*من حق الشيعة ـ وهم الاغلبية ـ ان يقدموا تصوراتهم لشـــكل الحكم الذي يريدونه، ولايمكن ارعابهم او ارهابهم او اخافتهم *برنامجنا العراقي لن يكتب له النجاح ان لم ينفتح على برنامج اسلامي او عربي أو اقليمي او عالمي *القيادة الشيعية بحاجة الى عمل واسع للملمة جمهورها وسد الثغرات والنواقص في مؤسســـاتها وفي مفاهيمها وممارساتها *لم يشعر الشيعة تاريخيا انهم بحاجة الى تعريف هويتهم وانتمائهم وخططهم ومشاريعهم كما يشعرون اليوم . الدكتور عادل عبد المهدي دراسة كتبها السيد عادل عبد المهدي نائب رئيس الجمهورية قبل سقوط النظام الصدامي الدكتاتوري وذلك في حزيران 22/ 5 / 2002 يتناول فيها شيعة العراق على وفق نمطية التحرك في العالمين العربي والاسلامي وانعكاس ذلك على الشيعة والتشيع، وهي قراءة علمية ومستقبلية تستشرف الابعاد المستقبلية للتفكير الشيعي ومدى تأثيرها على حركة التشيع في العالم العربي والاسلامي ،وهي دراسة عالجت مواطن السلب والايجاب في التفكير الشيعي من خلال ما املته عليه الظروف التاريخية القاسية التي فرضت عليه نمطية التحرك (الانكفاء والتشرنق) واتخاذ اسلوب الدفاع ضد الاخر مع ان الفكر الشيعي يحمل تلك المبادئ الاصيلة للاسلام المحمدي الاصيل ،
لم يشعر الشيعة تاريخيا انهم بحاجة الى تعريف هويتهم وانتمائهم وخططهم ومشاريعهم كما يشعرون اليوم، فالانتماء للاسلام والعمل له ومن خلاله، كان يكفي لتحديد الامور الاخرى كافة .عندما يكون الاسلام هو القانون والجغرافيا والسكان والانتماء والهوية وغير ذلك، فان المسائل المشتقة كافة ستتماهى مع هذا العالم المتكامل في قيمه ورؤاه وفعالياته واهدافه ودور الجماعات والافراد داخله.مفاهيم العدل والظلم لها معايير محددة واضحة.قد تختلف حسب هذا التفسير او ذاك، لكنه خلاف في تفسير القاعدة والاساس الذي يتم الانطلاق منه والتأسيس عليه. كذلك الامر في طبيعة التحرك ومبرراته .فالحق والباطل لهما معايير تنظمها المرجعية للاسلام وللاسلام فقط ،او على الاقل تنظمهما معايير محددة قد تختلف المدارس والفرق والملل والنحل والطوائف في وضع الخطوط الفاصلة بينها،الا انها تسعى كلها لان تسترشد بالاسلام وبما يقول ويطمح اليه من دون ان يعني ذلك كله فهما واحدا متطابقا للاسلام ومراميه وابعاده وغاياته ومقاصده، لاشيء في موازاة الاسلام او بجانبه لاشيء الا اذا اردنا الكلام عن حالات اللاوعي وتسلل المفاهيم لتخترق البنية الرئيسة والوحيدة لتصبح جزءا منه.لايمكن تمرير المرجعية الوطنية او القومية او الالسنية او المذهبية او الجهوية الا اذا استظلت بمرجعية اسلامية - اصولية او تبريرية -تبررها وتصرفها وتمنحها شرعيتها الحقيقية او الباطلة او زخمها وعوامل نجاحها او فشلها.تحولات كبرى: شهد العالم منذ قرون عدة تحولات كبرى اجرت تعديلا في مجمل المعطيات التي تدور في اطاراتها حركية الاسلام بما في ذلك الشيعة انفسهم. يمكننا ان نعدد امورا كثيرة لكننا سنتوقف عند ما نعتقده الاهم لنرسم الاطارات التي من دون تحديدها لا يمكننا ان نقدم تصورات مبدئية وواقعية في ان واحد. تصورات تمنعنا عن الانعزال عن دوائرنا وعوامل الفعل والتفاعل عن منظومة قيمنا التي نعتقدها الحافظة لنا في دنيانا واخرتنا. -لم تعد الامم كيانات متجاورة، بل حصل في العالم تحول جوهري وهو قيام هيكيلة عالمية شمولية ربطت ربطا غير متكافئ بين مراكزه واطرافه او بين شماله وجنوبه وهلم جرا.
