دراسات

مشكلة العراق والعراقيين مع اليسار الألماني

6422 18:23:00 2006-05-08

إنطلاقآ من هذا الوضع تتبلور المواقف السياسية التي تصب في التوجهات النظرية لمجموعة اليسار الألماني اثناء مناقشتها للقضية العراقية , خاصة إذا دار هذا النقاش بينها وبين العراقيين الناشطين على الساحة السياسية الألمانية . ( بقلم : الدكتور صادق إطيمش )

تناول بعض الكتاب العراقيين القاطنين في أوربا جملة من المشاكل التي واجهوها ولا زالو يواجهونها مع اليسار الأُوربي , بشكل عام , خاصة في الفترة التي سبقت الحرب التي آلت إلى سقوط البعثفاشية بالعراق . ولا زالت هذه النقاشات مستمرة حتى الآن حول ماهية الوضع في عراق ما بعد البعثفاشية , حيث يصر كثير من " اليسار الأُوربي" على وجود مقاومة شعبية مسلحة للقوات الأجنبية بالعراق , بينما يحاول العراقيون وضعهم أمام الأشكال المتعددة للأرهاب المقيت الذي يضرب بأطنابه اليوم في مناطق كثيرة من وطننا. وبالرغم من تشابه اليسار الألماني مع نظيره الأُوربي إلا أن هناك بعض الخصائص التي يتميز بها هذا اليسار عن غيره مما يجعل التعامل معه يصب في بودقة اخرى ويسلك سلوكآ مختلفآ في كافة النقاشات التي تدور معه اليوم حول العراق . وقبل الخوض في التفاصيل ينبغي الأشارة إلى أن الشعب الألماني بأجمعه ينقسم اليوم على العموم إلى مجموعتين كبيرتين بالنسبة للموقف من الولايات المتحدة الأمريكية . المجموعة الأولى التي ترى الولايات المتحدة الأمريكية ذلك العملاق العسكري والأقتصادي الذي ساهم بشكل فعال ومباشر في تدمير النظام النازي بألمانيا والذي أبدى مواقف تضامن وصداقة مع الشعب الألماني بعد إنتصار الحلفاء في الحرب العالمية الثانية . إن هذه المجموعة الكبيرة من الناس والتي تتباين بانتماءاتها السياسية وتضم أعمارآ ومستويات ثقافية مختلفة ترى في العون الذي قدمته أمريكا إلى الشعب الألماني بعد الحرب العالمية الثانية عاملآ من أهم العوامل التي ساعدت الشعب الألماني على الوقوف على قدميه وبدء مسيرته التي حققت له الطفرة الأقتصادية التي أُطلق عليها فيما بعد " الأعجوبة الأقتصادية ". فمشروع مارشال الإقتصادي الضخم الذي ساعدت به أمريكا ألمانيا آنذاك والوضع المتميز الذي حققته أمريكا إلى برلين الغربية والمساعدات التي كانت تقدمها أمريكا للشعب الألماني على شكل أدوية وأغذية وملابس وإحتياجات منزلية متنوعة والحماية العسكرية المُكثفة التي وفرتها أمريكا للنظام الألماني الغربي الجديد لينصرف إلى بناء دولة القانون الديمقراطية , دون أن يُشكل الإحتلال عاملآ مُعوقآ لهذه العملية التي تمت بكل نجاح والتي يجني ثمارها الشعب الألماني كله هذه الأيام . إن كل هذه الأجراءات تجعل هذه المجموعة من الناس تنظر إلى أمريكا نظرتها إلى ذلك الصديق الذي بذل وأعطى وضحى لإعادة إعمار من خربته الحرب والذي عمل على إنعاش الأقتصاد الوطني الألماني وترسيخ أُسس دولة المؤسسات القانونية الديمقراطية التي يُشار لها اليوم بالبنان بين جميع الأنظمة الديمقراطية والأقتصادية في العالم . كما تضم هذه المجموعة كثيرآ من الناس الذين يبالغون في تأييدهم لأمريكا وسياستها بشكل عام , حتى وإن تكللت هذه السياسة بالأخطاء . أما المجموعة الثانية والتي تنضوي تحتها أكثر المنظمات السياسية والأجتماعية التي تنحو منحى اليسار, كما تعتقد , فهي التي يبالغ بعضها أحيانآ بعداءه لأمريكا وسياستها خاصة على النطاق العالمي . فهي بالرغم من إعترافها بسيادة القطب الواحد في السياسة الدولية بعد إنهيار الأنظمة السياسية في اوربا الشرقية , إلا ان بعضآ منها لا زال ينطلق , في كثير من الأحيان , من نفس الأفكار التي سادت فترة الحرب الباردة بين حلفي الناتو ووارشو . إنطلاقآ من هذا الوضع تتبلور المواقف السياسية التي تصب في التوجهات النظرية لمجموعة اليسار الألماني اثناء مناقشتها للقضية العراقية , خاصة إذا دار هذا النقاش بينها وبين العراقيين الناشطين على الساحة السياسية الألمانية .