قال سماحة السيد عمار الحكيم: أن الدستور –اليوم- بالرغم من بعض الملاحظات التي يبديها هذا أو ذاك عليه إلا أن فيه مستوى معقول جدا من التوازن، فالدستور يتحدث عن أجواء معينة وعن سياقات معينة ولكن الأداء اليومي للحكومة والوزارات تسير ضمن ضوابط وقوانين وسياقات موروثة من الأنظمة البائدة لا تنسجم ولا تتناسب بل تتقاطع في بعضها مع أسس الدستور، وهذه واحدة من الإشكاليات الأساسية التي تحتاج إلى معالجة.
جاء ذلك في المقابلة الصحفية التي أجراها مندوب صحيفة الصباح الجديد مع سماحة السيد عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي الخميس 2272010 في المكتب الخاص لسماحته ببغداد .
الى ذلك شدد سماحته على ضرورة أن تكون الحكومة المقبلة في العراق حكومة شراكة حقيقية ليس الهدف منها صرف الحضور وإنما الهدف منها رؤية موحدة وفريق عمل واحد يندفع لتحقيق الغايات، وأن تكون حكومة مطمئنة للشارع العراقي بكل اتجاهاته وأطيافه ومطمئنة للمحيط الإقليمي والعربي –أيضا- بكل اتجاهاته ومطمئنة للوضع الدولي، معتبراً سماحته المرحلة الماضية بأنها كانت مرحلة تهيئة لبناء الدولة من وضع دستور وبناء علاقات ومواجهة التحديات الأمنية وغيرها، أما ألان فستظهر أولويات جديدة فالأولوية الأولى للمرحلة المقبلة هي كيف نوفر الخدمات والعيش الكريم للمواطن ، كيف نعالج المشكلات التنموية في البلد وكيف نصلح القطاعات المختلفة، وتحسين العلاقات الإقليمية والدولية وأن يأخذ العراق دوره الطبيعي في منظومته الإقليمية عربيا وإسلاميا ودوليا ويظهر العراق من جديد بشموخ، مؤكداً أن هذه كلها تتطلب إيجاد حكومة من نمط آخر يكون التركيز فيها على الكفاءة والنزاهة والقدرة على الأداء وعلى عدم المحاباة .
وفيما يلي نص المقابلة الصحفية ....
رئيس التحرير / طرحتم "عقد الطاولة المستديرة" لحل أزمة تشكيل الحكومة لكنها واجهت رفضا من بعض الكتل والان هل هنالك إمكانية لعقدها أم إن الوقت قد نفد أمام تنفيذ هذه الفكرة؟
سماحة السيد عمار الحكيم / الوقت لم ينفد، أن نجلس كعراقيين وكقوى سياسية ونتحاور ونتشاور، الهدف الأساسي من هذه الطاولة هي توحيد الرؤية لما يراد العمل به خلال السنوات الاربع المقبلة. كان يمكن أن نختزل هذه الأربعة أشهر باليوم الأول الذي دعا الائتلاف الوطني لعقد الطاولة المستديرة بدلاً من أن ينشغل الساسة والرأي العام بالحديث عن التدافع بين الأسماء والمرشحين ومن يمكن أن يكون في هذا الموقع أو ذاك. كان يمكن أن ينشغل الساسة والرأي العام بالبرامج والخطط والأولويات. لو ركزنا على ذلك الجانب سنجد مواصفات محددة للمسؤول الذي يشغل أياً من المواقع بما ينسجم مع قدراته لتنفيذ هذا البرنامج، وحين ذاك كانت تتساقط العديد من الأسماء المرشحة لهذا الموقع أو ذاك ليس على خلفيات شخصية ولا خلفيات سياسية بل على خلفيات واقعية إذ إنهم غير ملائمين لهذا الموقع.
