( بقلم : هلال آل فخر الدين )
تتصف مدرسة السقيفة بظاهرة واضحة وغريبة جدا من تأويل النص وتطويعه وليه حسب الطلب حتى وان جانب الحق وخرج عن الشرع في عبودية تامة للسلطان وتبرير كل اثم وعدوان تبعا للتعصب والهوى وهذا ديدن فطموا عليه للاستقواء على الاخر لعجزهم من التوفيق ما بين النصوص وواقع احوالهم وما تشرنقوا داخله وحشروا انفسهم في شركه وتعاملهم مع الحقيقة ومنطق العلم بمنطق المهزوم الذي ينسحق داخله عند التحدي ويفضل الارتداد خلفا بدلا من التقدم عن احساس عميق بالعجز والاحباط وثقة غابت بالنفس لجحوده الحق وهو به مستيقن فتصارعه هواجس العصبية ومطامع الدنيا فيبرر ويبرر ويماري ماشاء له ان يماري عن قلقية واضطرابات الذي يقود الى فساد النتاج والتواء المنهج .. مما حدى بالمفكر الاسلامي المصلح الامام محمد عبده ان يشن حربا شعواء على مرتزقة المعممين الذين هم السبب في بقاء جور الظالمين بما يبرر لهم جرائمهم واستمرار كابوس التحجر يقول( والسبب في بقاء قوة السلطان الخلاف والنزاع و تفشى الجهل وتعصب اهل الجاه من العلماء لمذاهبهم التي ينتسبون اليها وبجاهها يعيشون ويكرمون وتايد الامراء والسلاطين لهم والاستعانة بهم في اخضاع العامة وقطع طرق الاستقلال العقلي على الامة لان هذا أعون على الاستبداد واشد تمكينا لهم مما يحبون من الفساد والافساد ...فاتفاق كلمة علماء الامة واجتماعها على الحق كذا بدليل كذا ملزم للحاكم باتباعهم فيه لان الخواص ضعيفة) ويقول العلامة العز بن عبد السلام في استنكار التقليد ووالتنديد بالتعصب الاعمى (الى ان ظهرت هذه المذاهب ومتعصبوها من المقلدين فان احدهم يتبع امامه مع بعد مذهبه عن الادلة مقلدا له فيما قال فكانه نبي أرسل إليه وهذا نأى عن الحق وبعد عن الصواب لايرضى به احد من اولى الالباب )انظر عقد الجيد في أحكام الاجتهاد والتقليد للدهلوي ص12وهذا يظهر واضحا في استقراء لفكر واحد من اشهر اعمدة مدرسة السقيفة الامام (الغزالي) المعبر عنه ب(حجة الاسلام) الذي لازال فكره مهيمنا في اقطار المسلمين ويعتبر لديهم فكر (وسطية) الغزالي الاشعرية التي تبيح استبداد الحاكم الامام (بالشوكة) اي بالقوة والقهر والغلبة نظاما مثاليا يجب الاستمرار والبقاء عليه ..واتخاذ الغالبية المثقفة ومعممي السنة لها كدستور عمل وسنة على الرغم من خروجها على النصوص بالتحايل عليها والتلاعب بها وطمس الحقائق او تزيفها عبوديتا للحاكم وتزلفا اليه طمعا بيسير الفتات وهذ يعكس الى اي مدى وصلت اليه حالة تشليل العقلية وتزوير الدين حتى غدت سمة فارقة واشكالية مستعصية بارزة يتخذ منها كلا من الانظمة المتسلطة وجماعات التطرف والتشدد الطائفي وبالخصوص التكفيري وسائل واليات للرعب والارهاب والابادة
تبرير السياسي بالعقائدي