-لم تعد امة الاسلام امة قائمة بذاتها كاحدى الكيانات الكبرى في العالم بل اصبحت مجموعة من الكيانات التي تختلف فيما بينها في طبيعة النظم السائدة فيها،فهي تتراوح بين النظم العلمانية المطلقة كما هو حال تركيا مثلا او النظم التي تقول بالاسلام شكلا او تدعو لذلك حقيقة كباكستان والسعودية وايران مثلا. هذا الخلاف في طبيعة النظم بكل تأثيراته السلبية في تمزيق الكيانات وفرض دوائر خانقة وصغيرة ومفككة لايخفي مشتركات رئيسة تعيشها هذه الكيانات بتأثيراتها السلبية ايضا. فهناك تبعية آسرة اقتصاديا وثقافيا وسياسيا وحضاريا وغيرها تعاني منها كل هذه الكيانات مما يفرض واقعا ضعيفا مسلوبا متصارعا يخزن عوامل الفتنة الداخلية بين فئات الكيان الواحد وعوامل التناحر الصراع غير المتكافئ مع الخارج المهيمن.
-فقد الاسلام وحدانيته او شبه وحدانيته في صياغة الجماعات والافراد وفي تنظيم حياتها ورؤاها وتحديد مطامحها واهدافها. فمع الاسلام وبجانبه تشكلت الكثير من القيم والوقائع التي تضغط كلها في صياغة حقائق الحياة. فتعددت المرجعيات وتداخلت، خصوصا ان بعضها كان يحمل عوامل تناقض حاد كالفكرة العلمانية المعادية للدين مثلا. وبعضها كان يحمل عوامل تشويش في اولوية الولاءات والانتماءات كالفكرة القومية .كما حدث انقلاب جذري في اشكال تنظيم الجماعات وفي علاقة الفرد بالجماعة والعكس. تطور النظام المدرسي بشكل لم يسبق له نظير كما تطورت مفاهيم علاقة الشعب بالسلطة واشكال التنظيم السياسية، كالديمقراطية وحقوق الانسان ومفاهيم الرأي العام والمنظمات الدولية والوسائل الاعلامية الخارقة في تأثيراتها وازدياد اهمية الصور في صنع الحقائق وتطور ليس فقط اسلحة الدمار الشامل، بل تطور وسائل التأثيرات الشمولية بالوسائل السياسية والاعلامية والاقتصادية والقيمية والحضارية وغيرها.