ومن خلال هذه المناقشات تتبلور ايضآ التناقضات التي لا تنسجم والتوجه الفكري العام الذي يمثله الذي يمثله اليسار الألماني سواءً على الساحة الألمانية او الأوربية , كموقفها الإيجابي مثلآ من حركات التحرر الوطني العالمية أو مناهضتها للأنظمة الشمولية. ولغرض توضيح ذلك يجدر بنا التطرق إلى الأحزاب والتجمعات المهمة المحسوبة على اليسار الألماني ومناقشة مواقفها التي تطرحها في النقاشات التي تدور حول العراق مع العراقيين على الساحة الألمانية . إن إحدى وأكبر هذه التجمعات التي يمكن حسابها على تجمع اليسار المعتدل في المانيا , بالرغم من التحفظ الكثير على هذه التسمية وذلك بسب وجود إتجاهات يمينية ورجعية أحيانآ ضمن هذا الإتجاه الذي يُمثله الحزب الإجتماعي الديمقراطي الألماني الذي يتزعم الحكومة الألمانية في الوقت الحاضر. لقد إنطلق هذا الحزب في تعامله مع القضية العراقية قبل الحرب على النظام البعثفاشي بالعراق في آذار من عام 2003 من موقف إنتخابي بحت . فأثناء إشتداد الأزمة العراقية التي سبقت الإطاحة بالنظام كان هناك تنافسآ إنتخابيآ بين الأحزاب الألمانية لتشكيل الحكومة الجديدة للسنين الأربع القادمة . لقد جاء هذا الحزب إلى الحكم بعد أن كان يتزعم المعارضة لمدة ست عشرة سنة , وهي الفترة التي كان الحزب المسيحي الديمقراطي الألماني يقود الحكومة فيها . فحين مجيئ الحزب الأجتماعي الديمقراطي وتشكيله الحكومة الألمانية مع حزب الخضر سنة 1998 لم يستطع تحقيق البرامج الإقتصادية والإجتماعية التي وعد بها الشعب قبل الإنتخابات . لذلك كان يريد الإستمرار في الحكم لسنوات أخرى عله يستطيع بذلك تحقيق بعض ما وعد به من الإصلاحات التي إعتبرها الحزب آنذاك مؤشرآ على مدى مصداقيته وضمانة مهمة لمستقبله السياسي . لقد لاحظ هذا الحزب أن الإتجاه الإنتخابي العام في ألمانيا لا يسير في صالحه , خاصة وإنه لم يستطع إقناع أكثرية الناخبين بجدوى السياسة الإقتصادية والإجتماعية التي إتبعها في السنين الأربع الأخيرة من 1998 وحتى 2002 . لقد أشارت كافة إستطلاعات الرأي التي أُجريت قبل الإنتخابات إلى فوز الحزب المسيحي الديمقراطي وعودته ثانية لتزعُم الحكومة القادمة من خلال الإتلاف بينه وبين الحزب الديمقراطي الحر . فما هو الطريق للفوز بالأنتخابات إذن....؟؟؟؟ لقد جاءت أزمة العراق لتنقذ الحزب الإجتماعي الديمقراطي من السقوط , حيث إستطاع هذا الحزب أن يستوعب المزاج الألماني العام الذي لا زال يعاني نفسيآ وإجتماعيآ من تأثير حربين عالميتين, حتى انه لا يريد أن يسمع كلمة حرب ولو سماعآ ناهيك عن المشاركة بها أو تأيدها . لقد أصبح الشعب الألماني , بعد الأهوال والمصائب الجمة التي لاقاها من الحربين العالميتين الأولى والثانية , يمقت الحرب مقتآ شديدآ ولا يجد لها مبررآ بأي حال من الأحوال بالرغم من إعترافه بأن الحرب العالمية الثانية هي التي أنقذته من النظام النازي , إلا أنها تركت في نفس الوقت آثارآ سلبية كثيرة على المجتمع تجري المحاولات لعلاجها والتغلب عليها حتى اليوم . لقد فقد الحزب الأجتماعي الديمقراطي الألماني كثيرآ من الوجوه ذات الجاذبية الشعبية والقدرة السياسية التي أوصلته إلى الحكم أواخر الستينات وإستمراره فيه حتى أوائل الثمانينات . وبعد الوحدة الألمانية بدأ الناخب الألماني يدعم الحزب الذي يستطيع أن يحافظ على الضمانات ويزيد المكاسب الإجتماعية والسياسية والأقتصادية التي كان قد حصل عليها في القسم الغربي والتي كانت تشكل موقع جذب وترغيب ودعاية لنظام إقتصاد السوق الحرة ولمواجهة النظام الأقتصادي السائد في القسم الشرقي من ألمانيا آنذاك .