وهذا ما ستلاحظه من تناقض (حجة الاسلام الغزالي) في كتابه فضائح الباطنية فقد شن ابو حامد الغزالي حربا شعواء ضد المشروع العقائدي الفاطمي (الشيعي) والاجتهادي العقلي الفكري في كتابه (فضائح الباطنية وفضائل المستظهرية) فمن خلال تحليل اليات السجال العقلي ينكشف المشروع (الوسطي) الغزالي انكشافا تاما يقوم على اساس كشف عوار الفكر الشيعي من جهة وعلى اظهار فضائل الخليفة العباسي (المستظهر بالله) من جهة اخرى ..وفي كلا الامرين يخفق فيهما اخفاقا مريعا ويخبط خبط عشواء حيث نلاحظ بوضوح فيما ذهب اليه من تلاعب بالمفاهيم وتزيف لليقين بما يحلوا له من منمق ظاهر القول ومعسول الكلام على اساس تفنيده لعقائد الشيعة حول النص على الامامة وشرعية الاختيار كما يزعمون ..الا انه ومن خلال بحثه ودفاعه عن باطل تراثه (السقيفة) وما تلاها من تناقضات في مسار نظام الخلافة وفي امعانه بقلب الحقائق ولكن ومن حيث يشعر ام لم يشعر يرى عوار سبيلة وخطاء فكره وينسب للخليفة العباسي (المستظهر) احقيته بخلافة النبي (بالنص) ..الى ما هنالك من المواقف والاراء المتمحلة المجانبة للصواب ...حيث يلاحظ فيها اليس فقط البعد عن الموضوعية وتزيف النصوص الرسالية وحتى الطعن فيها تعصبا وطمعا وهذا مستغربا من (حجة الاسلام) المتمكن من المعارف والعلوم وناصية البلاغة في التعبير لكنها لاتعدوا اكثرمن تخرصات شوهاء وتهريجا اعلاميا رخيصا للاستغواء والاستغفال للسذج والرعاع محاباتا للسلطة لذلك سعت السلطة في نشره وتعميمه وهذا ما سوف تلاحظة من خلال قرأة هزال منطق (حجة الاسلام) وانقلاب السحر على الساحر في كتابه الذي اجهد نفسه في اخراجه ايما اجهاد وفضح عوار مذهبه فمن مانشيت عنوان الكتاب يظهر سلاطة شدة الهجمة وبعدها التام عن المنطق والوسطية المزعومة التي يدعيها ( فضائح الباطنية) لكسب رضى السلطة العباسية والطعن بالخلافة الفاطمية المنافسة لها والتي كانت في اوج عنفوانها وتوسعها حتى طرقة ابواب عاصمة الخلافة بغداد
حتى ان الخليفة العباسي(القائم بامر الله ) تنازل للخليفة الفاطمي(المستنصر بالله ) معترفا باحقيت اهل البيت بالخلافة ووقيع وثيقة اذعان بذلك اعترف فيها الخليفة العباسي باحقية ال الرسول بالخلافة والتي تقول :( لاحق لبني العباس في الخلافة مع وجود بني فاطمة الزهراء ) ..فالذي اراده شيخ الاسلام الغزالي هو الالتفاف على الحق وتاويل خطاب النصوص الصريحة والواضحة والمسلمة لديه ولكن الجاه واطماع الدنيا لايثبت لها الا اهل العزم والاخلاص من الابرار وهؤلاء في كل زمان قله يستنكر الفتنة وفيها ارتكس ومصانعة (حجة الاسلام) ونفاقه واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار فالغزالي ينكر اشد النكير على من يصادر الشرع ويحكم بهواه في مسائل فقهية في حين لايستنكر من نفسه عند مصادرته للدين كله وطمسه وتزويره طلبا للعافية والعبودية للسلطان فحجة الاسلام الغزالي يروى عن قاض القضاة (ابو يوسف ) عمله (للحيل الشرعية )في تزوير الاحكام وتأويل النوص بالباطل وطمس معالم الدين ومخالفة الشرع بصورة فاضحة لكسب رضى خليفة المسلمين (الرشيد) واستدرار هباته وعطايه في حين هو نفسه يطمس الحق وركنا من الشرع ويصادرة للسبب ذاته ..فاذا كان( قاضي قضاة) الاسلام يبرر لخليفة المسلمين وحامي حمى الدين بالحيل الشرعية وطأ نساء متزوجات ومن غير استبراء كما في قضية (الناطفي) التاجر البغدادي او يجوز له بالحيل الشرعية ذبح من اعطاه الرشيد الامان وغدربه عن طريق حيل ابو يوسف ..