-لم يواجه المسلمون كما هائلا من التحديات المعادية لهم او المختلفة عنهم فقط بل وضعوا امام امتحان عسير مزدوج الجوانب فهم من جانب يواجهون عملية اختراق يجب التصدي لها مما يتطلب نوعا من الدفاع والانكفاء وعزل النفس والابتعاد عن الاخر ووسائله الذي يريد الاضرار بهم حسب قاعدة دفع الضرر مقدم على جلب المنفعة .. ومن جانب اخر يتلمسون مخاطر الانكفاء التي ستقودهم الى العزلة مما سيضعهم ويبقيهم في مواقع الضعف وفقدان القدرة، وهو امر قد يجلب في نتائجه من الاضرار الكبيرة والشمولية اكثر مما تم دفعه عن طريق الانعزال والانكفاء، فلا الانكفاء كاف لدفع الضرر ولا الانفتاح قادر على جلب المنفعة. فتعابير كالضرر والمنفعة تحولت الى تعابير نسبية كتعابير النجاح والفشل،فالتحدي لا يشمل رد العدوان فقط بل يشمل ايضا -وهذه هي المهمة الاصعب-اخذ قصب السبق من جديد تنظيميا وعلميا وحضاريا واقتصاديا وسياسيا واخلاقيا وقيميا واجتماعيا وانسانيا،فالدين الحق له مصاديق يجب ان يبرهن عليها ويطرحها على صعيد الحياة،لا ان يبقى مجرد شعارات بانه رسالة للانسانية كافة وانه الدين الخاتم. لايكفي ان يعظ علمائنا الناس في مساجدنا ومجالسنا بما لهم وما عليهم ثم نخضع كلنا من علماء وجمهور لوعظ اخر اكثر قوة وتأثيرا وفاعلية ليس على غيرنا فقط بل على عموم المسلمين ايضا. لانقول ان الاسلام هو برنامج اقتصادي او علمي او سياسي او قتالي او تنظيمي او غير ذلك لكننا نقول بان الاسلام في روحه ونصه ان لم يحفز ويحرك البرامج تلك وغيرها ليرتقي بها لهم وللعالمين كافة وليقدم مصاديقه عن قدرته بل اولويته فان المسلمين سيخونون الامانة التي كلفوا بحملها وسيأتي الله بقوم غيرهم.
الشيعة العراقيون في محيطهم الخاصمن غير الممكن التعامل مع مسألة الشيعة العراقيين ان لم نضع نصب اعيينا الواقع الكلي والشمولي الذي يعيشون فيه. فالحلول ستكشف عن هشاشتها وقصر نظرها ان لم تأخذ الواقع المحيط بكل تشعباته وتعقيداته والتي اشرنا لبعض ملامحه في النقاط اعلاه . فالشيعة العراقيون جزء من حركية شيعية لها ابعاد اوسع من العراق بكثير تؤثر فيها وتتأثر بها. والشيعة خلافا للكثير من الفرق الاسلامية الشيعية والسنية على حد سواء -كالكثير من الفرق الصوفية او السلفية او من غلاة الامامية والاخبارية -مازالت تعيش الهم الاسلامي بكل ابعاده الكلية تتأثر وتؤثر فيه.اي خلافا لتلك الفرق التي تقوقعت على نفسها وحولت معتقدها الى شرنقة تحتمي بها، فان الشيعة عموما والشيعة العراقيون في مجالنا الان لايرون انفسهم نقطة البداية والنهاية بل يبحثون عن الحلول لهم وللاخرين .فهم لا يريدون لتشيعهم ان يتحول الى هوية اثنية بل يصرون في حركتهم الكبرى والاساسية على ان التشيع هو النظرة الاصيلة للاسلام،وعلى ان الاسلام هو ارقى ما عرفته البشرية من خازن للقيم ومحفز للدوافع الانسانية في هذه الدنيا ونحو الاخرة. لكن الاخر بوعي او بفطرة الاستيلاء والاستلاب يندفع لان يتعامل مع الشيعة كاثنية ويضغط لكي يدفعهم نحو التشرنق والتحول من حملة رايات الرسالة والدعوة الى الدفاع عن كيانات وجماعات وكانتونات واعداد فهو يضعهم في اساليبه امام خيارين : ان يترع منهم قوة العدد بافراغ المضمون عبر مفاهيم مبتسرة للوطنية او غيرها..او ان يغرقهم في بحر اكبر منهم لينال من عددهم ومضمونهم في ان واحد كمفاهيم القومية والاممية والاسلامية وغير ذلك.
سيسقط الشيعة العراقيون في الفخ ان هم قبلوا بمثل هذه التبويبات مجردة .. والاهم من ذلك ان تحركوا انطلاقا منها من دون تمحيص ورسم الحدود والافاق.. فهذه التبويبات لها وقائع بكل تأكيد وهي حصيلة ما نسجه الواقع والتاريخ وان عدم رؤيتها هو ابتعاد عن الواقعية -احببنا ذلك ام كرهناه- لكن البقاء عندها هو السقوط في الفخ ليس الا.بكلمات اخرى هناك طريقان امام الشيعة العراقيين لمواجهة الواقع الذي وضعوا فيه والذي يتسم بالكثير من الظلم والعزل والمحرومية. الاول :قبول التحرك من واقع الانعزال للدفاع عن هويتهم وحقوقهم وهو الطريق الاسهل والذي سيلقى بالتأكيد الكثير من التأييد عالميا.. الثاني : رفض المنطلقات والتبويبات التي يريد الاخر وضعهم فيها والسعي لحل اوضاعهم ليس في اطار حل شيعي مجرد بل حل اسلامي، والذي يجب ان يحمل بالضرورة حلا وطنيا واسلاميا عاما. فالبعض يرى نجاعة التحرك في استقدام كل القوة الخيرة والشريرة ليطوق ويضرب بها قوة خصمهم المباشر الذي هو حاكم من جغرافية عربية وسنية فهو يعتقد -من دون قليل امثلة- بان مشكلته قد بدأت هناك وستنتهي هناك. اما الاخرون فيرون ان مشكلة الحكم والاقلية الحاكمة وبغض النظر عن انتماءاتها الحقيقية والباطلة ما هي سوى نتيجة لمعركة ومسألة اكبر من ذلك بكثير. اننا نميل بكل حزم للموقف الثاني ونحذر من المخاطر الكبيرة التي يحملها على التشيع والاسلام والوطن المواقف الصريحة والمبطنة لانصار الموقف الاول.علماؤنا وعقلاؤنا وقفوا دفاعا عن الدولة العثمانية الظالمة لهم والمستبدة بحقوقهم ليس حبا بها ولا غفلة او عدم ادراك للمنافع والمصالح الكثيرة التي كان يمكن ان يتمتعوا بها لو أنهم والوا الأنكليز وناصروهم .انهم قاموا بذلك بالضبط دفاعا عن حقوق الشيعة والمسلمين والمواطنين كافة .خلاف ذلك يجب ان نحاكمهم ونلسع ظهورهم بسياط النقد والتقريع واللوم لاكيل المديح والتمجيد لهم ولافعالهم .فالدفاع عن الشيعة والتشيع وقضيته العادلة سيفقد كامل معناه ان لم يحمل معه دفاعا عن الاسلام والمسلمين والناس جميعا وقضاياهم العادلة.
بخلاف ذلك سنفرغ التشيع من مضمونه ونحول الشيعة الى مجرد كم لايختلفون عن الكثير من الفرق الاسلامية،التي عندما فقدت مرتكزاتها الاسلامية تحولت الى كيانات هشة ضيعت بالتدريج هويتها كما ضيعت مبادئها ومرتكزاتها فان حصل ذلك فعلى الشيعي ان يعيد النظر بمنطلقاته ومواقفه والموقع الذي يقف عليه والاهداف التي يرمي اليها.
اننا في العراق نواجه مهمتين رئيستين : الاول : ان ينجح الشيعة اولا وقبل كل شيء ليس في تقديم تصورات تتعلق باوضاعهم وحقوقهم ومطالبهم على اهمية ذلك كله. بل ان ينجحوا في تقديم تصورات واليات عمل ومفاهيم واهداف تستطيع ان توائم بين مطالبهم ومطالب عموم الشعب. لايوجد شيء يخصهم واخر يخص السنة او شيء يخصهم واخر يخص الاكراد او العلمانيين او المسيحيين او غيرهم من فئات الشعب يجب ان يكون الحل الشيعي متوائما وملبيا ايضا للمطالب الاساسية والعادلة لبقية فئات الشعب. تماما كما ان الحلول الاخرى يجب ان لاتنال من المطالب الاساسية والعادلة للشيعة .والمواءمة لاتعني التنازل بل تعني اتخاذ العدل مقياسا لوزن الامور فاذا كان من العدل رفض الظلم فان من العدل ايضا الاعتراف بحقوق الاخرين .واذا كان من العدل رفض التطرف والغلواء عند الحالات الاخرى، فان من العدل ايضا الاعتراف بحقوق الاخرين ،واذا كان من العدل رفض التطرف والغلواء عند الحالات الاخرى، فان من العدل ايضا رفض التطرف والغلواء في داخل حالتنا وقس على ذلك. من حق المسلمين الذين هم اغلبية البلاد -ومن حق الشيعة الذين هم اغلبية المسلمين والشعب ايضا - ان يقدموا تصوراتهم لشكل الحاكم الذي يريدونه،لايمكن ارعابهم او ارهابهم او اخافتهم بشـــكل مباشر او غير مباشر بان ذلك مناقض لمفاهيم العصر او ان ذلك يناقض الديمقراطية او انه دعوة للطائفية او للتقسيم او اية دعوة اخرى.