إنطلاقآ من هذا الموقف الإنتهازي الذي يُعبر في الحقيقة عن الإفلاس الفكري والعجز السياسي لحزب ذو تاريخ نضالي عتيد كهذا الحزب الذي شب وترعرع في أجواء الإشتراكية الديمقراطية , وضع رئيس الوزراء ( كانسلر ) السيد جيرهارد شرويدر والذي كان في نفس الوقت رئيسآ للحزب آنذاك أيضآ سياسته الرامية إلى كسب الإنتخابات وتغير ميزان القوى الناخبة بجعل الوقوف ضد الحرب على العراق واحدآ من الشعارات الرئيسية لحملته الإنتخابية , لاسيما وإن أحزاب اليمين قد أظهرت تأيدآ ملحوظآ مشوبآ بنوع من التحفظ والحذر للموقف الأمريكي بالنسبة للحرب على العراق . وبالفعل فقد نجحت هذه الخطة وأخذ ميزان القوى الإنتخابية يتغير تدريجيآ لصالح الحزب الإجتماعي الديمقراطي وأخذت الإستطلاعات تُشير كل أسبوع إلى إزدياد تجمع الرافضين للحرب وعلى رأسهم هذا الحزب وصار الخط البياني يُشير إلى تصاعد وتيرة التأيد لهذا الحزب بين الجماهير الناخبة بحيث وصلت نتائج الإستطلاعات التي سبقت الإنتخابات بوقت قصير إلى تساوي الحزبين الرئيسين , الإجتماعي الديمقراطي والإجتماعي المسيحي , بالحصول على أصوات الناخبين , بعد أن كان الخط البياني للحزب الإجتماعي الديمقراطي يُشير دائمآ إلى الهبوط . ومن الطبيعي أن لا يكتفي السيد جيرهارد شرويدر بالرفض فقط بل وجد لذلك المبررات التي إستقاها من أحاديث الناس حول مآسي الحروب وأهوالها . وقد أكد رفضه هذا مرارآ وحتى في حالة تبني الأمم المتحدة لهذه الحرب . من الطبيعي جدآ أن يتبلور هذا الموقف عن خط سياسي لا يُرضي الحليف الأكبر القائد في حلف الناتو ويتجاهل المصالح الأمنية والإستراتيجية لمجمل الوضع الألماني الذي أخذ يتجه صوب الوحدة الأوربية والعمل على توسيعها من لتشمل دول أوربا الشرقية التي وقفت جميعها إلى جانب أمريكا سواءً بالتحضير للحرب على البعثفاشية في العراق أو من خلال المساهمة بها مساهمة فعلية . لقد نجحت هذه السياسة بالفعل وإستطاع الحزب الإجتماعي الديمقراطي أن يفوز بالإنتخابات وهذا ما جعل موقف العراقين في ألمانيا أشد صعوبة وأكثر تعقيدآ حين دخولهم بنقاشات مفتوحة مع ممثلي هذا الحزب حول الوضع في العراق .

إن موقف الحزب الإجتماعي الديمقراطي هذا من الحرب على البعثفاشية يختلف تمامآ عن الموقف الذي إتخذه بالنسبة للحربين اللتين سبقتا هذه الحرب ألا وهما الحرب الأفغانية وحرب البلقان . وهنا يتضح لنا سبب هذا الإختلاف الذي يؤكد حاجة هذا الحزب لمادة إنتخابية لم يكن بحاجة لها إبان نشوب هذين الحربين . وبهذا الموقف إستطاع أن يضمن لنفسه الفوز بالإنتخابات وفلسفة المبررات لذلك , حيث وظفت الديكتاتورية بالعراق هذه المبررات لصالحها وكدليل على تأييد سياستها عالميآ , سيما وإن الشعارات التي كانت تُرفع في المظاهرات المناهضة للحرب لم تكن تتضمن أي شعار مناهض للدكتاتورية بالعراق.