رئيس التحرير / كنتم تنتقدون السيد المالكي قبل الانتخابات بشدة. لماذا دخل الائتلاف الوطني في تحالف مع ائتلاف دولة القانون؟
سماحة السيد عمار الحكيم / من المعروف أن ائتلاف دولة القانون يمثل احد الركائز المهمة في المجتمع العراقي، ووجود تحفظات على بعض الأسماء الكريمة فيه لا يعني اتخاذ موقف من هذه الكتلة النيابية الكبيرة ومن يقف وراءها من جمهور عريض. فعندما نتحدث عن الشراكة الحقيقية لا يمكن أن نتجاهل هذا الجمهور، ونحن نتحدث عن الاهتمام ليس بالقوائم الصغيرة الفائزة وإنما حتى غير الفائزة، كل مواطن عراقي رأيه محترم ويجب أن يكون حاضراً في المشهد السياسي، ان الائتلافين (دولة القانون والائتلاف الوطني) بحكم العمل المشترك الذي خاضاه خلال السبع سنوات الماضية وطبيعة البيئة الجغرافية التي ينتمون لها والمكون الاجتماعي، كل هذه المسائل جعلت هذين الائتلافين قريبين من بعض النواحي وبعض الاتجاهات وان كانا مختلفين في بعض الرؤى والتقديرات. وقد بُذلت جهود معروفة للجميع من اجل جمع الائتلافين قبل الانتخابات والنزول في قائمة واحدة ولكن لم تكلل بالنجاح.
بعد الانتخابات بدأنا بسلسلة من الاتصالات والمشاورات مع جميع الأطراف أدت بالتالي إلى أن يعلن عن تحالف بين الائتلافين لكن مع تأكيد عدم إقصاء الأطراف الأخرى.
رئيس التحرير/ تقصدون "القائمة العراقية"؟
سماحة السيد عمار الحكيم / لقد تحدثنا في وقت مبكر على أن القائمة العراقية شريك أساسي، ونحن في المجلس الأعلى لا نشارك في حكومة تغيب عنها القائمة العراقية بما تمثله من مكون اجتماعي مهم وثقل في المشهد السياسي وكذلك الأمر مع التحالف الكردستاني وبقية الأطراف الأخرى. فتشكيل الحكومة يبدأ بخطوة تليها خطوات أخرى. وبذلنا جهوداً كبيرة من اجل أن نحول هذه الكتلة النيابية الكبيرة باتجاه يتمخض منها ترشيح لشخصية تحظى بالقبول داخل التحالف الوطني وداخل الساحة الوطنية وهذا ما لم نفلح به حتى هذه اللحظة.
رئيس التحرير / ما البديل إذا تمسك ائتلاف دولة القانون بمرشحهم؟
سماحة السيد عمار الحكيم / الحياة لن تتعطل وموعد تشكيل الحكومة لا يمكن أن يبقى إلا ما لا نهاية ونحن سنبقى منفتحين على كل الخيارات الممكنة التي تساعد على الإسراع في تشكيل الحكومة، ولكننا وضعنا أولويات لأنفسنا بأقل الأضرار وأوسع مساحات من المشاركة والحفاظ على التوازنات المعروفة في الساحة العراقية، ولكن لا يمكن أن نبقي الناس منتظرين والبلد معطل وإبقاء العراق في نفق مظلم بهذه الطريقة فإننا سنعتمد كل الوسائل الممكنة من خلال المشاورات التي نجريها مع الكتل والأطراف السياسية كافة.
رئيس التحرير / هل هنالك إعادة نظر برنامجية، إذا صح التعبير او تغير في أطروحات المجلس الأعلى؟
سماحة السيد عمار الحكيم / اتسم الائتلاف الوطني العراقي والمجلس الأعلى الذي هو احد القوى الفاعلة فيه بالاعتماد على الرؤية العلمية، ولعلها سابقة جيدة في المشهد السياسي العراقي أن تعكف كتلة برلمانية قبل الانتخابات وتشكل لجاناً تستضيف فيها عشرات الخبراء في شتى الاختصاصات وتقدم رؤية واضحة وليست شعارات. برنامج الائتلاف اليوم يمثل رؤية تفصيلية واضحة لما يراد له أن يتم في البلد على المستوى الزراعي والصناعي والتنموي والخدمي والسياسي والعلاقات الإقليمية والدولية وشتى المجالات التي تحتاج إليها الدولة، نحن ندير دولة ولسنا في موقع إدارة مسجد أو مشروع ثقافي كل