هذا الموقف له مبررات واسانيد شرعية دينية ووضعية واقعية وقبل به الحس والمنطق السليمين .لا احد يستطيع ان يستلب هذا الحق من المسلمين او من الشيعة تحت هذا العنوان او ذاك ، من دون ان يسقط شرعيته واهليته واحقيته هو نفسه. وعلى الشيعة والمسلمين ان يكافحوا لترسيخ هذا الفهم ونزع اي خوف او تردد من نفوسهم لطرح حقوقهم وما يعتقدونه صحيحا،بالمقابل فان على المسلمين والشيعة ان يعلموا ان الطرح الصحيح الذي ستقبله النفوس ويحظى بتأييد المسلمين والشيعة وغيرهم من بقية افراد الشعب او من التيارات والقوى الاخرى الداخلية والخارجية هو الطرح الذي يلزم نفسه بالقضايا الكبرى والمهمات الرئيسة،ويأخذ بالاعتبار الظروف الفعلية والواقعية لنجاح مشروعهم وبرنامجهم فلا مبدئية من دون واقعية ولا واقعية من دون مبدئية .فكما ان الموقف الاول حق لهم فان تقدير حسن الظروف والامكانيات هو واجب عليهم يجب ان يقوموا به عن وعي والتزام لحسن الدفاع عن قضيتهم وتوفير افضل الظروف والشروط لنجاحها. يجب ان تكون لنا رؤية طويلة الامد تعتمد منهج الاعتماد على النفس واطلاق الامكانيات وتوحيد الصفوف وتعبئة الطاقات وتنظم القوى وطرح الخطاب المتوازن الصحيح والشعار المناسب المقبول، ان الارادات والنيات والسعي نحو الغايات اساسية لتنظيم الخطط . لكن هذا لايكفي، بل يتطلب حسابا صحيحا للامكانيات وطبيعة العقبات والممكن والمستحيل، فالمستحيل اليوم سيتحول الى ممكن غدا ذلك اذا ما روعيت العملية بتفاصيلها كافة .يمكننا ان نتوقف عند تفاصيل كثيرة تظهر بعض التناقضات في صفوفنا او لنقل بعض الارتباك في الخلط بين رغباتنا والواقع الحقيقي. لنضرب مثالا بسيطا يوضح ما نرمي اليه.
في بداية الثمانينيات طرح شعار أسقاط الحكم، كان واضحا منذ ذاك ـ وبالرغم من ان هذا الرأي لم يؤيده الكثيرون ـ بان هذا الشعار لم يصغ صياغة دقيقة قد لايرى الكثيرون الفرق لكننا نعتقد ان الاستعجال في رفع هذا الشعار تسبب فعلا في تفويت الفرص وتقويض الامكانيات مما أسهم عمليا في عرقلة جهود الاسقاط او التغيير، كان واضحا حينذاك باننا لم نكن نمتلك ضمن موازين القوى في وقتها امكانيات الاسقاط .وان رفع مثل هذا الشعار سيعني الفشل والاحباط والاضطرار الى ملء الفراغ بالمبالغات، ان لم نقل الاكاذيب والتصورات، وهو ما سيدخل عوامل التفكك والضعف في صفوفنا اكثر مما يزودنا بعوامل الحيوية والقوة، فالحكومات تسقط اما عبر الانتخابات او عبر الثورات او عبر الانقلابات او عبر التدخل الخارجي، واللتدخل الاجنبي كان يمكن ان يأتي من طريقين نظريا على الاقل:
عبر تداعيات الحرب العراقية الايرانية حينذاك، او عبر التدخل الغربي الاجنبي. وفي الاحتمال الاول فان الثغرات التي كانت تفتحها الحرب كان يعوضها بشكل مضاعف تصلب الوضع الداخلي واستغلال الحرب نفسها للقيام باشرس الحملات لتصفية مواقع المعارضة كافة داخليا ،ناهيك عن الدعم الذي حصل عليه الحكم من اطراف اقليمية ودولية جعلت سقوط النظام العراقي يعني سقوط جبهة عالمية، وهو امر كان يصعب تحققه في ظل توازنات القوى حينذاك .اما االحتمال الثاني ونقصد به التدخل الغربي الاجنبي فهو لم يكن مطروحا في وقتها كما هو مطروح اليوم .على العكس فان الدفاع عن الحكم وتبني اطروحاته كانت من ابرز العوامل التي منحت السلطة قدرات هائلة لمواجهة الشعب العراقي والثورة الاسلامية في ايران .اما طريق الانقلاب العسكري فهو طريق مغلق امام الشيعة ان لم يكن من حيث الاستعداد والقبول فهو امر متعذر من حيث الامكانيات وافتقار الشيعة لاي لوجستك عسكري يسمح بسلوك هذا الطريق .كما يمكن بسهولة استبعاد اسلوب الانتخابات او الاساليب السلمية مما لايترك امامنا سوى اسلوب الثورة بكل ما تتطلبه من مقومات وشروط لم نوفر للاسف الشديد الكثير من مستلزماتها قبل ان نرفع شعاراتها.
صحيح ان الاسقاط كان يعبر عن رغبة شعبية ومطمح كبير نصبو اليه باللغة السياسية كان شعارا خاطئا يفكك حالات القوة لدينا بدل ان يعالج عوامل الضعف، والعكس صحيح بالنسبة لخصمنا. كان يمكن لشعارات كرفع الظلم وانهاء الاستبداد والقضاء على الفساد او غيرها ان تلبي حاجات المرحلة وتفتح الافاق للمرحلة التالية بشكل يسمح برفع مستوى الشعار الى شعار الاسقاط بعد ان تكون الوسائل والظروف قد هيئت لتحقيق هذه العملية فعلا وليس قولا . فمثل هذا التحرك كان سيقود الى امتلاك ناصية تسمح فعلا بالاسقاط وذلك عندما نضجت الامور مرات عديدة سواء بفعل العوامل الداخلية او بفعل العوامل الخارجية، او على الارجح خليط من الاثنين، واليوم وبالرغم من تغير الكثير من الظروف سواء في جبهة السلطة او في جبهتنا لكننا نعتقد بان شعار التغيير السياسي يبقى اكثر فاعلية وادق صياغة من شعار الاسقاط.فهو اكثر تعبئة وادق صياغة من شعار الاسقاط ويفتح كل الوسائل السلمية وغير السلمية في عملية التغيير والاسقاط. هذا مثال واحد يبين ان المسألة هي ليست في رفع الشعارات، بل في رفع الشعارات ووضع الخطط التي تساعدنا في تحقيق النجاحات والتي تسمح بها الظروف.البعض في صفوفنا يغلب عامل الرغبة ويهمل الواقع او انه يسقط اسير الواقع ولايرى اهمية تفعيل الارادات وكلا الموقفين سقوط في الخطأ القاتل ونعتقد ان هذه احدى مشاكلنا .هذه عينات لامور ما زلنا نعاني من ضعف كبير في مناقشتها بالاشكال الصحيحة خصوصا مع تعقد الظروف الداخلية والخارجية على حد سواء . من دون ان يلغي ذلك تحقق تقدم غير قليل في فهمنا للكثير من المسائل والقضايا والمهمات.
