د.مسعود ناجي إدريس ||
على الرغم من أن فلسفة الصلاة لم تخفى على أحد، إلا أن سبب الحرص في نصوص آيات الإسلام وسننه على الصلاة هو وجود الكثير من الإيجابيات في هذا المجال وهذه الإيجابيات هي:
• ذكر الله أكبر
أن فلسفة الروح، والأساس، والهدف، والمقدمة، والخاتمة، وأخيرا الصلاة هي لذكر الله، علاوة على ذلك في الآية السابقة "ذكر الله" جاء على أنه الأفضل العبادات. طبعا الذكر هو بداية الفكر، والفكر هو الدافع للفعل، كما ورد في حديث الإمام الصادق (ع) في تفسير جملة "ولذكر الله أكبر". قال:ذكر الله عندما احل وحرم. (بحار الأنوار المجلد 82 ص 200)
• التطهير من الذنوب
الصلاة هي وسيلة لغسل الذنوب والمغفرة، لأنها في كل أحوالها تدعو الإنسان للتوبة وتصحيح الماضي، في هذا الخصوص نقرأ في هذا الحديث:
سأل النبي أصحابه:» لو كان على باب دار أحدكم نهر واغتسل فی كل یوم منه خمس مرات أكان یبقی فی جسمه من الدرن شیء؟ قلت لا، قال: فإن مثل الصلاة كمثل النهر الجاری كلما صلی كفرت ما بینهما من الذنوب«) وسائل الشیعة، ج۳، ص7) وبهذه الطريقة، تلتئم الجروح التي تجلس على النفس البشرية بسبب المعصية بمرهم الصلاة، ويزول الصدأ الذي يغطي القلب.
• سد أمام الذنوب
الصلاة هي حاجز أمام خطايا المستقبل، لأنها تقوي روح الإيمان في الإنسان، وتنبت في القلب بذرة التقوى، ونعلم أن "الإيمان" و "التقوى" هما أقوى عائقين أمام الذنوب وهذا الأمر مذكور في الآية السابقة وغيرها من الآيات كما قرأناه أيضا في أحاديث عدة.
• البعد عن الغفلة
الصلاة تزيل غفلة الإنسان، حيث إن أعظم مصيبة لمن يسلك طريق الحق أن ينسى الهدف الأساسي من خلقه وينغمس في الحياة المادية والملذات العابرة، أما الصلاة فهي إنذار للإنسان على فترات مختلفة وهي تقام خمس مرات على فترات الليل والنهار وبذلك تحذره وتذكره بالهدف الاسمي من خلقه، وتذكره بمكانته في العالم وأيضا وهي نعمة عظيمة لأنها تكون للإنسان وسيلة للدعاء عدة مرات كل يوم.
• التواضع
الصلاة تقضي على الأنانية والكبرياء، لأن الإنسان عندما يصلي يركع سبع عشرة ركعة أثناء الليل والنهار، وفي كل ركعة يضع جبهته على الأرض مرتين بين يدي الله وبذلك يزيل حجاب الغرور والأنانية ويسحق التكبر والاستعلاء.
لهذا السبب، في الحديث الشهير الذي تنعكس فيه فلسفات العبادة الإسلامية، يشرح الإمام علي أول عبادة بعد الإيمان، وهي الصلاة: (فَرَضَ آللّهُ آلاِیمانَ تَطْهِیراً مِنَ الشِّرْکِ، وَالصَّلاَةَ تَنْزِیهاً عَنِ آلْکِبْرِ، وَالزَّکاةَ تَسْبِیباً لِلرِّزْقِ، وَالصِّیَامَ آبْتِلاَءً لاِخْلاَصِ آلْخَلْقِ) (نهج البلاغة حكمة 252)
• غرس الفضائل الأخلاقية
الصلاة هي وسيلة لتنمية الفضائل الأخلاقية والتطور الروحي للإنسان، لأنها تخرج الإنسان من عالم المادة المحدود والأبعاد الأربعة لعالم الطبيعة، وتدعه إلى ملكوت السماوات مع الملائكة دون الحاجة إلى وسيط أمام الله، فيلتقي به ويبدأ الحديث معه.
وتكرار هذا العمل ليلا ونهارا مع الاعتماد على صفات الله ورحمته وعظمته، خاصة بالاستعانة بسور القرآن المختلفة بعد الثناء هو أفضل دعوة للخير والطهارة وله أثر ملحوظ في تنمية الأخلاق والفضائل في وجود إنسان.