أما حزب الخُضر الذي يشكل المجموعة الكبيرة الثانية في تجمع اليسار الألماني والذي إنتهج سياسة الأحزاب التقليدية منذ دخوله حكومة الإتلاف مع الحزب الديمقراطي الإجتماعي فقد إنخرط في هذا الإتجاه لاهثآ وراء الأصوات الإنتخابية بُغية البقاء في الحكم , في حين لم يكترث رعيله الأول بهذا الهدف الذي ظل موضع سِجال بين من سموا أنفسهم بالواقعين الذين أرادوا الإنسجام في أجواء السياسة الألمانية التقليدية وبين الأصولين الذين أرادوا ألإنطلاق أساسآ في تعاملهم مع الوضع السياسي من البرامج البيئية التي وضعها المؤسسون للحزب , وتقييم سياسة الحكومة الألمانية على هذا الأساس .

إن إنسجام هذا الحزب مع معطيات السياسة اليومية التقليدية جعله مُنقادآ بسياسته في أكثر الأحيان إلى سياسة حليفه الأكبر في الحكومة , الحزب الإجتماعي الديمقراطي . وهناك الكثير من الأدلة والوقائع المتعلقة بالسياسة الالمانية الداخلية والخارجية التي تؤكد هذا التوجه الجديد لحزب الخُضر الألماني .

لقد تأسس هذا الحزب على أكتاف مؤيدي المذهب السِلمي وجعل من حماية البيئة ومكافحة تلوثها أهدافآ ملازمة لكل فعالياته السياسية وللبرامج الذي طرحها بعدئذ . إلا أن تمتعه بالسلطة ومحاولته الحِفاظ عليها , إضافة إلى إنقياده إلى حليفه الأكبر جعله يؤيد حربي أفغانستان والبلقان ويساهم فيهما أيضآ ضمن موقعه في الحكومة الألمانية التي ساهمت فيهما بالرغم من عدم إقتران هذين الحربين بقرار من مجلس الامن الدولي , تلك الحجة التي طرحتها الحكومة الألمانية لمعارضتها الحرب على البعثفاشية بالعراق . فمن المعلوم أن الحرب الأفغانية التي إنتهت بسقوط الحكم الطالباني المتخلف قامت بقرار أمريكي بعد أحداث الحادي عشر من أيلول , حيث نُفذت بقيادة أمريكية وساهمت فيها دول حلف الناتو . وبعد إنتهاء هذه الحرب ساهمت الحكومة الالمانية الحالية ولا تزال تساهم بدور قيادي بإسناد الوضع القائم بعد الحرب في أفغانستان . لقد لاقى حزب الخضر كثيرآ من ردود الفعل السلبية من قِبَل أعضائه ومؤيديه بسبب تأيده لهذه الحروب ومساهمته بها بحيث تعرض ابرز قادته السيد يوشكار فِشَر وزير الخارجية الألمانية إلى الهجوم المباشر والضرب وذلك في أحد مؤتمرات الحزب . يحاول مؤيدوا حزب الخُضر الإلتفاف على هذه الحقائق حين الدخول معهم في نقاشات حول الوضع في العراق وظروف ما بل وما بعد الحرب ومدى تأثير ذلك على عمل المعارضة العراقية في ألمانيا.

يمكننا القول أن هذين الحزبين الحاكمين الآن في ألمانيا يمثلان اليسار المعتدل أو يمين اليسار, إن صحَّ التعبير , مع التحفظ الكثير على تسمية اليسار أساسآ , كما أشرت إلى ذلك أعلاه .

