وجود شخص يعتمد سياسة صحيحة ... فهذه السياسة لاتمثل الا بعداً واحداً مما كانت عليه سياسة الأنبياء وسياسة الأولياء، وحالياً سياسة علماء الاسلام) .

ويذهب الإمام (قدس سره) إلى وحدة الأخلاق والسياسة الدينية قال (رحمه الله) : الإحكام الأخلاقية في الاسلام سياسية . فالحكم القرآني الذي ينص على إخوة المؤمنين حكم أخلاقي، وهو في الوقت ذاته حكم اجتماعي وسياسي، فإذا كان المؤمنون ينتمون إلى طوائف متعددة، فإن انتمائهم إلى الإسلام وإيمانهم بالله ورسوله، يجعلهم إخوة متحابين كمحبة الاخ لأخيه.

فهذه الحالة تعكس أخلاقا إسلامية نبيلة، ولها انعكاسات كبرى . فضلاً عن كل هذا فهي تمثل أيضا حكماً اجتماعياً مهماً، وتنجم عنها نتائج اجتماعية كبرى . وله كلام آخر ى (رحمه الله) يبين فيه كيفية المحافظة على السياسية والتأكيد على الأخلاق قال : (حافظوا بأخلاقكم الإسلامية وبرفدكم للنهضة، والسير بها قدماً من خلال الإنتباه الى أن الله تعالى يؤيدنا، حافظوا على هذه القدرة التي قادتكم نحو الانتصار).

وكان (رحمه الله) يؤكد على اصالة الإخلاق ومركزيتها في العمل السياسي، يقول : (إمكانية إصلاح المجتمع عن طريق إصلاح بواطن الأفراد، وانه لا يتسنى إرساء أسس المجتمع الصالح وبلورة السياسة الأصلية، إلا بتهذيب النفس والرقابة المستمرة على الذات) . ولهذا كان يؤكد على السياسين أن يكونوا صادقين في أقوالهم ، وأفعالهم وصادقين مع الأمة التي أوصلتهم الى مركز القرار، هذا هوالعالم الرباني والعارف بدينه عندما يكون سياسياً، أن يتمسك بأحكام دينه العقائدية والشرعية والأخلاقية

32/5/13515

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
آخر الاضافات
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك