د.مسعود ناجي إدريس ||
الحاجة إلى الطعام هي إحدى القواسم المشتركة بين البشر والكائنات الحية الأخرى ، لكن السؤال هو ما إذا كان البشر ، مثل الحيوانات ، ليسوا مسؤولين عما يحصلون عليه من طعام وليس عليهم واجب تجاه ما يأكلونه؟
يقول الراوي الكبير الشيخ عباس قمي في كتاب « محجة البيضاء »: إن الهدف الحكيم لخلق الإنسان هو لقاء (رحمة) الله تعالى في دار الآخرة ، ولا سبيل لذلك إلا بالعلم والعمل. من ناحية أخرى ، فإن الاهتمام بالعلم والعمل غير ممكن إلا بالصحة ، والصحة غير ممكنة إلا بتناول الطعام بكمية الحاجة كل نهار وليلة ؛ ولهذا قال بعض أسلافنا الصالحين: « الأكل أيضا من الأمور الدينية ، وعلى هذا يقول الله تعالى: < كلوا من الطيبات و اعملوا صالحا> ( المؤمنون / ٥١ . ) لذلك من أكل طعاما يساعده في علمه وممارسته وتقوية تقواه ( محجة البيضاء ، ملا محسن فیض الکاشاني ، ج ۳ ، ص ۳ ) ، ( والإضافة إلى ذلك فإنه في الواقع ، فعل شيئًا دينيًا. )
يقول أمير المؤمنين ( ع)، وهو يشدد على دقة الإنسان في طعامه: 《فما خلقت ليشغلني أكل الطيبات كالبهيمة المربوطة همها علفها أو المرسلة شغلها تقممها تكترش من أعلافها و تلهو عما يراد بها 》، ( نهج البلاغة ، رسالة ٤٥ )
ويتبين من فحص الآيات والأحاديث أن دين الإسلام حمل على الإنسان مسؤوليات كثيرة لواحدة من النعم الإلهية - ومنها الطعام - وقد ذكرت بعض الأمثلة على ذلك.
▪︎شكر الخالق
الشكر على النعم الإلهية ، ولا سيما نعمة الطعام ، من وصايا الدين الإسلامي. يقول القرآن الكريم: <لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ> ( ابراهيم / ۷ )
لا شك أن الله لا يحتاج إلى شكرنا على النعم التي أعطانا إياها ، وإذا أمرنا أن نشكر ، فسيكون لنا نعمة أخرى ومدرسة عليا للتعليم. من المهم معرفة حقيقة الشكر من أجل توضيح مكان ارتباطه بزيادة النعم وكيف يمكن أن يكون بحد ذاته عاملاً تربويًا.
حقيقة الامتنان ليست مجرد شكر شفهي أو قول الحمد لله ونحوه ، بدلا من ذلك ، الشكر في الخطوة الأولى هي التفكير مليًا في من هو مانح النعم. وهذا الاهتمام والإيمان والوعي هو الركن الأول من أركان الشكر ، وبعدها تأتي مرحلة اللسان. لكن الاهم من ذلك هو مرحلة العمل. الشكر العملي هو التفكير بشكل صحيح في الهدف الذي من أجله أعطيت كل نعمة لنا. فلنستهلكه على طريقته وإلا فهو كفر بالنعمة . كما قال الكبار: 《 الشكر صرف العبد جميع ما انعمه الله تعالى فيما خلق لأجله 》، ( تفسیر نمونة ، آیة الله مکارم الشیرازي ج ١٠ ، ص ٢٧٨ )
هذا البرنامج الإسلامي ، قولًا وفعلًا ، كان جزءًا من سلوك ونصائح المعصومين (عليهم السلام). الحمد والشكر ودعاء كبار الدين بعد الأكل مثال على الشكر الذي علمنا إياه الأئمة السابقون. كما كان يقول الإمام الصادق ( عليه السلام) بعد الأكل: 《الحمد لله الذي أطعمنا في جائعين و سقانا في ظمآنين و كسانا في عارین و هدانا في ضالين و حملنا في راجلين و آوائنا في ضاحين و أخدمنا في عانين و فضلنا على كثير من العالمين 》، ( مستدرك الوسائل ، میرزا حسین نوري ، ج ١٦ ، ص ۲۷۹ )
قال الإمام علي (عليه السلام): « شكر كل نعمة الورع عما حرم الله 》( تفسير نور الثقلین ، عروسي حویزي ، ج ۱ ، ص ١٤١ )
وتجدر الإشارة إلى أنه في الآيات والأحاديث ، أمثلة كثيرة على الشكر للخالق تعالى لا تتناسب مع هذا الملخص.
▪︎شكر المخلوق
تجدر الإشارة أيضًا إلى أن مجرد شكر الله على بركاته لا يكفي ؛ بل يجب أن نشكر أولئك الذين كانوا وسيلة لتلك النعمة ونعطيهم الحقهم لان في هذا العمل نشجعهم على خدمة المزيد . قرأنا في حديث عن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) قال:« وإن الله يحب كل قلب حزين ويحب كل عبد شكور ، يقول الله تبارك وتعالى لعبد من عبيده يوم القيامة : اشكرت فلانا ؟فيقول : بل شكرتك يا رب ، فيقول : لم تشكرني إذ لم تشكره، ثم قال : أشكركم لله اشكركم للناس » ( الكافي ، الشیخ کلیني ، ج ۲ ، ص ۹۹ )
قال الإمام الرضا (عليه السلام): 《من لم يشكر النعم من المخلوقين لم يشكر الله عز و جل 》( عیون أخبار الرضا ، الشیخ صدوق ، ج ۲ ، ص٢٤ )
▪︎الابتعاد عن الظلم والفساد
في القرآن الكريم ، بعد التعبير عن النعم الإلهية ، يحذر بني إسرائيل من أن الانتفاع بالنعم الإلهية لا ينبغي أن يؤدي إلى الفساد ، حيث جاء فيه: <كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ>. ( البقرة / ٦٠ )
وأيضًا قال تعالى:< كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ۖ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَٰكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ > ( البقرة / ٥٧ . )
يعتقد البعض أن الجريمة والقتل الوحيدان هما ظلم. في حين أن الظلم الأول هو ظلم الذات الذي يتم بالمعصية والعدوان. يقول الإمام السجاد (عليه السلام)، في إشارة إلى هذا الظلم في صلاة فجر شهر رمضان المبارك:《 اللهم إنك أنزلت في كتابك أن نعفو عمن ظلمنا و قد ظلمنا أنفسنا فاعف عنا فإنك أولى بذلك منا 》( المصباح کفعمي ، ص ٦٠١ و مفاتیح الجنان ، دعاء ابو حمزة الثمالي )
لسوء الحظ ، ينغمر بعض الناس باللذة والفرح لدرجة أنهم يتجاهلون كل شيء ، وهذا التسمم برياح اللذة والكبرياء يقودهم إلى الفساد وتعدي الحدود الإلهية...
https://telegram.me/buratha