الجواب : هناك أمر لابد من تصحيحه في هذا السؤال وسياتي خلال الحديث :
أولاً : الجواب النقضي : ربما تحتاجون لمعرفة بعض الأرقام حول هذا الموضوع في تاريخ الشيعه :
@ لماذا لم يفتِ عشرة من المعصومين _ بإستثناء الحسين والمهدي _ عليهم السلام ضد طغاة زمانهم ؟؟
بل حتى الحسين عليه السلام لم يفتِ بقتال يزيد بدليل أنه جعل الناس في حل بينما الفتوى تكون على نحو الإلزام .. وإنما خرج فداه نفسي للإصلاح بما يستطيع .
@ ولماذا لم نشهد طيلة عصر الغيبة من أفتى من علمائنا ضد حكام عصوره، المتعاقبة بإستثناء الإمام الخميني قدس سره .. الذي هو الإستثناء حيث تحقق على يده نصر مبارك .
فالشهيد الصدر قدس سره كما تعلمون لم يفتِ ضد صدام وإنما خرج للإصلاح بما يستطيع ومايراه مناسباً رغم معرفته بثمن هذه التضحية .
وعليه لايوجد عالم بحسب التتبع قد أفتى ضد حاكم زمانه ... نعم هناك فتاوى صدرت للدفاع عن وجود الإسلام من الخطر منها
فتوى الآخوند الخراساني بقتال الروس
( إذا صح أنها كانت فتوى )
فتوى السيد اليزدي بقتال الإنگليز
فتوى السيد السيستاني بقتال داعش
@ وللعلم فإن ظروف الإمام الصادق عليه السلام أبان سقوط الدولة الأموية .. وظروف السيد محمد حسن الشيرازي قدس سره أبان حكم القاجاري .. وغيرها من الفترات والشخوص .. كانت أهون بكثير من فترة حكم صدام المستحكم القوي .. ومع ذلك لم نشهد لامن الإمام الصادق ولا من علمائنا أي فتوى أو تحرك ضد الحاكم بل الحركة كلها متجهه نحو اصلاح المجتمع .
@ والخلاصة أن سماحة السيد الصدر لم يفتِ ضد الطاغية لأنه كان يعلم بصعوبة ذلك .. ولكنه خرج وتحرك للإصلاح والعمل المجتمعي .. وهذا هو ديدن علمائنا .
@ أما سؤالكم لماذا لم يبين السيد السيستاني أي موقف تجاه حكم صدام .. فهو سؤال يدل أنكم لم تقرؤوا تفاصيل تلك الفترة وأنت شاب واعد فندعوك لمعرفة تفصيليه بتلك الحقبه قبل أن تبني تصورك حولها !!
١- ما المقصود ببيان الموقف ؟ هل هو القول للناس إن صدام ظالم ؟ هذا مما لايخفى على أحد .
٢- كيف نفترض أنه يعمل بنحو الإصلاح المجتمعي من دون الإصطدام بالحاكم .. ثم نريد منه بيان موقفه تجاهه وهذا كان يعني مواجهة عاجلة .. وهو مالم يقم به حتى السيد الصدر نفسه.
٣- وهل اعتقال صدام للسيد السيستاني في معتقل الرضوانية ومحاولة اعدامه لولا أن نجاه الله من السجن كما نجى الشهيد الصدر .. يحتاج بعدها للقول ماهو موقفه تجاه صدام ؟!!
٤- وهل قتله لمئات العلماء وهدمه للمدارس وقصفه للمراقد يحتاج الى بيان موقف الدين من هذه الأعمال ؟؟
ثانياً : الجواب الحلي : لقد كانت سيرة علمائنا كما عرفت في الجواب السابق _ ومنهم الشهيد الصدر _ هي تجنب المواجهة مع الطاغوت وإنما محاولة إفشال مشروعه .
ومشروع الطاغوت كان يرتكز على نقطتين :
الأولى : هدم المجتمع أخلاقياً وسلخه عن هويته .. وهو ماتصدى لمحاربته الشهيد الصدر ومن قبله السيد محمد باقر الصدر والسيد محسن الحكيم والسادة من بحر العلوم وغيرهم الكثير .. ممن قدموا أرواحهم الطاهرة ثمناً للعمل التبليغي المجتمعي .