لذلك نقرأ في حديث عن فلسفة الصلاة لأمير المؤمنين علي (ع) قال:»الصلاة قربان كل تقي« نهج البلاغة، کلمات قصار، حکمة 136
• تعطي قيمة لأعمال الإنسان
تعطي الصلاة قيمة وروحا للأعمال الأخرى التي يقوم بها الإنسان- لأن الصلاة تحيي الروح الطاهرة، لأن الصلاة هي مجموعة من النوايا النقية والكلام الصافي والأفعال الصادقة، وتكرار القيام بهذه المجموعة ليلا ونهارا يغرس بذور الأعمال الصالحة الأخرى في النفس البشرية. وتزيد نقاء الروح. لذلك نقرأ في حديث شهير قاله أمير المؤمنين علي (ع) في وصيته بعد ضرب رأسه الشريف بسيف المجرم ابن ملجم: الله الله فی الصلاة فإنها عمود دینكم (نهج البلاغة، رسالة 47).
نحن نعلم أنه عندما ينكسر عمود الخيمة بغض النظر عن مدى قوة الحبال والمسامير المحيطة بها ستسقط ولن تكون هناك أي تأثير للعوامل الأخرى، وعندما يتم فقدان ارتباط العباد بالله من خلال الصلاة، ستفقد الإجراءات الأخرى تأثيرها. قرأنا في حديث عن الإمام الصادق : »اول ما یحاسب به العبد الصلاة فان قبلت قبل سائل عمله، و ان ردت رد علیه سائل عمله «! ولعل سبب هذا القول هو إن الصلاة هي مفتاح العلاقة بين الخلق والخالق، فإذا تم إجراؤها بشكل صحيح وبنية صادقة للتقرب ستصبح وسيلة لقبول الأعمال الأخرى وإلا فإن بقية أفعاله ستكون ملوثة، وستفقد مصداقيتها.
• الدعوة للطهارة
الصلاة بغض النظر عن محتواها فهي عبارة عن دعوة لتطهير الحياة، مع مراعاة الظروف الصحية، لأننا نعرف مكان المصلي، وثياب المصلي ، والسجادة التي يصلي عليها، والماء الذي يتوضأ به. وايضا يجب ان يكون مكان الصلاة والاغتسال والوضوء خاليا من أي نوع من الاغتصاب وانتهاك حقوق الآخرين.
فكيف يمكن لشخص ملوث بالعنف والظلم والنفاق والاغتصاب والرشوة والمال الحرام أن يستعد للصلاة؟ لذلك فإن في تكرار الصلاة خمس مرات في اليوم دعوة لاحترام حقوق الآخرين.
• عامل مؤثر لترك الذنوب
بالإضافة إلى شروط القبول، أو بعبارة أخرى، صحة الصلاة، هناك شروط كاملة، حيث يعتبر الالتزام بالقيام بها عاملا فعالا آخرا لترك طريق الخطايا.
الاستعانة بالصلاة، والتي تشمل ذكر الله والتواضع أمامه، وتلاوة القرآن، وفيه الوعد بالثواب والعقاب والهداية وكل هذه الصفات بكل تأكيد ستدعو الإنسان إلى الحسنات وتمنعه من السيئات. وقد ورد في كتب الفقه ومصادر الأحاديث العديدة مسألة شرب الخمر واعتبارها من المعوقات لقبول الصلاة:» لا تقبل صلاة شارب الخمر أربعين یوما إلا أن یتوب «بحار االنوار، 84، ص۳۱۷- ۳۲۰.
ونقرأ في عدة أحاديث: لا تقبل صلاة الحاكم الجائر، و بعض الأحاديث الأخرى نصت على عدم قبول صلاة من لا يخرج الزكاة (بحار الأنوار، المجلد 84، ص 318).
• تقوي روح الانضباط
كون الصلاة تقام في أوقات معينة ستقوي روح الانضباط في الشخص ، لأن تأخيرها وعدم الالتزام بضوابطها من مبطلات الصلاة ، وكذلك سائر العادات والأحكام في النية ، والوقوف ، والسجود ، والركوع ، ونحو ذلك ، مما يسهل غرس الانضباط في خطط الحياة.
