د.مسعود ناجي إدريس ||
الحاجة إلى الغذاء من الأمور الفطرية والغريزية للإنسان.( الشهید المطهري، ج ۳، ص ٤٨٣ ) ما هو مهم بشكل خاص هو كيف وبأي طريقة يتم تلبية هذه الحاجة؟ لأن التاريخ يظهر أن هذه الحاجة والعوامل التي تجعلها ممكنة قد غيرت مصير كثير من الناس. أحيانًا يكون ما يسمى بأكل قطعة خبز هو الذي يجعل الناس يخضعون لاربابهم، الذين يجهدونهم أحيانًا لدرجة الاستعباد. لقد جعل الدين الإسلامي، مثل أديان الماضي، أتباعه على دراية بالآثار المدهشة للطعام على حياة الإنسان، وهي قضية أهملها بعض الناس اليوم.
¤ اللقمة
قبل وحتى بعد أوامر الإسلام الملهمة، لم يعتقدوا أن الطعام، بالإضافة إلى الفيتامينات والبروتينات، له أيضًا تأثير على المشكلات النفسية للإنسان. مع توسع حدود المعرفة البشرية، لفت انتباه العلماء آثار الأطعمة على الأرواح البشرية.
كانوا يعتقدون أن العديد من الظواهر الأخلاقية كانت بسبب الهرمونات التي تفرزها غدد الجسم، وأن الإفرازات الغدية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بتغذية الإنسان ؛ لكنهم لم يأتوا بعد إلى الاعتقاد، أولاً، أن اللقمة يمكن أن يكون لها تأثيرات معينة على البشر، وثانيًا، إن طريقة الحصول على الطعام وكيفية تحضيره لها أيضًا تأثيرات عديدة على البشر ؛ بينما في كلمات كبار ديننا، يتم تفسيره بدلاً من الطعام على أنه "لقمة"، مما يشير إلى أن تأثير الطعام ينتقل عن طريق اللقمة مؤثرا على نفسية الإنسان وروحه.
من وجهة النظر الإسلامية، فإن طريقة الحصول على الثروة، والتي تتحول في النهاية إلى لقمة وطعام، مهمة للغاية، وعدم الاهتمام بهذا الأمر له عواقب كثيرة. عن رسول الله (ص) قال:《ليجيئن أقوام يوم القيامة لهم من الحسنات كجبال تهامة، فيؤمر بهم إلى النار، فقيل: يا نبي الله أمصلون؟ قال: كانوا يصلون ويصومون ويأخذون وهنا من الليل لكنهم كانوا إذا لاح لهم شيء من الدنيا وثبوا عليه.》 ( عدة الداعي، ابن فهد حلي، دار الكتاب الإسلامي، ١٤٠٧ ق، ص ٣١٤ )
لذلك يجب على المسلم أن يتوخى الحذر فيما يحققه. لأن كل ما يتم الحصول عليه ويدخل حياة الإنسان بشكل مباشر وغير مباشر يدخل إلى غذاء الإنسان ويدخل داخل بطنه.
▪︎ لقمة الحلال
في التعاليم الإلهية، يعتبر الطعام الحلال مقدمة للعمل الصالح. بمعنى آخر، كما أن النبات يحتاج إلى الماء، وكلما زادت نقاء الماء، كان النبات أنقى، والفاكهة أحلى، وكلما كان الماء أكثر اتساخًا، كان النبات أكثر قذارة، وثماره مرة. ثمرة عمل الإنسان يشير أيضًا إلى نوع تغذيته. إن تأثير الطعام الحلال على راحة الروح، والنور الداخلي، والاهتمام بالعبادة، وتأثير الطعام الحرام هو الثقل والعكارة والملل في العبادة .
ولهذا نرى في سيرة رسول الله (ص) أنه قبل شيئًا من شخص بحذر شديد ولم يأكله حتى تأكد من انه حلال.
