دراسات

آداب الطعام (١١) لقمة الحرام...


 

د.مسعود ناجي إدريس ||

 

كما اتضح، اكتشف العلماء بعض تأثيرات الطعام على جسم الإنسان وروحه ؛ لكن العديد من آثارها الظاهرية مخفية. لأنه لا يمكن ملاحظة وفحص كل شيء من خلال الفهم المادي والتجارب البشرية. ومن هذه الحالات تأثير الطعام الحرام على الوجود البشري.

على الرغم من عدم وجود فرق في المظهر بين الطعام الحلال والحرام ؛ لكن لقمة الحرام لها تأثير على النفس البشرية، واكتشافها خارج نطاق العلوم الفيزيائية البشرية، وواجب الأديان السماوية هو التعبير عن هذه الأمور الباطنية التي لا تتوفر للبشر. لآثار أكل الحرام على روح الإنسان وقلبه نقاش مفصل. لكن باختصار، يجب أن نعلم أن الكثير من الخطايا متجذرة في تلوث النفس البشرية، وأن لقمة الحرام، مثل المياه الملوثة التي تجعل الجسد مريضًا، فالطعام الحرام أيضآ يلوث الروح البشرية.

عندما تتلوث روح الإنسان لن يُقبل عبادته أو دعاءه وأيضا يسقط في منحدر الهلاك.

الإمام الحسين (ع) في تحليله لأسباب حادثة عاشوراء، يخاطب الناس الذين جاؤوا إلى معركته يوم عاشوراء ولم يكونوا على استعداد للتحدث والاستماع إلى أقواله، يقول: 《ويْلكُم ما عليكُم أنْ تُنْصِتُوا لِي فَتَسْمَعُوا قَوْلي، وَإنَّما أَدعُوكُم إلى سبيلِ الرشَادِ. فَمَنْ أَطَاعَنِي كانَ من المرشَدينَ، ومَن عَصَانِي كانَ من المُهْلَكِين. وكُلُّكُم عَاصٍ لأَمرِي غيرُ مُسْتَمِعٍ قَوْلي, فَقَدْ مُلِئَتْ بُطُونُكُم مِنَ الحَرَامِ وطُبِعَ عَلى قُلُوبِكُم. وَيْلَكُم، أَلَا تَنصِتُون؟ أَلَا تَسْمَعُون؟"》 ( بحار الأنوار، العلامة المجلسي، مؤسسة الوفاء، بیروت، ١٤٠٤ ق، ج ٤٥ : ص ۸ )

تسببت لقمة الحرام لانصار يزيد  - الذين كانوا مسلمين - في ذبح و شهادة الإمام و أولاده وأسرهم، وإقامة احتفال بهذا العمل .

من منظور العلاقة الروحية، لا يمكن إنكار آثار اكل الحرام.

فالطعام الحرام يظلم القلب ويظلم الروح ويضعف الفضائل الأخلاقية. ينقل المؤرخ الشهير مسعودي في كتابه "مروج الذهب" ما يلي:

  من جملة النماذج التي تدل على تأثير لقمة الحرام على صاحبها قصة شريك بن عبد الله النخعي وهي:

كان شريك بن عبد الله النخعي من فقهاء القرن الثاني الهجري وكان معروفا بالزهد والعبادة والعلم فرغب المهدي العباسي أن يوليه منصب القضاء وأنْ يعلم أولاده فعرض عليه أن يوليه القضاء فرفض لأنه يعلم أن في ذلك إعانة للظالم وبعد فترة استدعاه المهدي العباسي وقال له:

لابدَّ أنْ تُجيبني إلى واحدة من ثلاث:

١) إما أنْ تحضر مائدتنا.

٢) إما أنْ تتولى قضاءنا.

٣) إما أنْ تعلّمَ أولادنا.

ففكر شريك النخعي وقال:

《أخفهنَّ عَلَيَّ حضور مائدتكم》

فأمر المهدي العباسي القيِّم على الطبخ أنْ يُهيِّء ألوان الأطعمة الشهيَّة فلما صار يوم الدعوة وحضر شريك النخعي أعجبه الأكل فتناول منه الكثير فقال رئيس الطباخين: لن ينجو الشيخ بعد هذه الأكلة أبدا

وفعلا لم تمضِ إلا فترة قليلة وقَبِلَ تولية القضاء وتعليم أولاد المهدي العباسي فقرَّر له راتبًا شهريًّا مقداره ألف درهم وفي أحد الشهور ذهبت إلى بيت المال لاستلام راتبه فوجد فيه درهمًا مغشوشًا فذهب إلى خازن بيت المال ودار بينه النزاع على تبديل ذلك الدرهم المغشوش بدرهم صحيح فقال له خازن بيت المال:

》يا شريك إنك لم تبع بُرًّا فقال له شريك: لقد بعتُ ما هو أكبر من بيع البر لقد بعتُ دِيني》 ( مروج الذهب و معادن الجوهر، ابو الحسن المسعودي، تحقيق اسعد داغر، دار الهجرة، قم،  ١٤٠٩ ق، ج ۳، ص ۱۳۹۰ )

▪︎ اثر لقمة الحرام

قدم المرحوم الملا أحمد نراقي (رحمه الله) في كتابه معراج السعادة مال الحرام كأحد أعظم أسباب هلاك الإنسان وأهم معوقات تحقيق السعادة في الدنيا والآخرة ويقول: 《طلب الحرام وعدم الاجتناب عنه. ولا ريب في كونه مترتبا على حب الدنيا والحرص عليها، وهو أعظم المهلكات، به هلك أكثر من هلك، وجل الناس حرموا عن السعادة لأجله، ومنعوا عن توفيق الوصول إلى الله بسبه. ومن تأمل يعلم أن أكل الحرام أعظم الحجب للعبد من نيل درجة الأبرار، وأقوى الموانع له عن الوصول إلى عالم الأنوار》وأضاف: 《وهو موجب لظلمة القلب وكدرته وهو الباعث لخبثه وغفلته، وهو العلة العظمى لخسران النفس وهلاكها، وهو السبب الأقوى لضلالتها وخباثتها، وهو الذي أنساها عهود الحمى، وهو الذي أهواها في مهاوي الضلالة والردى، وما للقلب المتكون من الحرام والاستعداد لفيوضات عالم القدس! وأنى للنطفة الحاصلة منه والوصول إلى مراتب الأنس! وكيف يدخل النور والضياء في قلب أظلمته أدخنة المحرمات؟! وكيف تحصل الطهارة والصفاء لنفس أخبثتها قذارات المشتبهات؟!》 ( معراج السعادة، ملا احمد نراقي، ۱۳۸۳ ر، ر ٤٢٨ )...

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
التعليقات
----خلف ناصر عبد الله : اتمنى لكم التوفيق والسداد بحوث روعه غيتها اعلاء اعلام دين الله سبحانه:؟ ...
الموضوع :
تفسير "هذا صراطُ عليٍّ مستقيم" (الحجر: 41)
منير حجازي : العلاقات التي تربط البرزانيين بالكيان الصهيونية علاقات قديمة يطمح الاكراد من خلالها أن يساعدهم اليهود على إنشاء ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يُحرك شكوى ضد ممثل حكومة كردستان في المانيا دلشاد بارزاني بعد مشاركته احتفال في سفارة الكيان الصهيوني
منير حجازي : الاخت الفاضلة حياكم الله نقلتي قول (أنطوان بارا) في كتابه الحسين في الفكر المسيحي وهو يعقد مقارنة ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
ولي : بعد سنوات اليوم يقبل ابناء عنيفص منفذ المقابر الجماعية بحق الانتفاضة الشعبانية ١٩٩١ في الكلية العسكرية بينما ...
الموضوع :
محكمة جنايات بابل تحكم باعدام الارهابي رائد عنيفص العلواني قاتل 26 مواطنا ودفنهم في حديقة داره ببابل
زياد مصطفى خالد : احسنت تحليل واقعي ...
الموضوع :
مسرحية ترامب مع زيلنسكي والهدف الامريكي !!
ابو حسنين : انظرو للصوره بتمعن للبطل الدكتور المجاهد والصادق جالس امام سيد الحكمه والمعرفه السيد علي السستاني بكل تواضع ...
الموضوع :
المرجع الديني الأعلى السيد السيستاني يستقبل الطبيب محمد طاهر أبو رغيف
قتيبة عبد الرسول عبد الدايم الطائي : السلام عليكم اود ان اشكركم اولا على هذا المقال واستذكاركم لشخصيات فذة دفعت حياتها ثمنا لمبادئها التي ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
م خالد الطائي : السلام عليكم, شكرا لصاحب المقال, عمي مالك عبد الدايم الطائي: خريج 1970م، تخرج من كلية العلوم بغداد ...
الموضوع :
كلمة وفاء لإعدادية الكاظمية!!
ام زهراء : مأجورين باىك الله فيكم ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
علاء عبد الرزاق الانصاري : الاهم صلي على محمد وال محمد الطيبين الطاهرين ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
فيسبوك