كل هذه الفوائد موجودة في الصلاة ،قال الرضا (عليه السلام): فان قال قائل: فلم أمروا بالصلاة؟
قيل: لان في الصلاة الاقرار بالربوبية وهو صلاح عام لان فيه خلع الأنداد والقيام بين يدي الجبار بالذل والاستكانة والخضوع والخشوع والاعتراف وطلب الإقالة من سالف الذنوب ووضع الجبهة على الأرض كل يوم وليلة ليكون العبد ذاكرا لله غير ناس له ويكون خاشعا وجلا متذللا طالبا راغبا في الزيادة للدين والدنيا مع ما فيه من الانزجار عن الفساد وصار ذلك عليه في كل يوم وليلة لئلا ينسى العبد مدبره وخالقه والقيام بين يدي ربه زاجرا له عن المعاصي وحاجزا ومانعا له عن أنواع الفساد .)وسائل الشیعه، ج۳ ،ص4)
• عدم الاتصاف بالحرص والطمع
قال الله تعالى: إِنَّ ٱلۡإِنسَٰنَ خُلِقَ هَلُوعًا (19) إِذَا مَسَّهُ ٱلشَّرُّ جَزُوعٗا (20) وَإِذَا مَسَّهُ ٱلۡخَيۡرُ مَنُوعًا (21) إِلَّا ٱلۡمُصَلِّينَ (22) ٱلَّذِينَ هُمۡ عَلَىٰ صَلَاتِهِمۡ دَآئِمُونَ (23) وَٱلَّذِينَ فِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ مَّعۡلُومٞ (24) لِّلسَّآئِلِ وَٱلۡمَحۡرُومِ (سورة المعراج)
لدى الإنسان غرائز سلبية وإيجابية وإذا لم يتم التحكم في غرائزه السلبية بالتعاليم الإلهية، فسوف يضل، ومن تلك الغرائز السلبية هي الشخصية القبيحة للحرص والطابع القبيح لنفاد الصبر ضد الأحداث المريرة. ضبط هاتين الخاصيتين والوقاية من توابعها يتطلبان التعاليم الإلهية والصلة الربوبية في ضوء هذه العلاقة يصل إلى الثقة تجاه خالقه ولا يرى إلا الله ويدرك بان كل ما يملك ورزقه بيد الله وكونه يعرف ويدرك كل ذلك سيتجنب الحرص والطمع بروح الثقة والاستسلام ويرضى بما يأتي إليه من الله وسيعتبر نفسه عبدًا لله ولن ينفد صبره.
• الاستقامة والمثابرة
ومن أسرار الصلاة وفوائدها أنها تجعل المصلي حازما ومثابرا في وجه المصاعب والشدائد. قد يكون هذا مفاجئًا للبعض ، لكن الأمر ليس كذلك ، لأنه أثناء الأحداث الصعبة والمشاكل المؤلمة عندما يجد الإنسان قوته في التعامل معها غير ذي أهمية ، فسيحتاج إلى دعم غير محدود بكل الطرق والتعبيرات وهنا تكون صلاته تتعلق بالمبدأ ومن خلال الاعتماد عليه ، يمكن أن يكون مرتبطًا بالروح
ومن خلال الاعتماد عليه ، يمكنه كسر موجات مشاكله بروح واثقة وهادئة. والصبر من أسمى الفضائل وقد تم تشجيعه ومدحه في سبعين حالة. وفي كل حالة من حالات القرآن التي أمر الله بالصبر تأتي الصلاة في أولها وتكون أهمها.
فالصلاة تطلع الإنسان على ملاذ آمن وهي تعينه على الاتكال بالله في مواجهة مصاعب الحياة ومشاكلها ، ولا يذل أمامه وبناء على ذلك يقول الله تعالى شيئين في القرآن: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ (البقرة 45 )
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾ الآية 153 من سورة البقرة
وقد ثبت هذا في علم النفس أنه بسلام النفس والطمأنينة التي تأتي من الإيمان والعقيدة ، يمكن للإنسان أن يكسر موجات المشاكل.
• التنظيم والانضباط
إن أداء الصلاة في أوقات معينة وخاصة ، وطقوس الصلاة المتعلقة بالنية والوقوف والركوع والسجود ، وأخذ كل موضوع في مكانه الخاص ، بالإضافة إلى الآثار المفيدة التي تتركها على النفس البشرية ، سوف تؤدي به الى التنظيم والانضباط في الحياة حيث التنظيم والانضباط أحد عوامل التقدم ومهم جدًا في التطور.
ـــــ
https://telegram.me/buratha