ويذكر الخطيب البغدادي في تاريخه ج14 ص254 كان الخليفة الرشيد يقول لابي يوسف - قاضي القضاة وتلميذ الامام ابي حنيفة- في الاحوال التي تتطلب مخرجا:إذهب فاحتل ..وفي هذا الصدد يقول حجة الاسلام الغزالي في وصف هذا المنحى بانه من فتنة الدنيا في مساق قوله أن الفقيه في الزكاة ينظر ما يقطع به مطالبة السلطان حتى إذا امتنع عن أدائها فأخذها السلطان قهرا حكم بأنه برئت ذمته وحكي أن أبا يوسف القاضي كان يهب ماله لزوجته اخر الحول –السنه- ويستوهب مالها إسقاطا للزكاة فحكي ذلك لابي حنيفة فقال :ذلك من الفقه ويعقب الغزالي:صدق فإنه ذلك من فقه الدنيا ولكن مضرته في الاخرة أعظم من كل جناية ومثل هذا هو العلم الضار احياء علوم الدين ج1 ص32 ولذلك كان يحضى هو واضرابه بمقام رفيع في الدولة وتهب له الاموال الجليله انظر مروج الذهب للمسعودي ج3 340 ولهذا كان ابا حنيفة يستغفرالله من تركه الامر بالمعروف والنهي عن المنكر وتلك من اهم اوجه الاختلاف بين ابي حنيفة وتلامذته المقربيين فعد ابو حنيفة الى جنب اصحابه ممن اتصلوا بخدمة هارون الرشيد وقووا مذهبهم وحصل لهم العلم والسلطنة مناقب الشافعي للرازي ص139حيث تلاحظ على الغزالي يقوم بنفس الادوار من التحايل وقلب الحقائق على سجية مرتزقة المعممين لمدرسة السقيفة التي كانت ولا زالت وبالا على الدين وظلال للامة
الجحود والاستيقان
فالغزالي يستنكر على الشيعة من القول بالنص على الائمة ويطعن فيه وهو يذهب اليه ويقره لخلافة بني العباس من خلال استجابته للاوامر (الشريفة المقدسة النبوية المستظهريه) وفي وصف عبودية حاله للخليفة العباسي قائلا(فإني لم ازل مدة المقام بمدينة السلام متشوقا الى أن أخدم المواقف المقدسة النبوية الامامية المستظهرية ضاعف الله جلالها ومد على طبقات الخلق ظلالها) وفي مجال تجيير خدمته للامام النبوي المقدس في مجال العلم الذي جنح به الخيال في استنباط طريقة تطعن في الاخر وتبرر للاخر وتأول البواطل قائلا :( في تعين العلم الذي أقصده بالتصنيف وتخصيص الفن الذي يقع موقع الرضا من الرأي النبوي الشريف فكانت هذه الحيرة تغبر وجه المراد وتمنع القريحة عن الاذعان ولانقياد) وهذا التوق لخدمة رضى الخليفة وذاته القدسية لحد وصفه (بالنبوة) مما يجانب الواقع ويدوس على الحقائق في سجالية الموقف الفكري للغزالي وتبذله وسخفه ونفاقه من ربط الدين بمصالح لسياسة والبشري بالمقدس قائلا :( بتصينف كتاب في علم الدين أقضي به شكر النعمة واقيم به رسم الخدمة واجنى بما أتعاطاه من الكلفة ثمار القبول والزلفة –لاحظ تزلف العبد الى مولاه- ..حتى خرجت الاوامر الشريفة المقدسة النبوية المستظهرية بالاشارة الى الخادم في تصنيف كتاب في الرد على الباطنية ...وإبراز فضائحهم وقبائحهم بما يفضى الى هتك أستارهم وكشف أغوارهم ) فضائح الباطنية ص2-3 وهذا يظهر بجلاء ان مناهظة الغزالي للطوائف الاسلامية لم يكن موقفا فكريا نزيها بقدر ما كان دفاعا سياسيا عن حق الخليفة العباسي في الامارة والذب عن الوضع السياسي المتهراء الذي كان المد الشيعي قد هدده في عقر داره والطعن فيه بكل باطل وتبرير زائف من خلال اسم الكتاب (فضائح الباطنية) ومن محض دوافع تبريرية سقيمة لاتتناسب والدين والعلم فقط بل تستغلهما الى اقصى الحدود كما يؤكد ذلك :( وكيف لا اسارع إليه ؟ وإن لاحظت جانب الامر ألفيته امرا مبلغه زعيم الامة وشرف الدين ومنشؤه ملاذ الامم أمير المؤمنين وموجب طاعته خالق الخلق رب العالمين إذقال الله تعالى :( وأطيعوا الله وأطعيوا الرسول وأولى الامر مكنكم)؟ وإن التفت الى المأمور به فهو ذب عن الحق المبين ونضال دون حجة الدين وقطع دابر الملحدين ..لما نجم في اصول الديانات من الاهواء واختلط بمسائل الاوائل من الفلاسفة والحكماء فمن بواطن غيهم كان استمداد هؤلاء فإنهم بين مذاهب ثنوية والفلاسفة يتردد ون وحول حدود المنطق في مجادلاتهم يدندنون ) المصدر السابق ص3-4 وهذا التلفيق الظاهر لدعم الوضع السياسي للخلافة العباسية المنهارة وازمة الغزالي الروحية المستعصية النابعة من ادراكه ان كل كتاباته وجهوده العلمية وتدريسه كانت مسخرة للسلطة ولم يكن مراده بها وجه الله تعالى كما قرر هو ذلك في (المنقذ من الضلال ) وتناقضه وصراعه الذي برز في هذا الكتاب
ذرائع زائفة وفصل ابن خلدون
نتيجة للصراع السياسي الحاد بين الخلافة العباسية والخلافة الفاطمية واستفحال منافسة الفاطميين واكتساحهم الكبير لاقاليم واسعة كانت تحت نفوذ العباسين وتهديد ها بقرع ابواب عاصمتها بغداد فما كان من الخلافة العباسية الا ان تشهر اخر اسلحتها وان كانت (فاسدة) وذرائعها وان كانت زائفة باتهام الخلفاء الفاطمين في مصر بانهم لاينتمون الى الدوحة النبوية بشيء وليسوا من اهل البيت وانهم ابناء (القداح)كما هو واضح من الاجتماع الذي اعدته الخلافة العباسية لاقرار محظر سطرته ايادي الاحبار الذين يحرفون الكلم عن مواضعه وبصموا عليه بتواقيعهم زورا وباطلا في متجارة بيع ليس فقط للضمير بل والدين لقاء دراهم معدودات وهذا ما يذهب اليه المؤرخ ابن خلدون رغم نصبه وعدائه لاهل البيت من قوله ان لسياسة السلطان دوافعها في طمس معالم الحق تبعاللمصالح كما فعلت الخلافة العباسية في الطعن بالنسب العلوي الشريف للفاطمين الخلفاء ونسبته من غير وجه صحيح الى عبدالله القداح وحتى الى الزندقة واليهود على ايدي مرتزقة المعممين واحبار علماء قصور خلفاء بني العباس
تناقض تأويل الباطل
ان واحدة من اهم افكار علماء مدرسة (السقيفة) هو انكار قول الشيعة بان الامامة بالنص وليست بالاختيار وهذا المنهج بالخصوص ما اعتمده الامام الغزالي في ابطال هذه الفكرة على مجموعة من الحجج تتعلق كلها بنقد الاخبار التي يتمسك بها الشيعة من القول بامامة علي ابن ابي طالب (نصا) وهي نفس الحج التي يستخدمها في ابطال قولهم بان الامام لابد ان يكون (معصوما) من الزلل والخطأ .لكن الغزالي حين ينتقل لتدليل على احقية الخليفة العباسي (المستظهر بالله ) بإمامته للمسلمين دون غيره حيث ينتهي في استنتاجات تحليله لهذه الاحقية والى حتى ما يتجاوز القول بالنص الى القول بالاختيار(الالهي) المباشر !! وبما ان الشيعة يقيمون مشروعية أمامة أئمتهم على (النص) المباشر من النبي (ص) فان الغزالي يقيم مشروعية إمامة المستظهر العباسي على (الاختيار ) المباشر من الله سبحانه وهذه السلطة العليا (الالهية)هي ما كانت تحتاجه خلافة السقيفة في صراعها السياسي ضد خصومها الخلافة الفاطمية (الاسماعيلية)
