التقارير

نازحو الفلوجة: الخوف من كربلاء الشيعية ينتهي عند الحدود

1629 14:10:00 2014-01-28

على طول الطريق بين الفلوجة وقضاء عين التمر، شعرت أم محمد (38 عاماً) بهواجس وأفكار مختلفة في رحلة النزوح من الفلوجة إلى كربلاء التي تشترك بحدود إدارية مع محافظة الأنبار.

لكن كل تلك الأفكار والهواجس كانت حزينة ومخيفة، فحتى الذكريات الجميلة استعادت نفسها على مخيلة أم محمد بثوب حزين هذه المرة، وللتخلص جزئياً من أفكارها وهواجسها كانت من وقت لآخر تمسح على رأسي ابنيها محمد وحنان اللذين جلسا بجانبها في سيارة التاكسي التي أقلّت الأسرة إلى قضاء عين التمر.

بينما كان أبو محمد يجلس بجوار السائق محاولاً طرد ذات الهواجس بأحاديث عابرة مع سائق التاكسي الذي حاول استجلاء صورة ما يجري في الفلوجة بأسئلته الملحّة.

كان السؤال المحيّر المقلق يتعلق بالمستقبل القريب الذي ينتظر هذه العائلة الصغيرة المتجهة إلى كربلاء الشيعية من الفلوجة السنية، وما يثير القلق أن مشاعر الكراهية قد ازدادت في السنوات العشر الماضية وتعمقّت جذور الخلاف بين العراقيين وسالت الكثير من الدماء لأسباب طائفية.

مع بدء الأزمة الأمنية في محافظة الأنبار سيطرت جماعات مسلحة تقول الحكومة العراقية إنها تابعة لتنظيم القاعدة، بينما تقول أوساط محلية في الفلوجة والأنبار إن المسلحين من أبناء العشائر محتجين بالسلاح بسبب سياسات حكومية مجحفة بحقهم. وبين الروايتين سقط قتلى وجرحى واضطرت مئات الأسر إلى ترك الفلوجة والنزوح إلى مناطق تعتقد أنها أكثر أمناً.

لكن أم محمد ومعها العشرات من الأسر توجهوا إلى قضاء عين التمر التابع إلى كربلاء لأن الطريق إلى بغداد كانت مغلقة ولم يُسمح لهم بدخول العاصمة من ناحية الفلوجة، ولم يدركوا لحظة انطلاقهم أن الطريق إلى عين التمر سيكون أكثر أمناً أم لا.

وعلى مشارف قضاء عين التمر أجبرت النقطة العسكرية التي تأهب عناصرها بشكل استثنائي تحسباً لأي طارئ، أجبرت السيارة التي تقل أسرة أم محمد ومعها عشرات السيارات الأخرى على التوقف وإبراز المستمسكات الثبوتية الخاصة بكل أسرة.

سيطر الرعب على أم محمد، فهي تخشى أن تكون هذه السيطرة وهمية، خصوصاً وقد رأت قبل ساعات قليلة نزول مسلحين ملثمين في شوارع الفلوجة وقيام الشرطة المحلية بالتواري وترك أسلحتهم ومعداتهم ليغنمها المسلحون الغرباء.

وازدادت هواجسها بعد تجميع النازحين عند مدخل القضاء لبعض الوقت، فيما راح أفراد بلباس مدني يجمعون المعلومات الخاصة بهم ويتفحصون وجوههم للتأكد من صورهم الملصقة في هوياتهم الشخصية.

كل السيارات التي أقلّت النازحين عادت أدراجها باتجاه الفلوجة، فأصحابها من سكنة المناطق المحيطة بها، وظلت الأسر النازحة عند مدخل عين التمر ومعها حقائب أُعدت على عجل، حيث لم تتمكن من اصطحاب أشيائها الضرورية معها.

