د.مسعود ناجي إدريس ||
لن تسكن لوعة الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه الشريف، أو تهدأ ندبته على ما آل اليه حال جدّه الحسين سلام الله عليه كما وصف نفسه الشريفة في دعائه المعروف بـ «دعاء الندبة» حين يخاطب جدّه قائلاً: لأندبنّك صباحاً ومساءً.
الندبة تعني البكاء بحرقة ولذع من الحزن. ليت شعري ماذا يتذكّر الإمام الحجّة؟ وأيّ مصيبة من مصائب جدّه يستحضر بحيث إنّه لا يفتر ولا يكلّ أبداً.
إنّ الإنسان المفجوع يهدأ ويسكن تدريجياً، أمّا الإمام الحجّة عجل الله تعالى فرجه فلن يهدأ وسيظلّ يندب جدّه ليل، نهار. بل ارتقى في أساه، حين قال: ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً.
إنّ من يفقد عزيزاً له ويبكي عليه مدّة بشدة تحمرّ عينه وقد تخرج منها قطرة من الدم؛ إلاّ أنّ إمام العصر عجل الله تعالى فرجه الشريف يخاطب جدّه ولسان حاله: سأبكي عليك يا جدّاه بكاءً شديداً متواصلاً، بل حتى إذا جفّت دموعي، صبّت مقلتاي عليك دماً.
وهذا معناه أنّ الإمام الحجّة يبكي على جدّه الحسين سلام الله عليهما بحرقة وألم كلَّ يوم وليس فقط يوم عاشوراء؛ إذ أنّ مصيبة سيّد الشهداء وأهل بيته مصيبة استثنائية، وشاءت إرادة الله سبحانه أن لا يكون لها نظير في الكون منذ الأزل وإلى يوم يُبعثون. ( المزارالکبیر: ص 165 - 117 - بحارالانوار: ج 98، ص 320 ) .
وعلى اساس روايات كثيرة نقلت الينا فكل شيء الشمس و السماء و الارض والملائكة يبكون يوم عاشوراء على سيد الشهداء (کامل الزیارات: ص 83، 81، 90، 91 - بحارالانوار: ج 14، ص 181 - مجمع البیان: ج 9، ص 65 .) .
اللافت للنظر ان «عبدالله بن فضیل الهاشمي » سال من الامام الصادق علیه السلام: لماذا أصبح يوم عاشوراء يوم بلاء وحزن وحداد؟ ولم يكن هذا هو الحال في يوم وفاة الرسول الكريم وأمير المؤمنين وفاطمة الزهراء والإمام المجتبى عليهم السلام ؟ قال الإمام الصادق (ع):«ان یوم الحسین اعظم مصیبة من جمیع سایر الایام ... فکان ذهابه کذهاب جمیعهم ...» (وسائل الشیعة: ج 10، ص 394، 392 - علل الشرایع: ص 86 ) .
فاجعة ان اردت اکتبها
جرت دموعی فحال حائلها
ما بین لحظ الجفون والزبر
و قال قلبی بقیا علی فلا
والله ما قد طبعت من حجر
بکت لها الارض والسماء دما
بینهما فی مدامع حمر (مفاتیح الجنان، اعمال روز عاشورا .)
لذلك فإن يوم عاشوراء هو يوم معاناة وحزن وبكاء على آل بيت النبي. فقط الأمويون هم أعداء أهل البيت الذين اعتبروا ذلك اليوم ميمونًا وسعيدًا، كما نقرأ في زيارة عاشوراء: «اللهم إن هذا یوم تبرکت به بنو أمية» وأيضا: «هدا یوم فرحت به آل زیاد وآل مروان بقتلهم الحسین...».
وخلاصة القول هناك روايات كثيرة عن رسول الله (ص) والأئمة المعصومين عليهم السلام أن يوم عاشوراء هو يوم المصيبة والحزن على أهل بيته، وبحسب هذه الروايات، ينبغي أن يكون عاشوراء يوما للحزن جاء في إحدى الروايات:
"من تذكر مصيبتنا وبكى وأبكى الناس يحشر بيننا يوم القيامة، ومن تذكر مصيبتنا وبكى، لن تبكي عيناه يوم تبكي العيون، ومن جلس في اجتماع وأحيا أمرنا لن يموت قلبه يوم تموت القلوب"(آمالي صدوق، ص 45 وعیون الأخبار: ص 162).
لذلك، إذا اعتبر شخص ما يوم عاشوراء يومًا للاحتفال، فهو من أعداء أهل البيت، تمامًا مثل الأمويين. لذا، القادة الصوفية يعتبرون عاشوراء يوم فرح وسعادة، فهم بلا شك أعداء لأهل البيت، حتى لو ادعوا غير ذلك. كما اعتبر "الشيخ عبد القادر الكيلاني" يوم عاشوراء يوم فرح وسعادة وقال: "إن يوم عاشوراء ليس يوم مصيبة، إنه يوم احتفال وفرح."(الغنیة لمطالبی طریق الحق فی الأخلاق والتصوف والآداب الإسلامية: ج 2، ص 57-56). لذلك فمن المؤكد أن البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) شعار ديني، ويعتبر من أعظم العبادات، وفي الحقيقة بكاء وحزن الناس على مصيبة الإمام الحسين (ع) شعار الشيعة... – كما قال أحد شعراء العرب:
لک عندی ما عشت یا ابن رسو ل الله حزن یفی بحق ودادی
ناظر بدموع غیر بخیل وحشی بالسلو غیر جواد