موقع من المواقع له استحقاقات، نحن في مواقع الخدمة الدينية أمام استحقاقات معينة لكن أمام إدارة البلد تكون أمامنا استحقاقات أخرى، وإننا في المجلس الأعلى ضمن الإطار الأوسع للائتلاف الوطني نحظى باحترام كبير من كل الأطراف السياسية الكريمة التي نتواصل معها ويجدون أنفسهم قريبين من برنامج الائتلاف؛ لأنه منهجي علمي وواقعي وممكن التطبيق، ولعل واحدة من الخلفيات التي تدعونا للإصرار على الطاولة المستديرة هو أن يخصص جانب منها لتوحيد الرؤية والموقف في البرنامج الحكومي الذي نقدمه والتركيز على الأشخاص والمواقع وتشكيل الحكومة وتوزيع الأدوار هذا بمفرده لا يكفي، جربناه قبل أربع سنوات وتشكلت حكومة وحدة وطنية لكن سرعان ما بدأت الإشكاليات تتفاقم والانسحابات من أطراف مختلفة والتجاذب الذي عشناه خلال أربع سنوات يجب أن نتعلم من الماضي ونعرف صِرف توحيد الرؤية وتوزيع المواقع، اليوم لو اتفقنا على من يكون رئيس الوزراء ورئيس الجمهورية ورئيس البرلمان وكيف تتوزع الوزارات هل تنتهي مشكلة العراق؟ نبدأ بسلسلة من المشكلات من نمط آخر، فإننا إن لم نحدد كيفية معالجة الملفات الساخنة والقضايا الحساسة، مثل قضايا كركوك والمادة 140 والمناطق المتنازع عليها والعلاقة بين المركز والإقليم إلى غيرها من المشكلات، وأمامنا تحد في ما يخص الإعمار والبناء وكيف نُرشِد الإنفاق ونقلل الميزانيات التشغيلية ونوسع في الميزانيات الاستثمارية، سمعنا في بعض المؤتمرات الصحفية أن 38,500 مليار دولار هي الميزانية الاستثمارية من مجموع 280 مليار دولار ما انفق خلال السنوات الخمس الماضية، بالتالي فأن 12% من مواردنا الوطنية تذهب الى الاستثمار وتذهب 88% منها الى الميزانية التشغيلية. يعني هذا ان العراق يحتاج إلى عشرات من السنين لكي يصل إلى مستوى قريب من دول الجوار والميزانية الهائلة لا تسمح ولا ظروف العراق ولا الشعب العراقي يتقبل أن ينتظر عشرات السنين لكي يصل إلى مستويات دول الجوار مع انه الاثرى والأغنى، فنحن –اذًا- نحتاج إلى خطة وبرنامج، والمجلس الأعلى بمساعدة شركائه يمتلك هذه الرؤية ويسعى إلى التشاور مع جميع الأطراف لكي تتحول إلى رؤية وطنية لكي نوحد الاتجاه.
رئيس التحرير / مشكلة التحفظات على الترشيح لرئاسة الحكومة جرت جدلاً واسعاً وخلطاً للمواعيد والأجندات.. هل المشكلة تكمن في المرشح ذاته ام في أداء حكومته التي قيل انه سمح لها أن تأخذ ما ليس لها من حقوق دستورية؟
سماحة السيد عمار الحكيم / المشكلة ليست شخصية مع أي من السادة المرشحين، فحينما تُبدى تحفظات من أطراف وطنية واسعة على بعض الترشيحات لا تنطلق من منطلقات شخصية وإنما من منطلق الاختلاف والتحفظ على المنهج والأداء وطريقة إدارة الأمور وعلى تفسير الدستور بطريقة أحادية خلافا لما هو المتداول والمعروف لدى رجال القانون ومن يفهم هذه الأمور والشؤون بخلاف السياقات المعتمدة في العديد من البلدان الأخرى، نحن لا نجد في الدستور مفردة رئيس وزراء في أي مكان من الدستور وحيثما كان فهو رئيس مجلس الوزراء، إذًا هو ليس رئيسا للوزراء فهو رئيس للمجلس الذي يدير ويتخذ القرار فيه كل الوزراء وكل الحكومة أين هذه الرؤية من تلك، هو فرق بسيط في التعبير، لكن له مدلولات مختلفة تماما، فإن كنا نقول رئيس وزراء أو رئيس مجلس الوزراء فالمعنيان مختلفان. والصلاحيات للمجلس، اي مجلس الوزراء وليس للرئيس. والرئيس يترأس هذا المجلس.