أما حزب الإشتراكية الديمقراطية الذي يُمثل اقصى اليسار, حسب تصنيف السياسة الرسمية الالمانية , والذي يتمتع بشعبية جيدة في القسم الشرقي من ألمانيا , إذ انه يضم في صفوفه كثيرآ من العاملين سابقآ في الحزب الإشتراكي الألماني المُوحد في ألمانيا الديمقراطية سابقآ إضافة إلى أغلب أعضاء الحزب الشيوعي في ألمانيا الإتحادية الذ ين إعتبروه الحزب الشيوعي الالماني الجديد بعد الوحدة الألمانية , فإنه ينطلق من أفكار ومفاهيم سياسية واقعية في أكثر الأحيان خاصة فيما يتعلق بالوضع الإقنصادي والإجتماعي الالماني ويضع نفسه , بنجاح لا بأس به أحيانآ , كمدافع عنيد عن القسم الشرقي من ألمانيا . إلا ان المواقف السياسية الاُممية لهذا الحزب تكاد تُراوح في نفس الموقف الذي إنطلقت منه السياسة الأُممية لألمانيا الديمقراطية سابقآ , متسترآ, وبشكل يكاد يكون أساسيآ , خلف الأطروحات القائمة على الصراع بين النظامين الرأسمالي والإشتراكي . لذلك فإن موقفهم من القضية العراقية يتميز بالضبابية وعدم الوضوح الفكري . إنهم يدعون إلى السلام ورفضوا حربي أفغانستان والبلقان بكل صراحة ووضوح داعين إلى الحلول السياسية التي لا زالوا مقتنعين بها لحد الآن . وبنفس هذه القناعة بالحلول السياسية نظروا إلى القضية العراقية , بالرغم من عِلمهم التام بأن الدكتاتورية بالعراق بكل سياساتها المحلية والإقليمية والدولية تسير بالبلد إلى الخراب والتدمير , وبالرغم من عدم إيمانهم بما تؤمن به بعض قوى اليسار الأخرى بأن النظام البعثفاشي ينهج سياسة التحرر الوطني . ومع كل ذلك فقد وقفوا موقفآ من القضية العراقية لم يستطع العراقيون في ألمانيا إستيعابه , حيث أن طروحاتهم كانت تؤدي بالنهاية إلى نتيجة واحدة ألا وهي بقاء هذا النظام الذي يمقتونه هم أنفسهم .

بالإضافة إلى هذه الأحزاب فهناك تجمعات لا حزبية , تدعي اليسارية , تضم بين صفوفها أفكارآ ومستويات مختلفة يجمعها الهدف الرئيسي لهذه المنظمة أو تلك مثل حركة السلام , حركة حقوق الإنسان , الحركات الإجتماعية الإصلاحية وبعض التجمعات الدينية الكنسية وغيرها من التجمعات التي إنخرطت في مجموعات رفض الحرب على النظام البعثفاشي بالعراق متجاهلة كل الأصوات التي يطلقها العراقيون في المانيا حول طبيعة هذا النظام الذي يجب أن يزول بأي شكل من الأشكال . لقد كانت النقاشات مع هذه المجموعات حول القضية العراقية ولا زالت نقاشات حامية تصل إلى حد القطيعة والنفور أحيانآ. إن لمعظم حركات المعارضة العراقية على الساحة الألمانية علاقات وثيقة وجيدة في اكثر الأحيان مع هذه القوى التي كانت تتفهم الطروحات التي بلورتها المعارضة العراقية على هذه الساحة . وقد إستمر العمل معها حتى في المرحلة التي برزت فيها فكرة الحرب على النظام البعثفاشي وخلال فترة إشتداد وطيس النقاش الذي بدأ يدور حول ذلك على المستويات العالمية والمحلية . ففي هذه الفترة بالذات بدأت ملامح النفور والتباعد بين قوى المعارضة العراقية وهذه التجمعات التي أصبحت , من وِجهة نظر الغالبية العظمى من العراقين الناشطين سياسيآ على الساحة الألمانية , تُمثل أفكارآ لا تصب في خدمة التطلعات الوطنية للشعب العراقي .

من الطبيعي أن لا نغفل في هذا المجال التحالفات الجديدة التي تمَّت بين بعض قوى اليسار هذه وبعض التجمعات العراقية في ألمانيا والتي إزدادت أواصرها أثناء قيام الحرب ضد النظام البعثفاشي , حيث إعتبرتها هذه المنظمات العراقية حربآ عليها وعلى أهدافها التي إرتبطت بهذا النظام , كجمعيات المغتربين العراقيين مثلآ أو تنظيمات حزب البعث في ألمانيا ووكلاء المخابرات العراقية الذين كانوا مُجندين من قِبل السفارة العراقية وغيرهم

ويجب أن لا ننسى هنا دور العرب "الاشاوس الذين لم يتركوا أية مناسبة إلا واشتركوا بها لينفثوا سمومهم العنصرية والطائفية ضد الشعب العراقي , متباهين برفع صِور سيدهم مانحهم الزمالات الدراسية والسفرات المجانية , يُهللون ويكبرون لقائد إنتصاراتهم الوهمية في حروبه العبثية التي شكلت مصادر إرتزاقهم , وويلات ومصائب للشعب العراقي.