أم عبد الله، أخت شداد بن أوس بعثت إلى النبي (ص) بقدح لبن عند فطره وهو صائم، وذلك في أول النهار وشدة الحر، فرد إليها رسولها : 《أنى كانت لك الشاة؟》 فقالت : 《اشتريتها من مالي》، فشرب منه، فلما كان الغد أتته أم عبد الله أخت شداد فقالت : 《يا رسول الله، بعثت إليك بلبن مرثية لك من طول النهار وشدة الحر، فرددت إلي الرسول فيه؟》 . فقال لها : 《 بذلك أمرت الرسل، ألا تأكل إلا طيبا، ولا تعمل إلا صالحا 》 . ( رسائل حكم النبي الاعظم دار الحدیث، قم، ١٣٨٦ ر، ج ۱۳، ص ٣٤٨ )
وعليه يقول في وصيته للإمام علي (ع): 《يا علي! اثنتا عشرة خصلة ينبغي للرجل المسلم ان يتعلمها على المائدة اربع منها: فريضة، واربع منها سنة، واربع منها ادب، فأما الفريضة فالمعرفة بما يأكل، والتسمية، والشكر، والرضا؛ واما السنة فالجلوس على الرجل اليسرى، والاكل بثلاث اصابع، وان يأكل مما يليه، ومص الاصابع؛ واما الادب فتصغير اللقمة، والمضغ الشديد، وقلة النظر في وجوه الناس، وغسل اليدين.》( الخصال، الشیخ صدوق، قم، ج ٢، ص٤٨٦ )
▪︎اثر لقمة الحلال
من وجهة النظر الإسلامية، فإن الحصول على الرزق الحلال مهم للغاية وله آثار كثيرة، كما جاء في قول رسول الله (ص):《 من بات کالا من طلب الحلال بات مغفورا له 》( کنز العمال، ج ۱۱، ص ۱۳۷ )
يحب الله تعالى من يجتهد في الحصول على لقمة الحلال. كما يقول رسول الله (ص): 《ان الله يحب ان يرى عبده تعبا في طلب الحلال » ( همان، ج٤، ص٤، ر ٢٩٠٠ )
وفي كلام المعصومين (ع) ذكر آثار الرزق الحلال وفوائده المختلفة، ومنها إجابة الدعاء (عدة الداعي، ص ۱۳۹)، والثبات على الدين.
ينقل عمرو بن سيف الأزدي كلام إمامنا الصادق (ع) الذي قال: 《لا تدع طلب الرزق من حله فانه عون لك علی دینك》 ( آمالي، الشیخ طوسي، دار الثقافة، قم، ١٤١٤ ق، ص ۱۹۳ )
وقد أثبتت التجربة أن الذين يسعون إلى طلب الرزق الحلال ويصرون على عدم خلط أموالهم بالمال الحرام، لديهم المزيد من الرغبة والنجاح في فعل الخير، وخاصة العبادة.
على العكس من ذلك، أولئك الذين يملأون بطونهم بكل مال ولقمة حرام بعيدون عن الكثير من الروحانيات، وإذا كانوا يؤدون العبادة، فإن الملل يعم كيانهم كله. إن دقة علماء الإسلام في طلب الرزق الحلال كبيرة لدرجة أنهم قالوا: « أرسل أحد الملوك غزالا إلى أحد كبار العلماء، وأرسل رسالة مفادها أن هذا الغزال حلال، لقد اصطدته بالسهم الذي صنعته بيدي، وعندما أمسكت به، كنت راكبا على حصانًا ورثته عن أبي. فأجاب العالم:
«أتذكر أن أحد الملوك جاء إلى استاذي وقدم له طائرين بحريين وقال: كل لحم هذين الطائرين، لقد اصطدتهما مع كلب الصيد الخاص بي. »، رد استاذي : « لا يتعلق الأمر بهذين الطائرين، إنه يتعلق بالطعام الذي تقدمه لكلبك؟ أي امرأة عجوز أكل ذلك الكلب، ليصبح قوي للصيد؟
لذلك، إذا افترضنا أنك قد مسكت هذا الغزال الذي صنعته بسهمك وأنت تركب فرسًا ورثته عن والدك ؛ فيا ترى هذا الحصان اكل من عشب أي مظلوم حتى امتلك الطاقة على حملك للصيد؟»
https://telegram.me/buratha