د.مسعود ناجي إدريس ||
الشباب هو فصل الحياة المبهج ومظهر من مظاهر الحيوية والبناء، النفس اللطيفة والقلب الرقيق هما تجسيد الخلق الجميل وصحيفة نقية للكون، يتجلى شغف الحياة وإيقاع البناء في مظهر الشباب المشرق والمفعم بالأمل. إذا كان شغف الشباب وشعورهم مزودًا بوعي ديني عميق وسلاح قوي للإيمان الإلهي، فسيتم ضمان سعادة الجيل الشاب وصحة المجتمع.
لطالما كان الشباب محور اهتمام الإصلاحيين ويتم مهاجمتهم من قبل الفاسدين، لأن عالم الشباب هو مصدر أكثر المظاهر العاطفية والروحية والنضج.
وأيضا معرض لأكثر الأضرار الشخصية والأخلاقية والاجتماعية والفتنة. وعليه، فإن إهمال تعليم وتوجيه جيل الشباب يسبب خسائر وحرماناً للحكومات. في عالم اليوم، حيث القيم الإنسانية تضعف تدريجياً وتزداد الأضرار الاجتماعية، لذلك من الضروري اتخاذ تدابير سريعة وجادة لتوجيه ودعم جيل الشباب.
الخطوة الأولى في هذا الطريق هي معرفة مبادئ وعلم السمات الشخصية والاحتياجات الأساسية للشباب. لا شك في أن الإدراك يخلق التعاطف، ومن أجل معالجة هذه القضية الخطيرة، يجب تحقيق المشاركة الثقافية والشاملة، ولن يكون ذلك ممكنًا إلا من خلال التعاطف والتواصل والرفقة مع الشباب.
إن الإسلام، وهو أشمل وأغنى مدرسة سماوية، ومصدر المعرفة الإسلامية اللانهائية، له كثير من النصائح في هداية وتعليم وتربية النسل والعناية وتنظيم شؤونهم. :
(أوصيکم بالشبّان خیراً فَإِنَّهُمْ اِرْقِ أفئدة)
وفقًا للتاريخ، كان الشباب هم الفئة الأكثر في دخول الدين الإسلامي الأول والأكثر ترحيبًا، وقد شدد الرسول دائمًا على هدايتهم وتربيتهم.
☆ الشباب وأهميته في القرآن
بحسب القرآن، فإن مجموع تقلبات الحياة البشرية يتألف من ثلاث مراحل؛ مرحلة الضعف وهي الطفولة ومرحلة القوة أي الشباب ومرحلة ضعف وهي الشيخوخة. كما يقول الله تعالى:
{اَللَّه اَلَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّة ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّة ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۖ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ}. (الروم، 30/54)
نعم، حسب القرآن، الشباب هو عصر القوة، على الشاب عندما يكون في هذه القمة عليه أن يحسن استخدام هذه المكانة.
وقد قال الرسول الكريم صلى الله عليه وآله وسلم:
(إنّ اللّه تعالی ملکا ینزل في کل لیلة فینادي یا أبناء العشرین جدّوا واجتهدوا) [ مستدرك الوسائل، 12/157].
بالإضافة إلى التعبير عن قيمة هذه الفترة، فقد ذكر الله تعالى مراحل مختلفة من حياة الإنسان في عدة آيات وفترة الشباب في القرآن تحت عنوان «بلغ أشدّه».
{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ وَلِتَبْلُغُوا أَجَلًا مُّسَمًّى وَلَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ .}(غافر، 40/67)
يقول العلامة الطباطبائي في تفسير الميزان:
اللام في جملة «ثم لتبلغوا اشدَّکم» لام الغائب و ممكن يحذف المقصود ويصبح تقديره «ثم ینشئکم لتبلغوا أشدکم» . [ تفسیر المیزان، 17/525.]
وبحسب القرآن ، فإن حياة الإنسان تشمل الرحم والطفولة والمراهقة ثم الشيخوخة ، والمراهقة هي فترة مهمة ويبدو أنها هدف ونهاية المراحل السابقة لأنها بينها الله بعبارة «ثمّ لتبلغوا أشدّکم»، یعني «حتى يصل إلى مرحلة المراهقة ».
بالإضافة إلى ذلك ، ومن هذا المنظور ، تم رفع حدود ترك عالم الطفولة لعالم المراهقة ، حيث يقول:
{وَإِذَا بَلَغَ الْأَطْفَالُ مِنكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيم} (النور، 24/59) .
وفقًا للقرآن، فإن بداية التغيرات الجسدية خلال فترة البلوغ هي حدود خروج الإنسان من عالم الطفولة إلى عالم البلوغ.
من هذا الوقت فصاعدًا، لم يعد الأطفال أطفالًا ويجب أن يكونوا مهذبين مثل البالغين، والأهل هم أول من يهتم بهذا الأمر المهم ويعرفون أن أطفالهم لم يعودوا أطفالًا ودخلوا مرحلة مهمة وحساسة من حياتهم. المرحلة التي يجب أن يمر بها وينتهي بتعاطف ومساعدة والديه.
بلوغ الحلم هو في الواقع مرحلة المراهقة ومدخل إلى عالم الشباب، وهي الفترة التي يواجه فيها المراهقون تغيرات جسدية وعقلية وعاطفية وأخلاقية واجتماعية شديدة، وحتى من وجهة نظر بعض علماء النفس، فقد أطلق عليها اسم (الولادة الجديدة).
