دراسات

وعي المشكلة..وعي الحل (٣)


  محمد عبد الجبار الشبوط ||

 

يتجسد الحل الحضاري في الدولة. فالدولة ضرورة في المجتمع، وهي الاطار العام والحاضنة الكلية التي يلجأ اليها الفرد والمجتمع لحل مشكلاتهما. وغياب الدولة يمثل خللا كبيرا في المركب الحضاري، لان غيابها يعني الفوضى. ولكي تكون الدولة حلا يجب ان تكون دولة حضارية حديثة. فالدولة الحضارية الحديثة هي  "الحل الحضاري"، و هذا العنوان ليس شعارا عقائديا ولا سياسيا ولا حزبيا وليس اسم علم. غاية ما في الامر انه وصف للدولة التي تقوم على اساس الصيغة الحديثة لمنظومة القيم العليا التي تضمن اشتغال عناصر المركب الحضاري الخمسة على افضل وجه محقق لوفرة الانتاج وعدالة التوزيع و السعادة وحفظ كرامة الانسان وتكامله. وما ذلك الا لأن هذه الدولة تتعامل مع "الجينات" المسببة للمشكلات الحياتية التي تواجه الانسان، وتعالجها، وتقيم مؤسساتها وبرامجها ومؤسساتها على اساس "الجينات الصالحة" وهي القيم العليا الحافة بالانسان والطبيعة والزمن والعلم والعمل. تمثل هذه القيم مؤشرات للسلوك التي يتم على مستوى الفرد والمجتمع والدولة، وتخلق بالتالي البيئة المناسبة لنمو الجينات الصالحة، وتعطيل الجينات الفاسدة، كما يصورها القران الكريم بقوله:"قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا، وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا". الدولة الحضارية الحديثة هي الحل لانها توفر البيئة اللازمة لمنع الاختلالات في المركب الحضاري ومنظومة القيم الحافة بعناصره الخمسة. وتحقق الدولة الحضارية الحديثة ذلك من خلال ركائزها الاساسية ممثلة في المواطنة والديمقراطية والقانون والمؤسسات والعلم الحديث. ولما كان الانسان هو علة الفساد وسبب الاصلاح في نفس الوقت فان الدولة الحضارية الحديثة تعنى بتنشئة مواطنيها التنشئة الصالحة واللازمة لقيامهم بدورهم الايجابي في المركب الحضاري، من حيث العلم والمهارة والالتزام بالقانون وقيم المواطنة الفعالة ومنظومة الحقوق والواجبات. ويتم ذلك، من بين طرق اخرى، عن طريق النظام التربوي الحديث الذي تنفذه المدارس في الدولة الحضارية الحديثة. وهدف المدرسة هو تخريج مواطنين قادرين ومؤهلين من حيث التربية والعلم والمهارة على ان يكونوا مواطنين فعالين يشاركون بايجابية في بناء المجتمع الصالح وتعظيم انتاجيته وتحقيق التعاون والتكافل الاجتماعي.  ولهذا يحتل العلم الحديث دورا مهما في حياة الناس في ظل الدولة الحضارية الحديثة. فالعلم الحديث هو الوسيلة الافضل لاستثمار الطبيعة واستخراج ثرواتها وتحقيق التقدم في الزراعة والصناعة والانتاج وتنظيم المجتمع وتسهيل الاجراءات وتحسين حياة الناس. وتشجع الدولة البحث العلمي والاكتشاف والاختراع والابتكار.  وتمنع الدولة الحضارية الحديثة الاستبداد والاحتكار واستغلال المناصب الحكومية والاثراء غير المشروع واساءة استخدام المال العام.  