ان الامامة فيما يرى الغزالي إما أن تنعقد بالنص او بالاختيار ولان القول بالنص كما يزعم باطل فلا إمامة الا بالاختيار لكن مسألة الاختيار كما هو معلوم تثير كثيرا من الاشكالات لاحصر لها :اختيار اهل الحل والعقد ام ختيار عموم المسلمين ؟ وهل يصح الاختيار بكل اهل الحل والعقد ام يكتفى بالبعض منهم ؟ وهل يصح الاختيار وتنعقد البيعة بكل المسلمين دون استثناء ام بحاضرة الخلافة فقط ؟ وماقدر (البعض) الذي تكون مبايعته مبررا لانعقاد الامامة ؟ وهنا نتسائل عن معيار تشخيص اهل الحل والعقد وما هو عددهم وكذلك ماهي مميزات وصفات المرشح للخلافة ..الخ وهل تنعقد باختيار فرد كما و حال انعقادها لعمر بنص ابي بكر عليه وتعينه في كتاب مختوم ؟ او تجويز انعقادها بالشورى كما فعل عمر وجعلها في ستة لاختيار واحدا منهم
وسطية القهر وحد السيف
او تنعقد بالغلبة وحد السيف كم تبررها مدرسة السقيفة او كما يعبر عنها الغزالي بانعقاد الامامة (بالشوكة) اي بالقوة والقهر وهذا هو نفس المسلك الاشعري(الوسطي) التي سرى فيها اختيار الخليفة باليات المبايعة الصورية لمن يختاره الخليفة القائم بالامر والذي يمتلك (الشوكة) وهكذا كانت تقاليد تنصيب الائمة في الدولتين الاموية والعباسية وراثة انظر نفس المصدر السابق ص176-177 وهي تقاليد لاتختلف كثيرا عن وراثة الامامة في البيت النبوي عند الشيعة
لذلك حرص الامام الغزالي على ربط (الاختيار) بالمشيئة الالهية المطلقة ولو كانت من طرف شخص واحد مادام يمتلك (الشوكة) والقهر الذي يؤدي الى اخظاع الناس وطاعتهم وهذا الربط في اتساقه التام مع نهج التفكير الاشعري الذي يرتهن كلا من الانسان والطبيعة في اسر(جبرية) صارمة يهدفالى تأبيد الواقع التاريخي والسياسي عن طريق ارتهانه داخل سياج (الجبرية)
وفي هذا الصدد يقول :(اكتفينا بشخص واحد يبايع وحكمنا بانعقاد الامامة عند بيعته لاتفرده في عينه ولكن لكون النفوس المحمولة على متابعته ومبايعته من أذعن هو لطاعته وكان في متابعته قيام قوة شوكته ..على ماتقتضيهالحال في كل عصر ليس امرا اختياريا يتوصل اليه بالحيلة البشرية بل هو رزق إلهي يؤتيه الله من يشاء فكأنا في الظاهر رددنا تعيين الامام الى اختيار شخص واحد وفي الحقيقة رددناها الى اختيار الله تعالى ونصبه الا انه قد يظهر اختيار الله عقيب متابعة شخص واحد او اشخاص وانما المصحح لعقد الامامة انصراف قلوب الخلق لطاعته والانقياد له في امره ونهيه وهذه نعكمة وهدية من الله ) المرجع السابق ص178 وهكذا ينتهي حجة الاسلام الامام الغزالي الى جعل خلافة المستظهر بالله العباسي اختيارا إلهيا ما دامت خلافته انعقد عليها الاجماع ولو برجل واحد وأمال الله القلوب لكنه يفعل ذلك القى بالتاريخ كله في مجال (الاختيار الالهيي) لذي لايظهر للناس الا بمتابعتهم لشخص واحد او اشخاص وبذلك اسقط الغزالي قوانين الجتماع البشري (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض) وذلك بعد ان كان قد تم اسقاط فاعلية الفعل الانساني واهدر قوانين الطبيعة ..