وقد اختزلت في الحكومة التي نحن بصددها صلاحيات مجلس الوزراء في موقع رئيس الوزراء. بعض منها خولت في ظل ظروف قاهرة وصعبة. ولا شك في أن الحكومة ، إذا أردنا أن نكون منصفين حققت انجازات مهمة، ولكنها حققتها بمساعدة كل الأطراف وليس بفضل أداء طرف واحد. وواحدة من المؤاخذات التي لدينا هي ان الانتصارات التي كانت بجهد جمعي اختزلت في الرجل الواحد والحزب الواحد مما عمّق أزمة الثقة بين الأطراف السياسية العراقية. على اية حال مررنا بظروف صعبة تحققت فيها انجازات مهمة وكان فيها اخفاقات مهمة وحساسة ونحن –اليوم- معنيون أن ندرس هذه التجربة بإنصاف وبموضوعية على ان لا نبخس الناس جهدهم وأيضا لا نغالي في الايجابيات ونعد ان العراق كان كاليابان، العراق لم يكن كاليابان خلال السنوات الأربع الماضية.. نعم تحققت انجازات وكنا أمام إخفاقات كبيرة. علينا أن نشخص الايجابيات ونطورها ونعمقها ونشخص السلبيات ونحيّدها ونقلّل من أضرارها ولا يكون ذلك إلا بالعمل الجمعي، فالدولة ليست مشروعاً اقتصادياً أو مشروعاً استثمارياً لجهة محددة أو فئة من الناس. الدولة ملك للجميع ولا يمكن أن ينطلق الإنسان في إدارة دولة بعقلية إدارة حزب أو إدارة مشروع صغير أو شركة من مساهمين خاصين أو ما إلى ذلك. نحتاج إلى إيمان عميق بالشراكة الحقيقية والالتزام بها وعدم اتخاذ القرار من أطراف بمعزل عن الآخرين، وضمن هذه السياقات ستعزز الثقة وسنجعل الجميع يعمل كفريق العمل الواحد.
رئيس التحرير / يتناقل السياسيون والمواطنون رؤى متباينة عن طبيعة عمل الحكومة الراهنة.. هل الحكومة الحالية في طور حكومة تصريف الاعمال أم إن الفراغ يجعلها تبرر تصرفها كحكومة بكامل الصلاحيات؟
سماحة السيد عمار الحكيم / النظام السياسي في العراق نظام برلماني، ولذلك فالحكومة لا تنتخب من الناس بل تنتخب من البرلمان. فالبرلمان هو المؤسسة الأم، وإذا غابت المؤسسة الأم لا يمكن أن يذهب الأصل ويبقى الفرع قائماً، لذلك نحن نعتقد أن يوم 16 آذار انتهت فيه مهمة البرلمان وانتهت مهمة الحكومة وتحولت إلى حكومة تصريف أعمال؛ هذه ليست وجهة نظر المجلس الأعلى بل هي حقيقة دستورية واضحة يعرفها العالم ويتحدث بها رجال وخبراء القانون في كل مكان، وكيف يمكن لحكومة أن تكون كاملة الصلاحية في نظام برلماني مع غياب البرلمان، وهذه من أوضح الواضحات، والإصرار على الفهم الأحادي لأطراف في الحكومة بمعزل عن الجميع وممارسة ادوار من هذا النوع هذا خرق آخر لسلسلة طويلة من الخروقات الدستورية التي نشهدها مع الأسف الشديد.
رئيس التحرير / هل تعتقد أن المرحلة السابقة أعطت سلطات لرئيس الوزراء أكثر ممّا ينبغي؟
سماحة السيد عمار الحكيم / المشكلة تكمن في التمدد على صلاحيات الدستور، فالدستور يمنح الصلاحيات لمجلس الوزراء ويحدد صلاحيات محددة، فعلى سبيل المثال يأتي مستشار قانوني للسيد رئيس الوزراء قبل ثلاث سنوات ويفهم فهما خاصا به ويتخذ قراراً أن كل صلاحيات رئيس مجلس قيادة الثورة تنتقل إلى رئيس الوزراء؛ لان الموقع البديل لمجلس قيادة الثورة هو رئاسة الوزراء، قرار بسيط ولكن يترك آثاراً عميقة جدا في المشهد العراقي.
رئيس التحرير / هل جرى اتخاذ مثل هذا القرار؟
سماحة السيد عمار الحكيم / نعم، الان كل صلاحيات رئيس مجلس قيادة الثورة في زمن صدام حسين هي صلاحيات لموقع رئيس الوزراء في النظام السياسي الجديد، هكذا فهم، فيما أن مجلس قيادة الثورة هو –أساسا- موقع غير دستوري، فبدلا من أن نفكر كيف نفكك هذا الموقع ونرى هذه الصلاحيات التي أعطيت إليه هي بالطريقة الصحيحة لأي من مؤسسات الدولة العراقية وقد تتوزع هذه الصلاحيات لكنها منحت دفعة واحدة إلى موقع رئيس الوزراء، فنحن في الدستور نتحدث عن نظام برلماني وعن توزيع معين للصلاحيات فيه الكثير من التوازن، واطلع المشرعون في حينها على الكثير من التجارب المتطورة في العالم، والدستور –اليوم- بالرغم من بعض الملاحظات التي يبديها هذا أو ذاك عليه إلا أن فيه مستوى معقول جدا من التوازن، فالدستور يتحدث عن أجواء معينة وعن سياقات معينة ولكن الأداء اليومي للحكومة والوزارات تسير ضمن ضوابط وقوانين وسياقات موروثة من الأنظمة البائدة لا تنسجم ولا تتناسب بل تتقاطع في بعضها مع أسس الدستور، وهذه واحدة من الإشكاليات الأساسية التي تحتاج إلى معالجة.