الثاني : هدم الحوزة العلمية التي تعتبر الممول الأساسي للقادة الإلهيين .. إن هدم الحوزة لم يكن أقل خطراً من هدم المجتمع فهو أشبه بإفراغ بيت النبوة من الحجج والأوصياء .
وهو ما تصدى له السيد الخوئي والسيد السبزواري والسيد البهشتي والشيخ الغروي والبروجردي والسيد السيستاني وبقية المراجع الحاليين . بحيث حفظوا هذه الحوزة من الانهدام وضياع المرتكز الشيعي الاهم عالمياً وقبل التشيع النابض ..
نعم كان هناك خياران .… إما أن يموت هذا القلب ( بحسب قراءة العلماء لتلك الظروف وعدم إمكانية المواجهة ) أو أن يبقى ينبض ولو ضعيفاً .. حتى يستعيد عافيته وينمو بعد الفرج .
ونفس هذا الحال هو ما تكرر في كربلاء .. فالإمام الحسين عليه السلام تصدى للجانب الأول ( محاولة هدم المجتمع ) والإمام السجاد تصدى للجانب الثاني ( حفظ النوع ) وإن كان بحصول المرض بمقتضى الحكمة الإلهية .
@ نعم كان لهذا الصبر حدود معينه يقف عندها ولايمكن أن يتجاوزها .. فحفظ الحوزة من الإنهدام الظاهري لايعني أن تجامل الطاغية أو تعطيه الشرعية .. لأن هذا يعتبر أيضاً إنهدام آخر باطني للحوزة معنوياً وأخلاقياً .
ولذلك نجد موقفين للسيد الخوئي قدس سره في رفضه المطلق لهدم الحوزة ولو كلفه حياته .. فما هي قيمة الحياة بعد قتل العلماء وارتكاب المظالم من صدام .. سوى حفظ ماتبقى من هذا البيت الإلهي الحوزوي حتى تحين فرصته وينهض من جديد .. فإن لم يكن مقدراً له البقاء .. فلا أبقانا الله بعده .
الموقف الأول : رفضه للإنهدام الظاهري للحوزة ولو كلفه حياته . حيث ألح عليه طلابه بالخروج من العراق وحفظ حياته فالطاغية لاورع له وقد قتل اثنين من أولاده وهم السيد محمد تقي والسيد إبراهيم . فكان من المحتمل جدا إستهدافه للسيد الخوئي شخصياً .. وكانت جميع بلاد العالم الإسلامي تنتظر أن يحل سماحته فيها . ولكن خروجه من النجف وهو المرجع الاعلى للطائفة كان يعني اختلال مركز الثقل في هذه الحوزة .. فكان جوابه قاطعاً وواضحاً (( هل تريدون أن أخرج من النجف ليقال كانت هناك حوزة بناها الطوسي وخربها الخوئي )) ؟!!
الموقف الثاني : رفضه للإنهدام الباطني للحوزة بمجاملة ومهادنة الطاغية .. وذلك عندما أبلغه مدير الأمن العام بأن صدام مصمم على إنتزاع فتوى منه بوجوب محاربة الإمام الخميني وصواب موقف صدام .. وفي حال عدم صدور الفتوى سيعرض حياته وعائلته للخطر .. فإجتمع سماحته في تلك الليلة بمجموعة من العلماء من طلابه وتداولوا الامر بينهم فقال الإمام الخوئي : إن إعطاء الشرعية لصدام يعني نهاية الحوزة وسقوط قيمتها المعنوية .. وأنا ليس عندي ما أقوله إلا ماقاله الحسين عليه السلام ( هيهات منا الذله )
@ وقد كان للعائلات الكريمة مواقف مشرفة في تقديم الشهداء ثمناً لرفضها المشاركة في مؤتمرات دعم الطاغية صدام حتى قدموا العلويات الطاهرات ثمناً لحفظ الحق ومنها آل الحكيم وآل بحر العلوم وآل الخلخالي وآل الصدر وآل الحلو وآل الخرسان وآل الجواهري وغيرهم الكثير الكثير .
فهل بعد كل هذا نسأل ماهو موقف العلماء تجاه الطاغية صدام ؟!!
ايليا امامي
https://telegram.me/buratha