فجأة وجد العراقيون أنفسهم أمام خطر طوفان يهدد حياتهم وأراضيهم بفعل انهيار «متوقع» لسد الموصل (٥٠ كيلو متراً شمال مركز محافظة نينوى)، وأن نحو مليوني شخص مهددون بالموت، ومناطق حوض دجلة ستمحوها المياه.
لكن قصة السد وانهياره تحولت إلى لغز، لم يبق في إطار محلي بل دخلت فيه أطراف دولية كإيطاليا والولايات المتحدة، في حين تتضارب المعلومات في شأن حقيقة وضع السد وفيما إذا ستغرق البلاد بفيضان يذهب بالعراق، كما يقول ضباط في قوات التحالف التي تحارب "داعش" الارهابي.
هذه ليست المرة الأولى التي تطفو قصة السد إلى سطح الأحداث، فقبل نحو عامين قال خبراء في السد العراقي إنه يعاني من «عيوب هيكلية»، وأن الحكومة تعالجها بحّقن كونكريتيه لبقائه متماسكاً، ولم يقل أحدٌ حينها أن السد سينهار.
وإلى جانب التضارب الصارخ في الأنباء والمعلومات، وطغيان أخبار «التخويف» من غرق البلاد، ثمة من يؤكد أن السد «ليس بخير»، لكنه لن ينهار. وهذا تحديداً فتح المجال أمام حديث واسع عن فوائد وصفقات وراء حالة السد، الذي يعاني أصلاً من أخطاء تأسيسية.
حالة السد منذ تأسيسه
تم بناء السد عام 1984، ومنذ بنائه كان يعاني من مشكلات فنية في بنيته، ما دعا فريق الأعمال الهندسي التابع للجيش الأميركي إلى أن يعتبره «من أخطر السدود في العالم».
وأنشىء السد على تربة قابلة للذوبان وتحتاج بصورة مستمرة إلى التدعيم من اجل تعزيزه ومنع انهياره الذي قد يدفع المياه التي يبلغ ارتفاعها عشرين متراً باتجاه مدينة الموصل التي تضم نحو 1.7 مليون نسمة.
ويؤمّن السد نحو 1010 ميغا واط من الكهرباء، وفق مسؤول عراقي في لجنة السدود.
ووفق دراسة أجراها مفتشو الولايات المتحدة عام 2007، قُدِّر معدل إنتاج السد بنحو 750 ميغاواط قيل أنها تكفي لتغطية حاجة 675 ألف منزل.
ويخزّن السد كميّات من المياه تبلغ 12 مليار متر مكعب لأغراض الشرب والزراعة، لكل مناطق محافظة نينوى، ويشكل جزءاً من نظام التحكم الإقليمي بالفيضانات.
ويعتبر سد الموصل رابع اكبر سد في الشرق الأوسط، وفق دراسة استثمارية قدمت إلى منظمة التعاون والتنمية عام 2010. ويبلغ طوله 3.4 كلم فيما يبلغ ارتفاعه 113 متراً، وفقاً لتقرير مكتب المفتش العام الأميركي للإعمار. وتطلّب إنشاؤه نحو 37.7 مليون متر مكعب من المواد معظمها من الخرسانة والتربة.
إن أعلى منسوب تشغيلي للسد يبلغ 330 متراً فوق مستوى سطح البحر، لكن الخبراء العراقيين يقولون إنه من المفضّل أن لا يتجاوز المنسوب 319 متراً، وهم يحافظون الآن على مستوى يصل إلى 307 أمتار، في حين تبلغ الطاقة التخزينية 11 بليوناً، وحتى ساعة إعداد هذا التحقيق فإن السد يخزن 4 بلايين متر مكعب.
وتكشف ورقة قدمتها منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن بنية السد ليست مستقرة لأنه شيّد على الجبس والحجر الجيري الذي يضعف عند تعرضه للماء ويترك تجاويف في الجزء السفلي.
ويتوجب ملء هذه التجاويف باستمرار بمادة الجص، بكميات قدرت في 2007 بمئتي طن سنوياً.
