د.مسعود ناجي إدريس ||
جواب: يجب الايمان بالجنة والنار الجسمانيتين على نحو ما تكاثرت به الآيات المتضافرة والأخبار المتواترة، وذلك من ضروريات الدين لم يخالف فيه أحد من المسلمين، ومن أنكر وجودهما كالملاحدة ، والآيات التي وردت في ذكر الجنة في القرآن كثيرة (362) آية { وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 82] ، { وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } [البقرة: 111] ، وقال تعالى: { أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } [آل عمران: 136] وغير ذلك من الآيات.
وأما الأخبار فقد ذكر في عيون أخبار الرضا عليه السّلام عن الهروي قال قلت للرضا عليه السّلام : يا ابن رسول اللّه عليه السّلام أخبرني عن الجنة والنار أهما اليوم مخلوقتان فقال عليه السّلام: نعم وإن رسول اللّه قد دخل الجنة لمّا عرج به الى السماء . قال فقلت له: فإن قوما يقولون إنهما اليوم مقدّرتان غير مخلوقتين، فقال عليه السّلام :
ما اولئك منّا ولا نحن منهم من أنكر خلق الجنة والنار فقد كذّب النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلم وكذّبنا وليس من ولايتنا على شيء وخلّد في نار جهنم ، قال اللّه عز وجل: { هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ * يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } [الرحمن: 43، 44]
قال الصدوق (ره) اعتقادنا في الجنة : انها دار البقاء ودار السلامة لا موت فيها ولا هرم ولا سقم ولا مرض ولا آفة ولا زوال ولا زمانة ولا همّ ولا غم ولا حاجة ولا فقر وإنها دار الغنى ودار السعادة ودار المقامة ودار الكرامة لا يمس اهلها نصب ولا يمسهم فيها لغوب لهم فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين وهم فيها خالدون، وأنها دار أهلها جيران اللّه تعالى وأوليائه وأحبائه واهل كرامته وهم أنواع على مراتب منهم المتنعّمون بتقديس اللّه وتسبيحه وتكبيره في جملة ملائكته ومنهم المتنعمون بأنواع المآكل والمشارب والفواكه والأرائك وحور العين واستخدام الولدان المخلدون والجلوس على النمارق والزرابي ولباس السندس كل منهم إنما يتلذذ بما يشتهي ويريد على حسب ما تعلقت همّته ويعطى من عند اللّه من أجله.
قال الصدوق عليه السّلام: إن الناس يعبدون اللّه على ثلاثة أصناف: صنف منهم يعبدون شوقا الى جنته ورجاء ثوابه، فتلك عبادة الخدّام. وصنف منهم يعبدونه خوفا من ناره، فتلك عبادة العبيد. وصنف منهم يعبدونه حبا له فتلك عبادة الكرام وهم الامناء، وذلك قوله عز وجل : { وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ } [النمل: 89].
الكلام في النار أعاذنا اللّه منها :
[توجد الكثير من] الآيات والروايات المتواترة وردت فيها :
[اما] الآيات : { فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ } [البقرة: 24]. وقال تعالى: { وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 39]. وقال: { وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ * بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 80، 81].
{ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [البقرة: 217]. { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَأُولَئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ } [آل عمران: 10] ، وغير ذلك من الآيات الكثيرة التي وردت في خصوص النار.
وأما الأخبار التي وردت في خصوص النار فقد ذكر العلامة المجلسي (ره) في البحار ناقلا عن ثواب الأعمال والامالي للصدوق (ره) عن ابن موسى عن الأسدي عن النخعي عن النوفلي عن حفص بن غياث عن الصادق جعفر بن محمد عن آبائه عن علي عليه السّلام قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم : أربعة يؤذون أهل النار على ما بهم من الأذى يسقون من الحميم في الجحيم ينادون بالويل والثبور. يقول أهل النار بعضهم لبعض: ما بال هؤلاء الأربعة قد آذونا على ما بنا من الأذى، فرجل معلق في تابوت من جمر ورجل يجرّ أمعاؤه ورجل يسيل فوه قيحا ودما ورجل يأكل لحمه.
فقيل لصاحب التابوت: ما بال الأبعد؟ اي بعد من الخير، قد آذانا على ما بنا من الأذى فيقول: إن الأبعد قد مات وفي عنقه أموال الناس لم يجد لها في نفسه اداء ولا وفاء. ثم يقال للذي يجر امعاؤه ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى فيقول: إن الأبعد كان لا يبالي أين اصاب البول من جسده. ثم يقال للذي يسيل فوهه قيحا ودما ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى، فيقول: إن الأبعد كان يحاكى فينظر الى كل كلمة خبيثة فيسندها ويحاكي بها. ثم يقال للذي كان يأكل لحمه ما بال الأبعد قد آذانا على ما بنا من الأذى؟ فيقول: إن الأبعد كان يأكل لحوم الناس بالغيبة، ويمشي بالنميمة.
وفي البحار ج 8 ص 311 ناقلا عن علي عليه السّلام قال: إن في جهنم رحى تطحن خمسا أفلا تسألوني ما طحنها؟ فقيل له: وما طحنها يا أمير المؤمنين؟
قال: العلماء الفجرة والقراء الفسقة والجبابرة الظلمة والوزراء الخونة والعرفاء الكذبة (الخبر).
وفي نهج البلاغة من عهد له عليه السّلام الى محمد بن ابي بكر، واحذروا نارا قعرها بعيد وحرها شديد وعذابها شديد وعذابها جديد. دار ليس فيها رحمة ولا تسمع فيها دعوة ولا تفرّج فيها كربة.
ــــــــــــــــــــــ
https://telegram.me/buratha