بعبارة ثانية، يمكننا أن نقول: للمراهقة أو بلغ أشده بحسب القرآن مراحل، أولها مرحلة البلوغ وهي المراهقة. وشيئا فشيئا مع ترسيخ عوامل ظاهرة البلوغ في الجسم تتشكل مرحلة المراهقة، ومن وجهة نظر القرآن حتى سن الأربعين يكون الإنسان من بين الشباب. حيث يقول:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا ۖ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا ۖ وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ۚ حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ...} (الأحقاف، 46/15).
يشير بلغ أشده عمومًا إلى مرحلة في حياة الإنسان تصل فيها القوى الجسدية والعقلية تَدْرِيجِيًّا إلى أقصى درجات نموها وتحملها وقوتها، وتشير بشكل طبيعي إلى الشباب. نقل أبي بصير عن الإمام الصادق (ع):
(إذا بلغ العبد ثلاثا وثلاثين سنة فقد بلغ أشده وإذا بلغ أربعين سنة فقد انتهى منتهاه وإذا بلغ إحدى وأربعين فهو في النقصان) . [فیض الکاشاني، تفسیر الصافي، 5/14. ]
قال العلامة طباطبائی في تفسير هذه الآية:
المقصود «بلغ أربعين سنة» انه في أواخر بلوغ أشدّه قال كذا وكذا. [ر. ك: تفسير المیزان، 11/158. ]
مرحلة بلوغ أشدّه، مرحلة الكمال الجسدي والعقلي، وإذا سعى الإنسان إلى نمو جسده وقوة عقله وفكره، فإنه سيحقق النتيجة، بالإضافة إلى أن النمو الروحي ممكن حتى سن الرشد. إذا عمل الإنسان من أجل نموه الروحي حتى ذلك الوقت، فإنه سيحقق نتائج، وإلا فلا أمل له بعد ذلك. وقد جاء في الحديث:
(إِنَّ الشیطان يَجْرِ یده على من وجه زاد على الأربعين ولم یتب ويقول بأبي وجه لا يفلح) [ آية الله مکارم الشيرازي، تفسیر نمونة، 21/328، نقل عن تفسیر روح المعاني. ]
الشباب فرصة للنمو والكمال، ويجب استغلالها بشكل جيد، وبذل الجهد لمعرفة أسرارها وألغازها.
هدفنا في هذا المقال هو معرفة خصائص ومتطلبات حياة المراهقين والشباب ودراسة الاستراتيجيات التربوية لدين الإسلام، من أجل توفير أرضية للتميز والتقدم والكمال.
إن السمات الشخصية للمراهقين والشباب وشخصية كل فرد، كلها خصائص جسدية وفكرية وعاطفية واجتماعية وأخلاقية، سواء كانت موروثة أم مكتسبة، تميزه بوضوح عن الآخرين.
لذلك، من أجل فحص شخصية الشخص، من الضروري معرفة كل من جوانبه الشخصية، أي خصائصه الجسدية والفكرية والعاطفية والأخلاقية - الوراثية والمكتسبة - بالإضافة إلى تفاعلاته الاجتماعية والخصائص الثابتة لسلوكه مع الآخرين.
تعني دراسة شخصية الشباب أن للإنسان في مرحلة المراهقة والشباب من حيث الأبعاد الوجودية سمات وخصائص تميز حياته عن غيرها من مراحل حياته. والهدف من التعرف على الشخصية الشابة هو التعرف على هذه الخصائص والمتطلبات حتى نتمكن من مساعدة الشباب وإرشادهم في أهم مرحلة من حياتهم باستخدام هذه المعرفة واستخدام تعاليم القرآن الكريم والأئمة المعصومين عليهم السلام.
☆ التعرف على الخصائص الجسدية
في السنوات الأولى من البلوغ، بسبب زيادة إفراز هرمونات الغدد الصماء، تحدث تغيرات عميقة في الجسم ويضطرب التوازن النسبي للمراهق ويتغير شكل وحجم الجسم ويترك الطفولة ويقترب من قالب جسد البالغين. إن النمو في هذه الفترة سريعًا لدرجة أنه تم تفسيره على أنه(قفزة).
يرتبط النمو أو هذه القفزة بسنوات البلوغ والمراهقة ويستمر لمدة أربع سنوات تقريبًا ثم يأخذ حالة تدريجية، ويكتسب حجما تَدْرِيجِيًّا خلال فترة المراهقة ويبلغ ذروته. بسبب هذه التغييرات، يولي المراهقون اهتمامًا شديدًا بمظهرهم ويصبحون حذرين للغاية بشأن وجوههم وتكوين أجسامهم ولياقتهم ومظهرهم.
يعبر الكثير من الآباء عن قلقهم حيال التغيير في سلوك المراهقين في المظهر ويعارضوهم في بعض الأحيان، في حين أن هذه التغييرات هي رغبات فطرية وطبيعية للمراهقة ويجب مساعدتها من خلال السلوك المحسوب وإقامة علاقات مبنية على المحبة والمودة. إن الرغبة في الجمال من الرغبات الفطرية للإنسان، وهي أكثر وضوحًا عند المراهقين والشباب، وهذه النقطة أيضًا قد أثيرت من وجهة نظر أمير المؤمنين (ع)، وقد تحدث عنها. وأعطى اهتماما خاصا بهذا الشعور وتنميته.
وقد روي عن الإمام الباقر (ع) أنه:
(أتى أمير المؤمنين عليه السلام سوق الكرابيس فاشترى ثوبين أحدهما بثلاثة دراهم، والاخر بدرهمين، فقال: يا قنبر خذ الذي بثلاثة قال: أنت أولى به يا أمير المؤمنين تصعد المنبر وتخطب الناس، قال: يا قنبر أنت شاب ولك شره الشباب.) [ر . ك: مستدرك، 3/256.]...
https://telegram.me/buratha