د.مسعود ناجي إدريس ||
العمل والجهد
يعتبر المسلمون والمؤمنون آيات القرآن وكلام الله أقوى كلمة وأقنع سبب ووثيقة لنمو وتميز أنفسهم ومجتمعهم ، وهم يقبلونه ويعملون بأوامره دون ان يسألون عن السبب . في القرآن الكريم هذه المعجزة الخالدة ، التي اتى بها نبي الرحمة (ص) لجميع البشر ، الذي ورد ذكره بين المسلمين على أنه الدستور وحق الإنسان للمجتمعات البشرية ، يشير إلى العديد من القضايا في توجيه الإنسان ونموه وتميزه وتطوره من بينها العمل والجهد.
لقد أعلن القرآن الكريم في آياته المستنيرة بصوت عالٍ للعالم وللإنسان عبر تاريخ الإسلام أنه أيها البشر اعلموا أن الإنسان لن ينفعه إلا عمله ،أي بقاء وجوده ووجوده كإنسان ، وحياته المادية والروحية ، وحياته الدنيوية والعالمية ، وشخصيته وهويته ، و كل شيء يعتمد على عمله وجهده ولا شيء غير ذلك. ومن اجتهد وسعى فقط سعى لنفسه ونفعه يعود عليه لأن الله في غنى عنه.
واما في القرآن ، تم ذكر مرادفات "العمل والجهد" كثيرا: على سبيل المثال: في القرآن ، كلمة « عمل » بمشتقاتها ذكرت 366 ، وكلمة "فعل" بمشتقاتها ذكرة 107 مرة، وكلمة "جهد" بمشتقاتها ذكرت 41 مرة ، وكلمة "سعي" بمشتقاتها ذكرت 30 مرة ، وكلمة « صنع » بمشتقاتها ذكرت 30 مرة ، إلخ. كما تم تضمين حوالي 400 آية في القرآن الكريم في التشجيع على "العمل والجهد والتعبير عن قيمة وأهمية" العمل والجهد.
▪︎ فلسفه العمل والجهد
الإنسان ، بصفته خليفة الله على الأرض ، مسؤول وملزم باستعمار الأرض وتطويرها وهذا الهدف كأحد الأهداف الأساسية له. يقول القرآن في هذا الصدد: <هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا > ( سورة هود / ٦١)
إن تطوير الأرض كمسؤوية بشرية على الأرض غير ممكن بدون جهد وعمل. من خلال الجهد والسعي طور البشر الأرض في شكلها الحالي واستفادوا من التسهيلات والفرص التي واجهوها ، لأن الإنسان ، بسبب طبيعته وفطرته يحب العمل ، ويتجه إلى المجتمع ليكون الشكل الاجتماعي لحياته للاستفادة من الفرص والمرافق الأخرى في تلبية احتياجاته والقضاء على مشاكله.
تعتمد عجلة الحياة البشرية على التعاون والخدمة والاستخدام المتبادل لخدمات بعضنا البعض ، وإحدى طرق ذلك هي العمل. يقول الله في هذا الصدد: < نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ... >»( سورة الزخرف / ۳۲ )
في رواية عن الإمام علي (ع)، سبب اختلاف خلق البشر هو أنهم ينتفعون من خدمات بعضهم البعض ، فقال: 《ما من إنسان له القدرة على أن يكون بنّاءً أو نجارًا أو حرفيًا ويقوم بكل أعماله بمفرده دون تشجيع.》
قال القرآن الكريم في سورة النجم: < وَأَن لَّيْسَ لِلْإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَىٰ وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى> . ( سورة النجم / ۳۹-٤٠ )
في أكثر من مائتي حالة ، استشهد الله بـ "عمل" الإنسان وذكر سبع حالات لمقال "صنع" ، أي القيام بالعمل ، كمعيار لشخصية الإنسان وأحد مقامات البشرية. كما جاء في القرآن الكريم في الآيتين 79 و 80 من سورة التوبة في مدح العمل والجهد: <الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ ۙ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ >
هناك نقطتين ملحوظتين وصادمتين في هاتين الآيتين اولها إن الله يساوي بين أولئك البشر الذين يسخرون من الناس الدؤوبين بالكفار. وثانيًا يقدمهم على أنهم فاسقين ويحرمهم من الهداية. هذه وثيقة قوية لفهم أهمية وضرورة النشاط والجهد لكسب العيش عند الله. ومن هنا ندرك أن القرآن قد أولى اهتماماً خاصاً بالعمل والجهد والتشجيع. ( وسائل الشیعة ج ۱۹ / ص ۱۰۳ )...