كل هذا من اجل إسقاط حجية (النص) على الامام وعصمته ووراثته للعلم النبوي دون حاجة الى تعلم على الرغم من اقراره بها وجعلها الى ولي نعمته المستظهر العباسي ومبالغته بها وجعله فوق إمام الشيعة في كل تلك الجوانب فتلاحظ مدى اسفاف وتناقض افكار مدرسة السقيفة ومقدرتهم على التلون والانسلاخ عن صميم العقيدة في طمس النصوص تحوير الحقائق والدفاع عن الباطل وتأويله ولبسه بلبوس الدين وتصنعهم البالغ في ركاب العبودية وبيع الدين بالثمن الاوكس وتحريف النصوص لقاء فتات موائد السلطان وهذا على مستوى حجتهم (حجة الاسلام ) الغزالي فما بالك بجموع سواد معمميهم الجهلة
استجداء المرتزقة وابتذال المهرجين
يقول الغزالي من غير حياء ولاتورع :(ولما نسبونا –يعني الشيعة- الى أننا ننصب الامام بشهوتنا واختيارنا ونقموا ذلك منا كشفنا لهم بالاخرة أنا لسنا نقدم إلا من قدمه الله فإن الامامة عندنا تنعقد بالشةكة-الغلبة- والشوكة تقوم بالمبايعة والمبايعة لاتحصل الابصرف الله تعالى القلوب قهرا الى الطاعة والموالاة بالامامة العباسية عموما وعن المشايعة للدولة المستظهرية –يدها الله بالدوام ) تلاحظ لغة خطابه لاتبتعد كثيرا عن ملق وتبذل وسائل الاعلام العربي للانظمة والحكام من الثناء الرخيص السخيف الذي اصبح سمة كتاب الافتتاحيات في الصحف والمجلات وغيرها من رفع شأن الطغاة وجعلهم فوق مستوى البشر كما هو شأن مرجعياتهم الدينية الاهثة وراء الحكام والامراء والافتاء حسب رغباتهم حرصا على مناصبهم ومنافعهم اسوة بكبارهم الذين علموهم السحر
التناقض ودوامة الصراع
هل يمكن لنا بعد هذا البحث التحليلي المستفيض ان نقول ان وسطية الغزالي الاشعرية قد انتهت الى نوع من محاولة الجمع بين (النقيضين) ؟ وهل نستطيع بهذا الاستنتاج ان نفسر حقيقة الازمة المعبر عنها (الحبسة) العقلية والروحية التي مر بها الغزالي طبعا نستطيع ان نجيب بالايجاب في ذلك حسب ما اكده محمد عابد الجابري في كتابه تكوين العقل العربي ص280 الذي يرجع أزمة الغزالي:(إلى كونه وجد نفسه مضطرا لابطال اراء يميل إليها او يعتقد صحة في بعض جوانبه إن تحايله للخروج من بغداد للتحرر من الارتباط بالدولة وأوامر الخليفة وضرورة الخدمة بالتظاهر بالسفر الى مكة للحج بينما كان يعتزم المقام في الشام إن تحايله ذلك لايفسره إلا شيء واحد وهو ان أزمته كانت في الحقيقة ازمة الاختيار بين البقاء مرتبطا (بالدولة ) وبين (التحرر) منها) اي الخيار بين العبودية وبيع الدين وما يشعر به من وخز الضمير لتحريفه الكلم عن مواضعه للخروج من بودقته او سجنه المظلم الرهيب الذي اودع نفسه بارادته بين اطابقه وهو العالم الموسوعي الحاذق من العلوم والمتمكن من ناصية البلاغة والبيان يطوعهما حسب مايريد حيث كان الصراع السجالي الذي تبناه حجة الاسلام مع الخلافة الفاطمية صراع (سياسيا) اكثر منه فكريا (معرفيا) وهو ما نلاحظه بوضوح في كتابه (فضائح الباطنية) حيث تم تتويج الخليفة االعباسي المستظهر بالله اماما اختاره الله يقف إزاء الامام الفاطمي الذي يستند الى (النص) في مشروعية إمامته ..