ويقول الجيش الأميركي، وفق بيانات عسكرية سابقة، إنه منذ عام ٢٠٠٣، استثمر 30 مليون دولار من اجل مراقبة السد وصيانته من قبل الموظفين العراقيين.
وخلص تقرير منظمة التعاون والتنمية بعد ثلاثة سنوات، إلى أن «هناك حاجة إلى إعادة الإعمار الكلي للسد، ولا يمكن تجاهل ذلك».
لكن مصدراً في أمانة مجلس الوزراء، زعم أنه حصل على معلومات من خبراء عراقيين، قال إن «السد أنشئ على أرض زاحفة لا تحتمل استضافة الكونكريت، واكتشف المنفّذون الخطأ بعد إنجاز نسبة كبيرة منه، ولم يكن ممكناً التراجع».
وأضاف المصدر، الذي فضّل عدم ذكر اسمه، إن «الـــسد منذ اكتشاف التشقّقات بعد ســـقوط النظام الســابق، بات يحتاج إلى حقنه بعشرين طناً من الإسمنت يومياً».
لكن في عام ٢٠١٤، توقفت الشركة المنفذة لمشروع الحقن بعد دخول «داعش» إلى الموصل في حزيران ٢٠١٤.
وسيطر مسلحو داعش لفترة على السد، لكنهم لم يفجروه، لأن ذلك سيشكل خطراً على المدينة التي يحتلونها وصارت بالنسبة إليهم عاصمة، خصوصاً أن السد يقع في شمال المدنية.
وعندما حرّرت قوات البيشمرگة منطقة السد، حاولت الشركة استئناف العمل منتصف العام ٢٠١٥، لكن الظرف الأمني الصعب هناك منعها من إنجاز أعمالها اليومية بصورة طبيعية، قبل أن تعاود نشاطها بطاقتها الطبيعية منذ فترة وجيزة وبدأت بحقن ٢٠ طناً في اليوم.
المعلومات التي بحوزة المصدر تفيد، أخيراً، بأن «المفاجأة تكمن في أن الإسمنت المحقون صار ينفذ من ثقوب غير متوقعة، ما يعني أن الركائز الكونكريتية زحفت مع الأرض من موقعها، وهذا يعني أن الكارثة ممكنة الوقوع».
التحذيرات من «الكارثة» كانت أكثر وضوحاً على لسان مسؤولين أميركيين، حيث حذرت وزارة الخارجية الأميركية من أن السد «قد ينهار إذا لم تتوافر الموارد المطلوبة»، وبالتالي فإن المياه ستغمر مدناً كثيرة من ضمنها تكريت وسامراء والموصل. وأضافت الوزارة أن مئات الآلاف من الأشخاص ربما يصبحون من دون مأوى نتيجة انهيار السد.
وأكد الناطق باسم التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية ستيف وارن، «نحن قلقون جداً حول سد الموصل وصيانته، والسفارة الأميركية في بغداد تحدثت عن هذا الموضوع»، لكنه قال، «نجهل حالياً توقيت انهيار السد».
وتابع، «على العراقيين أن يفهموا بأن هناك خطراً محدقاً بسد الموصل».
التطوّر الملفت جاء من إيطاليا، حيث أفادت تقارير صحافية بأن شركة إيطالية أبرمت عقداً بقيمة بليوني دولار لصيانة السد، عبر حقنه وهو الأمر نفسه التي تقوم به شركة عراقية متعاقدة مع الحكومة العراقية قبل عام ٢٠١٤.
الحكومة الإيطالية تبرّعت بمبلغ بليوني دولار لحماية الشركة الإيطالية المنفذة لعمليات حقن سد الموصل.
وقال مسؤول عراقي رفض ذكر اسمه، إن الحكومة في بغداد «لم تتسلم المبلغ لأنها لاتزال تدرس جوانب الموضوع، وإمكانية الحصول على البليوني دولار لتطوير عمليات الصيانة مثلاً».
وقال نائب رئيس المجلس نور الدين قبلان، إن «مسالة سد الموصل قد أوّلت كثيراً أكبر من المشكلة الواقعة بالسد».
وأضاف: «ما يجري في السد هو عطل في إحدى بوابتي تصريف الماء وتم إحالته على الشركة الإيطالية”.
https://telegram.me/buratha