وهذا كله في الجانب الوقائي، الكلي، اما في الجانب العلاجي الجزئي فان الدولة الحضارية تتوصل الى حل المشكلات التي يتعرض لها المجتمع مثل الفساد او ضعف الانتاجية، او غير ذلك من خلال رؤية حضارية منبثقة بالاساس من منظومة القيم العليا الحافة بالمركب الحضاري، وقد قدمت في مقالات سابقة نماذج لهذه المعالجات الحضارية من خلال منظومة القيم العليا. وبينت ان مشكلة البطالة، على سبيل المثال، تعبر عن وقوع خلل حاد في العنصر الخامس من عناصر المركب الحضاري، وهو العمل. فالبطالة تعني ان هذا العنصر خرج من المركب الحضاري وتعطل دوره. ويجب البحث الدقيق عن اسباب هذا الخلل ومعالجتها مباشرة. ومن الطبيعي ان المعالجة لا تكون بزج الناس في الجهاز الاداري للدولة المتخم بالموظفين؛ لان هذا لا يعيد الحياة الى العنصر الخامس، وانما هو بطالة مقنعة، وزيادة الاعباء المالية الدولة بدون مردود انتاجي. انما يتمثل الحل الحضاري لهذه المشكلة باعادة دمج العنصر الخامس، اي العمل، بالمركب الحضاري، ضمن علاقة انتاجية مع الارض، عبر العلم. وذلك بزج اليد العاملة، مثلا، في مشاريع زراعية، تستثمر الارض، وفي مشاريع التربية الحيوانية، وفي مشاريع صناعية متفرعة عنها مثل صناعة الالبان، وتعليب المنتجات الزراعية، وما شابه. بهذه الطريقة يحقق الحل الحضاري هدفين في آن واحد: توفير فرص عمل للعاطلين، وزيادة انتاجية المجتمع.
اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاكثر مشاهدة في (دراسات)
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
Azad : وهناك خيانة يقترفها مسعود منذ عام ١٩٩٢ والى يومنا هذا حيث قد جعل من الإقليم مستعمرة تركية ...
الموضوع :
مسعود البرزاني : العميل رقم ٤١
عبدالغني مرشد الحميري : سقف الحرية والجهل كحكومة ودولة مسلمة الاسلام دين لها وكتاب الله مرجعا لها وسنة رسول الله عليه ...
الموضوع :
السيد الملحد البخيتي وآليته في الجدال ونقاط ضعفه ة(البهيمية Zoophilia) أنموذجًا
مواطن : لاحول ولا قوة الا بالله العلي العظيم عجيب حين تخالف ارادة الانسان معتقده هو يرتجز باليقين انه ...
الموضوع :
لوحة الشمر بن ذي الجوشن ..  
رباب سالم شبيب : انا موظفة في مصنع اطارات الديوانية... خريجة دبلوم إدارة.... لي خدمة ٢٨ سنه.... بسبب قرار التسكين المجحف ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
هاني موسى : الاقليم الموردين يئوي المعارضين والمجرمين العراقيين كذلك ...
الموضوع :
مصلحة من يأوي الإقليم معارضي ايران وتركيا؟
منير حجازي : السلام عليكم . اتمنى من الحرس الثوري الإسلاميةالإيراني عدم تسليم الخاطفين المقبوض عليهم إلى الجهات الأمنية العراقية ...
الموضوع :
بينهم عراقيون.. إيران تعلن تحرير "رهائن" واعتقال الخاطفين
احمد محمد الصاوي : شكرا لكم ...
الموضوع :
اشارات قرآنية عن معارف الصحيفة السجادية للمؤلف الحسون (ح 1)
Salam Albader : لا تسلمون لحيه العراق للبنك الدولي كما فعلت مصر، البنك الدولي له اطماع خاصه بالدول الاستعماريه والمنظمات ...
الموضوع :
المالية تناقش مع البنك الدولي اولويات التنمية ودعم البرنامج الحكومي
سالم البدر : تحياتي د. جواد الهنداوي نعم كلامك حقيقي، الاصل ليس ان العراق لايملك المقومات او المشاريع العملاقه المزعمه ...
الموضوع :
مالذي يمنع العراق من الانضمام الى منظمة شنغهاي و منظمة بريكس؟!
فيسبوك