ومن دون الدخول في تفاصيل كثيرة نحتاج بشكل عاجل الى توفير الامور التالية او استكمال توفيرها على اساس ان جزءا مهما من هذه المسائل قد تحقق خلال المرحلة الماضية:
1. طرح خطاب صحيح معبىء وسياسة سليمة متوازنة تلبي مطالب الشعب العراقي كما تلبي مطالب الشيعة . اذ نعتقد جازمين بان الشيعة يمتلكون كل الادوات النظرية والمفاهيمية والتنظيمية التي تسمح بان تتحقق مطالبهم وحقوقهم في الخط الطولي لحقوق الشعب العراقي وتلبية المطالب العادلة لكل فئاته ومركباته. بالتأكيد هناك عمل نظري ومنهجي يجب ان يتحقق لتطوير وعصرنة الكثير من المفاهيم السياسية والاجتماعية وفي مسائل الحكم والدولة والاجتماع والعلاقات الدولية وغيرها من امور لايمكن لاية جماعة ان تدخل عالم اليوم وتحتل موقعا مؤثرا فيه ان لم تسع لصياغة مواقفها ورؤاها بما يسمح لها باخصاب عوامل الحيوية والنماء في مكوناتها ومركباتها ومقومات وجودها.
2. جعل الحضور في المواقع والساحات والوجود الميداني مسألة اساسية وميزانا للحكم بين موقفين .الاول: الحضور مع احتمال الكثير من المشاكل والصعاب بل وحتى الاتهامات. والثاني: الترفع والبحث عن نزاهة غير مسؤولة ثمنها التضحية بالحضور واحتلال مواقع الفاعلية. الحضور الميداني وفي المواقع والساحات والمؤسسات وبكل اشكاله العلنية او المبطنة هو سياسة صحيحة اثبتت التجربة انها حاسمة في كل المقاطع. فالقوى التي لاتمتلك حضورا ميدانيا وفي المواقع هي قوى هشة لاتستطيع ان تمسك بالمبادرة عندما تحين الظروف المناسبة او عندما تحين ساعة القرار والتنفيذ . الشيعة قوة ميدانية وجماهيرية كبيرة. وان شعائرهم ثورة دائمة وان مراجعهم واصول تقليدهم هي تنظيمات مستمرة. وانهم يمتلكون من المفاهيم والممارسات كل ما يسمح لهم ببحبوحة واسعة في فتح ابواب الجهاد والمجاهدة والعمل بكل اشكاله السلمية وغير السلمية . هذا امر يراه الاعداء ويتهيبون منه ويحسبون حسابه ويخططون شتى الخطط لتعطيله واحباط مفاعيله . وهو الذي جعل ويجعل الشيعة قوة كبيرة مؤثرة في الحياة العراقية وغير العراقية . لكن هذه الحقيقة بقيت حالة مدافعة او حالة مقاومة وسلبية اكثر من تحولها الى حالة منتصرة مبادرة وايجابية . ولانجاز هذه المهمة يتطلب الامر تجاوز عقبات والقيام بتطويرات . اما العقبات فاهمها حالة الشقاق والتنافس غير المبررة وغير المشروعة والتي تتحول من الاختلاف الى الخلاف . والتي تنسف المتحدات والقواسم المشتركة مع اخواننا في المذهب والدين والوطن . حينذاك لن نكون امام شيعة آل محمد بل سنتحول الى شيع واحزاب لايبشرهم القرآن الكريم لابنصر ولا بفوز بل براءة من الله ورسوله(1) وذلك بغض النظر عن النيات والادعاءات والمتقولات. اما التطوير في هذه المسألة فان القيادات الشيعية العراقية بحاجة الى عمل واسع وكبير للملمة جمهورها وسد الثغرات والنواقص سواء في مؤسساتها او في مفاهيمها وممارساتها ليس باتجاه الانكفاء بل باتجاه تعبئة القوى وتنظيم الصفوف لتبني مطالب الامة كل الامة، والناس كل الناس والمواطنين كل المواطنين.