هوس التكفير والذبح
وان للامام بو حامد الغزالي اراء تكفيرية مرعبة اخرى امتدت خريطتها لتشمل كافة الناس والامم والاديان وتستبيح دمائهم جميعا في تناقض تام وصريح مع كل النصوص المقدسة مما يدل على لوثة في عقيدته واتهام بدينه وعنف جبلة عليه نفسه وسادية دموية متأصلة في ذاته كما جاء في كتابه (فيصل التفرقة بين الاسلام والزندقة) وكان لأفكارالغزالي السلفية الظلامية في محاربة الفكر وقمع المعرفة ومناهظة العلوم والفلسفة كما جاء في كتابه (تهافت الفلاسفة) الذي طعن بالعلوم ووصمها بالمروق والظلال وكان سببا في ان يرد عليه امام التنوير والعقلانية (ابن رشد ) في (تهافت التهافت ) ويدحض تخرصاته ومزاعمه التي تؤكد على الانغلاق ومجانبة الفكر لان الجمود والتحجر لايصمد امام منطق العقل والدليل وكان من ظلامية ذلك الفكر ان ارتضع لبانها تلميذ الغزالي ابن تيمية(المتوفى عام 1328م) الذي إليه يعود جميع ما نحن عليه من جهل وإرهاب وفكر ظلامي تكفيري لا يعترف بالآخر بل يطالب بالجهاد الدموي لمسحه من على الأرض.
وخرج من ابن تيمية وفكره محمد بن عبد الوهاب(1703- 1792) صاحب الفكر الوهابي فقد وجد عبد الوهاب في فكر ابن تيمية ملاذا لتطبيق أفكاره الإرهابية و سندا لدعوته و أفكاره و تبنى آراءه المتشددة حيال الصوفية و إتباع الطوائف الإسلامية الأخرى و رفع السيف في وجه المخالفين و عد الخارجين عن نهج التوحيد الذي يدعو إليه كفار يحل قتالهم و قتلهم كما وجد أسامة بن لادن في أصولية وسلفية ابن تيمية منهجا إسلاميا صرفا و دعوة شرعية مستندة إلى الكتاب و السنة فأحيا مشروعه الجهادي و تمسك باجتهاداته في وجوب مقارعة الكفار سواء لطوائف المسلمين او من الصليبيين و اليهود و قتالهم و إعلان حالة الجهاد العامة المفروضة على اتباعهم في كل بقاع الأرض. حتى غدا ابن تيمية الاسم رقم واحد في أجندة الفكر السلفي التكفيري البدوي في الاغارة وشن الحرب في تزوير وخلط بين المفاهيم الذي عد إرهاب الكفار وعملائهم وأعوانهم عملا مستحبا يتقرب به إلى الله و يستعجل به طريق الجنة في حين خلص به ووجهه الى نحور المسلمين .ولايسعني في هذا السياق الا ان نشير الى (القرضاوي)المتقمص للدين والمتلفع بلبوس الاحبار في تحريف الكلم عن مواضعه وهويزبد ويرعد ويصول ويجول ويتعمد ببث السموم وزرع الشقاق واثارة الفتنة المذهبية في العراق والتأليب على اشيعة من دون تقوى ولا ذمام قد اعمته العصبية وبريق الذهب ولصف الدولار
