بقلم : محمد ابو النواعير
لا تقتصر الأسس النفسية كمؤثر في السلوك الإنساني فقط على الأطفال , أو الرجال والنساء , أو أحيانا كما هو وارد : في الجماعات أو الجماهير , والشعوب .. بل أثبتت الدراسات الحديثة المختصة بعلم النفس السياسي, أن السلطة الحاكمة تعتمد في كثير من أدبيات ممارستها السياسية, بل ومحاولة فرض سيطرتها على سكيولوجيات جماهيريها, وتمرير رسائلها؛ على ما تملكه من أدوات, تستطيع من خلالها السيطرة على الشعوب, لتمرير مقاصد وأهداف وغايات ترسمها وتحاول فرضها .
فالسلطة بأسسها البشرية, تقوم على بنية نفسية وعقلية, وتمارس فعلها السلطوي من خلال ما بنيت عليه من خبرات نفسية, وموجهات ودوافع, وأهداف, وغايات؛ ترتبط ارتباطا وثيقا بمنظومتها النفسية, والقائمة في الوقت نفسه, على وعيها بواقع مجتمعاتها, وما تحتاجه هذه المجتمعات؛ إضافة لوعيها بالكم الهائل, من التجارب التأريخية الخاصة بقيادة الدول, وإدارة السلطة؛ سواء اكانت هذه الخبرات تتعلق بتأريخها نفسها, أو تتعلق بتأريخ غيرها من الدول.
وغالبا ما تكون الممارسة السلطوية للسلطة القائمة, مبنية في اساسها على أهداف تنقسم الى أهداف معلنة وأهداف مضمرة؛ الأهداف المعلنة: تمثل دائما اديولوجيتها الخاصة بها, والتي تحاول تصديرها الى الجمهور والأتباع؛ أما الأهداف المضمرة فهي التي تمثل سكيولوجيتها التي تمثل حالة الأنا الخاص بها ..
إضافة لما سبق, نجد أن الجانب السكيولوجي عند السلطة يحاول دوما فرض النمط الخاص بها, لما تعتبره كأدوات ووسائل لممارسة دورها السلطوي على المجتمع, بما يضمن لها كسب الخضوع والطاعة لأبناء هذا المجتمع؛ آخذين بالإعتبار, مراعاة الوضع الدستوري, وهيكلية البناء الإجتماعي والثقافي لذلك البلد, ولتحاول أيضا ومن جانب ثاني إبتلاع الدولة, لتكون الدولة هي السلطة والسلطة هي الدولة ..
إذا, ومن هذا المنطلق, يمكننا قسم السلطة الى نوعين وصنفين, الصنف الأول: هو الذي يتحول الى استراتيجيا ادارية لمؤسسات الدولة والمجتمع؛ منضبطة بضابطة سلطة الدولة, والمتمثلة بأوجه هذه السلطة : القانون. الدستور. البرلمان, وتابعة لها.. فتكون في هذه الحالة إحدى أعمدة وأدوات الإستقرار السياسي في البلد.. الحالة الثانية: أن تتحول الى سلطة تمارس دورها التسلطي, الفردي الأناني الذاتي, فتخضع نفسها في تلك الحالة, وتخضع المجتمعات القابعة تحت سيطرتها, الى نمطية فوضى الطفرات والتحولات الفجائية, والتي تأتي متوالية في إدارة مثل هذا النوع من المجتمعات؛ وتؤدي عادة مثل هذه الحالة الى افتقاد تلك المجتمعات الى مفهوم ومعنى الإستقرار السياسي .
ومن الجوانب الأخرى التي تمثل الأهداف السكيولوجية الباطنية للسلطة, هي اهتمامها بموظوعة الأمن, ومبالغتها في تبني هذا الملف والسيطرة عليه؛ لأنه يمثل في جانب منه, هدفا ذو ازدواجية ساكيولوجية؛ طرفها الأول هو السلطة وخوفها من انقطاع صلة وصلها بالمواطن, والثاني هو المواطن الذي ينظر الى موظوعة الأمن, المتعلق بحياته وحياة عائلته, نظرة ملئها الترقب والتحسس والريبة والخوف؛ والذي قد يقود بالنتيجة الى انقطاع الصلة نهائيا بين الطرفين, وتحول المجتمع الى جهاز معارضة للسلطة.. لذا نجد السلطة في هذه المواقف, دائمة الخوف(السيكولوجي) من أي تجمع أو إجماع يتعلق بالجماهير, كونها تعتبره كجزء من عملية تستهدف هز أسس هذه السلطة .
إن المبدأ النفسي الباطني الذي تسير عليه السلطة النمطية السابقة الذكر, إنما يقابلها مبدأ نفسي يحاول التخلص من ربقة السلطة وسيطرتها؛ لذا نجد أن السلطة دائما تحاول اخفاء الحقائق عن مواطنيها, لتديم بذلك إحكام سيطرتها عليهم, وتكون النتيجة عادة, هو اتجاه الجماهير بالضد من مصالحها , بسبب غياب الحقائق المتعلقة بممارسات السلطة وأساليبها ..
كل ما ذكر أعلاه يمثل جوابا واضحا للسؤال الذي يسأل عن سبب نشوء أزمة المشاركة السياسية؛ أي أزمة مشاركة الشعب في التأسيس للحكم, أو ما أطلق عليه حديثا بـ( أزمة الديمقراطية ), سواء كانت هذه الأزمة مباشرة أو غير مباشرة. وهو ما يدعو الى ضرورة الإسراع في إيجاد مناهج تربية, أو تنشئة, سياسية سريعة, يزج بها في الأنظمة التعليمية والتربوية الحديثة للدولة؛ لكي يكون طرفي المعادلة متعادلين..
محمد أبو النواعير- ماجستير فكر سياسي أمريكي معاصر- باحث مهتم بالآديولوجيات السياسية المعاصرة ..
https://telegram.me/buratha