د.مسعود ناجي إدريس ||
العمل والجهد من أهم عوامل نهوض وتقدم ارادة الله على الأرض لذلك اتساع وضيق رزق الإنسان، خاضعين للشروط التي تحكم حياة الإنسان . الجهد والسعي يجلبان الإخلاص والتضحيات ، والعكس من ذلك ، الكسل والبخل يلوثان النوايا ، و لهما دور حاسم في ذلك. لهذا السبب ، اعتبر القرآن مرارًا أن الإنسان يعتمد على جهوده وأنشطته ، ويعتبر أن منفعته من الحياة مساوية لجهوده.
لذلك في كتاب "وسائل الشيعة" التجارة والأعمال هناك بابين يتحدث عن الجهد والاجتهاد لكسب لقمة العيش ويروي عدة الأحاديث في هذا المجال "من دراسة ضرورات الحياة. وهناك فصول أخرى في مذمة البطالة "الإفراط في النوم" و "الكسل في كسب الرزق لضرورات الحياة".
▪︎ أهمية العمل والجهد في القرآن
في القرآن ، خلط البعض بين العمل والمعيشة وبين طلب الدنيا والتعلق بها، معتبرين ذلك مخالفاً للتعاليم الدينية ، وقالوا احاديث في مذمة طلب الرزق . قالوا بعضهم: بما أن رزق الإنسان يحدده خالق الكون ، فليس للجهد البشري أي تأثير على وفرته ونقصه ، لذا فقد تخلوا عن جهودهم واعتمدوا العزلة.
ويرى البعض الآخر أن العمل البدني ، كالزراعة وتربية الحيوانات والبناء ، معيب ومخالف لوضعهم الخيالي ، والترويج لمثل هذه الأفكار التي ليس لها سند ديني أو مكتبي ، يجعل أعداء الدين يستغلون هذه النقطة لمحاربة الإسلام وأيضًا يستغلون جهل عامة الناس ، وقدّموا الدين سببًا للتسمم والركود في مجالات اقتصادية وثقافية واجتماعية مهمة ، ونظموا دعاية واسعة ضد الدين في العالم.
أولئك الذين لديهم القليل من المعرفة بالتعاليم الإسلامية وآيات القرآن وأحاديث المعصومين سوف يدركون الحقيقة ويعتقدون أن نمو الإنسان وتطوره في كل من البعدين المادي والروحي يتحقق فقط من خلال الجهد. لذلك القرآن الكريم بجملة قصيرة ومشهورة يعتبر المنفعة الإنسانية حصراً نتيجة العمل والجهد ، ويقول: <وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ >
وقال في آية أخرى:< إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ> .
على الرغم من أن الآيات المذكورة تتعلق بالأمور الروحية والدنيوية ، إلا أن المعيار العام في الآيات المذكورة والعديد من الآيات الأخرى هو أن تمتع الإنسان بالنعم المادية والروحية في الدنيا والآخرة يعتمد على الجهد.
إذا كان العمل والجهد مخالفين للتعاليم الدينية ، أو كان مفهوم ضمان الرزق من الله هو الكسل والجلوس في المنزل ، أو أنشطة مثل الزراعة والرعي وتربية الحيوانات ... يتعارض مع مكانة ومقام الإنسان و اعتُبر عيباً ، فكان على الأنبياء والأولياء أصحاب الشريعة ، والذين هم على دراية كاملة بتفاصيل التعاليم الدينية ان يعبروا عن هذا الأمر لكنهم اعتبروا الفضيلة على العكس من ذلك. لقد دعا الأنبياء وأولياء الله أتباعهم إلى العمل والجهد ، وذموهم ووبخوهم على تراخيهم وتثاقلهم ، وقاموا هم أنفسهم بأعمال شاقة ومملة مثل الرعي والخياطة والزراعة وصناعة الدروع .
أحد انصار الإمام الصادق (ع) لم يأت لخدمة الإمام لفترة ، سأل الإمام الصادق عن حاله فأجابوا: 《ترك عمله وتجارته واتجه إلى العبادة ، فقال الإمام: ويل له ألا يدري أن من ترك الجهد وكسب رزق العيش لن يستجاب دعائه.» ثم قال : عندما نزلت الآية« وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً ٭ وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاَيَحْتَسِبُ ( سورة الطلاق / ۲ و ۳ ) » مجموعة من انصار النبي اغلقوا الأبواب عليهم والتفتوا إلى العبادة وقالوا: لقد تكفل الله بنا في رزقنا ، فوصل الخبر إلى آذان النبي (ص). فذهب إليهم ، فقال لهم لماذا تتصرفون هكذا؟ فأجابوا: يا رسول الله ، لأن الله تكفل برزقنا فلتجأنا للعبادة. قال النبي:
«من يفعل ذلك لن يستجاب دعائه فاعملوا بجد واسعوا إلى رزقكم》.
لذلك فإن معنى ومفهوم تسخیر الطبيعة ونعمها هو أن الإنسان في ظل الحكمة والعقل عليه أن يستغل مختلف مجالات الحياة مثل الزراعة وتربية الحيوانات والتجارة والتعدين واستخدام النباتات الطبية وبناء الأدوات. يجب على الإنسان أن يجتهد ويعمل ويوفر أرضية للنمو والتطور في كافة مجالات الحياة.
هناك العديد من الآيات التي تجعل الإنسان يسعى ويشجعه على تقديم أفضل استفادة من نِعَم الطبيعة لنفسه ولإخوانه من بني البشر ، كما نقرأ في سورة النحل: <وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُوا مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُوا مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ>
كلمة (تسخير) لها معاني واسعة تشمل أي نشاط اقتصادي عن طريق البحر.
نقرأ في مكان آخر: < وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ>...