وعلى بعد عدة أمتار من السيطرة العسكرية وقف أبو خالد (47 عاماً) برفقة أسرته، فلا يدري هو الآخر كيف ستؤول الأمور بعدما اضطر إلى ترك منزله إإن كان سيعود إلى بيته وعمله أم لا؟

ومع أنه يحمد الله من وقت لآخر على تمكنه من الخروج وأسرته سالمين من الفلوجة غير أنه يفكر في ما إذا كانت الأعمال المسلحة التي وقعت ستصيب منزله بالضرر والكيفية التي سيتمكن أبناؤه من إكمال مدرستهم وإن كان رحيلهم عن الفلوجة قرارا خاطئاً وغريباً.

من ناحيته لا يرى قائممقام قضاء عين التمر رائد فضال المشهداني لجوء النازحين إلى عين التمر قراراً غريباً أو خاطئاً، وقال لـ"نقاش" لم نشعر بالاستغراب من لجوء عائلات من الفلوجة إلى قضاء عين التمر، فالعديد من الأسر النازحة تربطها علاقات قرابة مع أسر تسكن القضاء".

ويعتبر المشهداني قيام الأهالي في عين التمر بفتح أبوابهم أمام النازحين دليلاً قاطعا على قوة الأواصر التي تربط أبناء الشعب العراقي في ما بينهم.

وبعد انتهاء الإجراءات الأمنية الخاصة بالتأكد من المعلومات الشخصية للنازحين تم السماح لهم بدخول قضاء عين التمر، حيث قُدمت لهم مساعدات عينية من الأهالي والمنظمات الحكومية وغير الحكومية المتواجدة في القضاء.

وتم استقبال عائلة أبو محمد على مدى يومين من قبل أسرة شيعية في قضاء عين التمر، وشعرت أم محمد للوهلة الأولى أنها قد تواجه وأسرتها بعض المصاعب والمخاطر أيضا لأنها ما زالت خائفة من طغيان المشاعر الطائفية على مضيفيها خصوصاً وأن جهاز التلفاز الذي يجتمع حوله الجميع يبث مشاهد لقتلى وعمليات مسلحة كما يبث تصريحات لمختلف الأطراف والجهات ينطوي معظمها على الكراهية ويحرّض على العنف.

لكنها وأسرتها بدأوا يشعرون تدريجياً بأن مضيفيهم لا يختلفون عن جيرانهم في الفلوجة، خصوصاً وقد راحوا يبثونهم عبارات التطمين ويشرحون لهم أهمية أن يعيش الجميع بسلام.

للمرة الأولى شعرت أم محمد بأن الصحراء الواسعة المحيطة بقضاء عين التمر ربما تكون آمنة أكثر من أية مدينة أخرى يسيطر عليها المسلحون ويحاصرها الجيش بالدبابات.

وفي اليوم الثالث من مكوثها في قضاء عين التمر بدت أم محمد مترددة أيضا في الاستجابة للدعوة التي وجهها وفد يمثل العتبات الدينية في كربلاء لاستضافة النازحين من الفلوجة في مدينة الزائرين إلى الجنوب من كربلاء وهي مدن مخصصة لاستضافة الوفود من الزوار الأجانب وقد شيدت في السنوات القليلة الماضية وفق أحدث التصاميم وتضم خدمات ممتازة.

وبعد أن تم جمع النازحين في قاعة كبيرة، عرض عليهم وفد يمثل العتبات الدينية في كربلاء رغبة المرجعية الدينية العليا باستضافة النازحين، وراح الوفد يشرح للنازحين بحضور مسؤولين محليين من قضاء عين التمر تهيئة مدينة الزائرين لاستقبال النازحين وقد هيأت العتبات الدينية حافلات خاصة لنقلهم إلى هناك.

تقول أم محمد إنها" شعرت بالقلق للوهلة" وعللت مخاوفها بكثرة ما كانت تسمعه حول سيادة مشاعر الكراهية الطائفية في العراق. وقالت "كنت مترددة أولاً وهذا حال كثير من النازحين، لكننا لمسنا في أحاديث أعضاء الوفد الصدق والحرص على مساعدتنا، فذهبنا معهم".

وما زالت أم أحمد وأبو خالد ونحو 350 نازحا يسكنون في مدينة الزائرين بكربلاء، وتقول إنها" تلقى عناية كبيرة وتجد المكان المناسب لراحتها وراحة أولادها وقد غادرتها كل المخاوف والهواجس التي كانت تشعر بها قبل". لكنها ورغم ذلك ما زالت تنظر إلى المستقبل بترقب ولا تدري هل ستتمكن من العودة ثانية إلى منزلها وجيرانها في الفلوجة أم إن الأوضاع هناك ستتفاقم أكثر.