اذا تحقق ذلك وهو ما يجب الكفاح لتحقيقه فان الشيعة ومعهم الامة سيكونون جاهزين لاستثمار كل الوسائل والظروف والامكانات . ستتحول الحالة من حالة سلبية تنتظر خطط الاخرين ومبادراتهم الى حالة ايجابية تمسك هي بزمام المبادرة والقرار او جزء رئيس منه. فالنقاش لا يبدأ بخياراتنا بتفضيل الديمقراطية او الكفاح المسلح او العامل الخارجي. النقاش يبدأ بقدرة الشيعة على تحريك قواهم وقوى الامة معهم وهو ما سيسمح باستثمار كل الفرص سواء عبر صناديق الاقتراع او عبر الوسائل القسرية باشكالها المختلفة او باستثمار الظروف الاقليمية او الدولية، كل ذلك ضمن ضوابطه الشرعية والاصولية. لايمكن للشيعة ان يقرروا مطالب او وسائل عمل نظرية خارج ظروفهم الخاصة او خارج اوضاعهم العامة. بل لايكفي للشيعة ان يقرروا مواقعهم وأسهاماتهم الاجتماعية والسياسية بناء على تضحياهم ومعاناتهم فقط. فالامر يحسمه صحة توجهاتهم وتمثيلهم للامة ومطالبها العادلة وتعبئتهم لقواهم وقوى الامة وفهمهم لظروفهم وللظروف المحيطة بهم وما يمكنهم بذله لتحقيق ذلك كله.
3. امام علمائنا ومفكرينا مهمة شاقة وصعبة ومزدوجة .فبرنامجنا العراقي لن يكتب له النجاح ان لم ينفتح على برنامج اسلامي او عربي او اقليمي او عالمي .. او في الحقيقة ذلك كله فللعراق خصوصياته وهذا امر يتطلب منا جميعا فهما صحيحا لايسقط في التعميم والتبسيط .لكن العراق جزء من دورات محلية واقليمية واسلامية وعالمية . والامور اليوم متشابكة وتسند بعضها بعضا. لامجال امام الشيعة العراقيين الا ان يدخلوا هذا العالم من ابوابه الواسعة والرحبة لا من ابوابه الضيقة والخلفية .لن ننجح في مهماتنا كعراقيين ان لم ننجح في مهماتنا الكبرى ايضا..ولن ننجح في الاخيرة ان لم ننجح في مهماتنا كعراقيين. فالقوة التي ستنتصر عراقيا او التي ستحتل المواقع المتقدمة فيه هي القوى التي تستطيع ان تفهم خط التاريخ الصاعد وتستطيع ان تضع نفسها في تياراته الصحيحة ومساراته المتنامية. اما القوى الخائفة والمترددة والانكفائية والمتشرنقة فانها ستراوح في مكانها، تبتعد عنها عوامل الحياة والحيوية لتسقط هي في مواقع الموت والجمود .. وان فهم خط التاريخ الصاعد هو موقف واع وملتزم يفهم التطورات السياسية والعلمية والحضارية والتنظيمية والاجتماعية وغيرها ليتخذ منها موقفا مسؤولا يستطيع ان يفرز بين غثها وسمينها وصالحها وطالحها وزبدها الذي سرعان ما سيذهب جفاء وما ينفع الناس الذي سيمكث في الارض(2). صحيح ان المطلوب في المرحلة الاولى هو تجاوز ازمتنا وازماتنا لكن هذه الازمة لن نستطيع تجاوزها ان لم نحمل منذ البداية مطامح كلية وشمولية تجعلنا متفاعلين ومؤثرين وليس متلقين ومنفعلين فقط. لقد انجز الشيعة العراقيون مهمات كبيرة وخطيرة .. لكن ما ينتظرهم يبقى كبيرا ويتطلب جهدا عظيما يجب ان تتظافر الجهود لتلبية متطلباته وتوفير مستلزماته . واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.
الدكتور عادل عبد المهدي
https://telegram.me/buratha