كما وجد بعض المفكرين السلفيين أمثال محمد عمارة ملاذا في أفكار الغزالي وابن تيمية. هذه هي ذهنية الدكتور محمد عمارة ذهنية سلفية لا تعرف الآخر وإن عرفته أو أدركته لا تعترف به وإنما تحاول أن تقلل من شأنه تارة و أن تتطاول على معتقداته تارة أخرىوكان كتابه (التكفير بين الشيعة والوهابية والصوفية) المتشنج حيال الشيعة في سوقه تخرصات بالية ومن تحريض طرف على طرف من دون موضوعية او تمحيص وكل مستنده على روايات واقوال طرف دون الاستماع الى الاخر في تغليب للعصبية الجاهلية على منطق العقل والدليل ومجانبة منهج الهدى القراني وقد استمد جل افكاره واراءه من كتاب (فيصل التفرقة بين الاسلام والزندقة ) لشيخه الغزالي حيث سعوا لاالغاء العقل والتحجير عليه مستطاعوا الى ذلك سبيلا وهذا الذي حدابالامام محمد عبده في دعوته الاصلاحية الى التجديد والاستناره واعمال العقل وما جناه ادعياء العلم على الامة من طامات وتقهقر مؤكدا :(ابدا داعوا الى ان العقل يجب ان يحكم كما يحكم الدين فالدين عرف بالعقل ولابد من اجتهاد يعتمد على الدين وعلى العقل معا حتى يستطيع المسلمون إن يواجهوا الاوضاع الجديده في المدنيه الحديثه مقتبسين منها ما يفيد وينفع واذا كان المسلمون لا يستطيعون ان يعيشوا في عزله فلابد ن يتسلحوا بما يتسح به غيرهم واكبر سلاح في الدنياهو العلم )الاخبار27 مقال الشيخ حسن الباقوري هذا الرجل لماذا يظل هدفا للمهاجمين ؟وكان المنطلق الاساسي لمحمد عبده هو تصميمه على( إن الاسلام لم يتعارض ولا يمكن إن يتعارضمع العلم فالعلم مثل العقيدة يكشف للناس اسرارالطبيعة ) khadduri-ibid-p.63. واكد الامام عبده بضرورة البحث العلمي وتقدم نظم التعليم والاستفاده من الوسائل العصريه والتكنلوجيا المتطوره ..فهو يخطو خطوه جديده شائكه لكنها حاسمه فهو يدعوا الى تحديث الفكر الاسلامي فقد كان يرى ان الاسلام لا يمكن ان يرسخ اقدامه عبر الازمان اذا ما استمر معتمدا على التقليد وكم هاجم محمد عبده دعاةالسلفيه والتقليد و اكد (انه بدون استخدام العقل سوف يتعذر على المسلمين احراز أي تقدم او تطور ) khadduri-ibid-p.61.
واخيرا كانت وسطية الغزالي كما رأينا قد أفضت الى تبرير السياسي بالفكري والنصي العقائدي بالرأي وجعلت المعرفي تابعا للسياسي والنصي منقادا للتأويل ودائر في فلكه ووصل به الامر حدا غريبا من الخروج عن النصوص جملة وتفصيلا وايصاد ابواب المعرفة والتحجر على التقليد ومعارضة الاجتهاد والتجديد واباحت الدماء بشكل مستهجن ومن غير رادع من دين اووازع من ضمير وحدث ذلك كله في سياق انهيار اجتماعي وسياسي ومعرفي ادى الى تقهقر ونكوص العقل الاسلامي من خلال تحصنه وراء متاريس (السلفية الحنبلية) التي ادت الى انهيار ماتبقى من لبنات الفكر وظهور طامات فتاوى بدع جاهلية واساطير تلمودية مصحوبا بخروج عفريت التطرف والتكفير الذي لازالت الامة تصطلم باتون لهيبها ..!!!
هلال آل فخرالدين
https://telegram.me/buratha