اشترك في قناة وكالة انباء براثا على التلجرام
https://telegram.me/buratha
اضف تعليقك
الاسم والنص والتحقق من الروبوت ضروري
الاسعار الرسمية للعملات مقابل الدينار
دينار بحريني 0
يورو 0
الجنيه المصري 0
تومان ايراني 0
دينار اردني 0
دينار كويتي 0
ليرة لبنانية 0
ريال عماني 0
ريال قطري 0
ريال سعودي 0
ليرة سورية 0
دولار امريكي 0
ريال يمني 0
التعليقات
محمود الراشدي : نبارك لكم هذا العمل الجبار اللذي طال إنتظاره بتنظيف قلب بغداد منطقة البتاويين وشارع السعدون من عصابات ...
الموضوع :
باشراف الوزير ولأول مرة منذ 2003.. اعلان النتائج الاولية لـ"صولة البتاوين" بعد انطلاقها فجرًا
الانسان : لانه الوزارة ملك ابوه، لو حكومة بيها خير كان طردوه ، لكن الحكومة ما تحب تزعل الاكراد ...
الموضوع :
رغم الأحداث الدبلوماسية الكبيرة في العراق.. وزير الخارجية متخلف عن أداء مهامه منذ وفاة زوجته
عمر بلقاضي : يا عيب يا عيبُ من ملكٍ أضحى بلا شَرَفٍ قد أسلمَ القدسَ للصُّ،هيونِ وانبَطَحا بل قامَ يَدفعُ ...
الموضوع :
قصيدة حلَّ الأجل بمناسبة وفاة القرضاوي
ابراهيم الجليحاوي : لعن الله ارهابي داعش وكل من ساندهم ووقف معهم رحم الله شهدائنا الابرار ...
الموضوع :
مشعان الجبوري يكشف عن اسماء مرتكبي مجزرة قاعدة سبايكر بينهم ابن سبعاوي
مصطفى الهادي : كان يا ماكان في قديم العصر والزمان ، وسالف الدهر والأوان، عندما نخرج لزيارة الإمام الحسين عليه ...
الموضوع :
النائب مصطفى سند يكشف عن التعاقد مع شركة امريكية ادعت انها تعمل في مجال النفط والغاز واتضح تعمل في مجال التسليح ولها تعاون مع اسرائيل
ابو صادق : واخیرا طلع راس الجامعه العربيه امبارك للجميع اذا بقت على الجامعه العربيه هواى راح تتحرر غلسطين ...
الموضوع :
أول تعليق للجامعة العربية على قرار وقف إطلاق النار في غزة
ابو صادق : سلام عليكم بلله عليكم خبروني عن منظمة الجامعه العربيه أهي غافله ام نائمه ام ميته لم نكن ...
الموضوع :
استشهاد 3 صحفيين بقصف إسرائيلى على غزة ليرتفع العدد الى 136 صحفيا منذ بدء الحرب
ابو حسنين : في الدول المتقدمه الغربيه الاباحيه والحريه الجنسيه معروفه للجميع لاكن هنالك قانون شديد بحق المتحرش والمعتدي الجنسي ...
الموضوع :
وزير التعليم يعزل عميد كلية الحاسوب جامعة البصرة من الوظيفة
حسن الخفاجي : الحفيد يقول للجد سر على درب الحسين عليه السلام ممهداً للظهور الشريف وانا سأكمل المسير على نفس ...
الموضوع :
صورة لاسد المقاومة الاسلامية سماحة السيد حسن نصر الله مع حفيده الرضيع تثير مواقع التواصل
عادل العنبكي : رضوان الله تعالى على روح عزيز العراق سماحة حجة الإسلام والمسلمين العلامة المجاهد عبد العزيز الحكيم قدس ...
الموضوع :
بالصور ... احياء الذكرى الخامسة عشرة لرحيل عزيز العراق
فيسبوك