بصورة عامة يمكن القول أنه بالرغم من تبجح كثير من القوى السياسية الالمانية واليسارية منها على وجه الخصوص بإطلاعها الواسع على ملف القضية العراقية ومعرفتها بخفايا الأمور,وإن إستعانتهم بخبرائهم ومحلليهم ومفكريهم تسمح لهم إتخاذ المواقف والقرارات التي يعتبرونها الصواب بعينه , فإنهم في نظر العراقي العارف بشؤون بلاده الصغيرة منها والكبيرة أُناسآ لا يعرفون كثيرآ من الحقائق عن هذا البلد وهذا الشعب الذي عاش أربعة عقود من الزمن تحت وطأة أشد الأنظمة وحشية وهمجية في العالم كله0

كثير من يدعي بأنه خبير بشؤون العراق لأنه قام بسفرة او سفرتين الى هذا البلد ، أجرى خلالها بعض المقابلات وصَوَر بعض المناطق واستمع الى احاديث بعض الناس التي فهمها هو ومترجموه على أنها حقائق لايرقى اليها الشك . ان المعلومات التي يقدمها هؤلاء "الخبراء" وما اكثرهم هذه الايام في المانيا، تُبنى عليها مواقف سياسية رسمية وغير رسمية وتصبح طروحات تنناولها الناس ويستشهدون بها وبقائلها وناشرها ، ويظل العراقي مندهشاً أمام وضع كهذا يطلق فيه صيحاته في الهواء إذ لا احد يشعر بعمق جرحه ويظل يصيح ويصيح ولا من مُعين حتى يحاول في النهاية أن يُطمئن نفسه ويردد المثل العراقي المشهور : "اليدري يدري والمايدري كًضبة عدس"

الدكتور صادق إطيمش

استاذ جامعي –ألمانيا

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
حيدر الاعرجي : دوله رئيس الوزراء المحترم معالي سيد وزير التعليم العالي المحترم يرجى التفضل بالموافقه على شمول الطلبه السادس ...
الموضوع :
مجلس الوزراء : موقع الكتروني لإستقبال الشكاوى وتقديم التعيينات
سهام جاسم حاتم : احسنتم..... الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام.جسد اعلى القيم الانسانية. لكل الطوائف ومختلف الاقوام سواء ...
الموضوع :
الحسين في قلب المسيح
Muna : بارك الله فيكم ...احسنتم النشر ...
الموضوع :
للامام علي (ع) اربع حروب في زمن خلافته
الحاج سلمان : هذه الفلتة الذي ذكرها الحاكم الثاني بعد ما قضى نبي الرحمة (ص) أعيدت لمصطفى إبن عبد اللطيف ...
الموضوع :
رسالة الى رئيس الوزراءالسابق ( الشعبوي) مصطفى الكاظمي
فاديه البعاج : اللهم صلي على محمد وال محمد يارب بحق موسى ابن جعفر ان تسهل لاولادي دراستهم ونجاح ابني ...
الموضوع :
صلاة الإمام موسى بن جعفر الكاظم (عليه السلام) لقضاء الحوائج
محمد الخالدي : الحمد لله على سلامة جميع الركاب وطاقم الطائرة من طيارين ومضيفين ، والشكر والتقدير الى الطواقم الجوية ...
الموضوع :
وزير النقل يثني على سرعة التعاطي مع الهبوط الاضطراري لطائرة قطرية في مطار البصرة
Maher : وياريت هذا الجسر يكون طريق الزوار ايضا بأيام المناسبات الدينية لان ديسدون شارع المشاتل من البداية للنهاية ...
الموضوع :
أمانة بغداد: إنشاء أكبر مجسر ببغداد في منطقة الأعظمية
ساهر اليمني : الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ...
الموضوع :
السوداني : عاشوراء صارت جزءا من مفهومنا عن مواجهة الحق للباطل
هيثم العبادي : السلام عليكم احسنتم على هذه القصيدة هل تسمح بقرائتها ...
الموضوع :
قصيدة الغوث والامان = يا صاحب الزمان
فيسبوك