رئيس التحرير / هل ما تزال المادة 140 أساسا صالحا لحل مشكلة كركوك والمناطق المتنازع عليها، أم إننا نحتاج إلى بدائل أكثر مناسبة للوضع الحالي؟
سماحة السيد عمار الحكيم / نعتقد أن الدستور هو المرجعية القانونية لهذا الشعب. وحصل على شيء من التوازن في النظرة إلى شتى الملفات في الشؤون العراقية، ففي مكان ما ركز على حق العرب وفي مكان آخر على حق الأكراد أو التركمان.. الخ. فلا يمكن أن نقبل ببعض ونترك بعضاً. او أن نؤمن ببعض ونكفر ببعض. الدستور هو سلّة متكاملة علينا أن نؤمن به في كل مواده وفقراته. ومثار الاستغراب حينما يرى الإنسان بعض السياسيين يتشبثون بالدستور في مادة لصالحهم ويتنكرون للدستور في مادة أخرى تكون لصالح غيرهم أو لهم وجهة نظر أخرى. فالدستور هو الذي يحكم في الاجتهادات المختلفة التي يحملها كل منا وهو ليس وحيا منزلا يمكن أن يعدل، ولكن ما دام هذا الدستور ساري المفعول فعلينا احترامه ولا سيما انه دستور صوت لصالحه 80% من الناخبين ولذلك يجب أن تحترم إرادة الشعب العراقي لهذا الدستور بكل مواده وكل تفاصيله.
أما ما يرتبط بطبيعة إدارة الملفات الساخنة في البلاد فنحن لم نكن مع فكرة تجميد البحث في هذه الأمور كما تبناها البعض الآخر، فالبعض يقول نجمد هذه المشكلات ونبحثها في وقت آخر ولكن أنا اعتقد أن النظر بهذه الملفات كلما تم بوقت أسرع لامكن معالجته بشكل أفضل.
رئيس التحرير / على خلفية اقتراب استكمال انسحاب القوات الأجنبية من البلاد كيف تقيمون موقف العراق مع دول الجوار؟
سماحة السيد عمار الحكيم / لا شك أن في منظومة العلاقات الإقليمية في العالم حالة من الأخذ والعطاء، فالدول المجاورة للعراق لها مصالح في العراق، والعراق له مصالح مع هذه الدول، ولذلك هنالك حالة من التعاطي قائمة في كل مكان. ولكن ما يميز العراق من غيره هو الساحة السياسية الهشة التي نعيشها أو المشروع الوليد والإشكاليات أو التقاطعات التي نشهدها في المشهد العراقي التي قد تعطي انطباعاً لعدد من دول المنطقة في ان بإمكانها أن تمارس ادواراً اكبر من الأدوار المتعارف عليها في طبيعة العلاقات في المنظومات الإقليمية أيا كانت في العالم، ولذا لا بد أن نكون واضحين، ونقول: إن التأثير الإقليمي في المشهد السياسي العراقي اكبر مما هو في مواقع أخرى، وهذا ما يجعلنا حريصين دائما على توحيد جبهتنا الوطنية الداخلية، فالعراقيون كلما كانوا موحدين على رؤية واضحة موحدة محددة استطاعوا أن يقنعوا دول الجوار برؤيتهم وان يقللوا من التدخلات السلبية لدول المنطقة في المشهد السياسي العراقي، وحدتنا وتماسكنا وموقفنا الواحد هو الذي يسهل هذه المهمة، وكلما اختلفنا كانت فرصة اكبر وثغرة واسعة لتدخلات إقليمية من هذا النوع، نحن رحبنا بالمشاورات والاتصالات مع جميع دول المنطقة نسمعهم برؤيتنا ونشعرهم بأنهم –أيضا- مشتركون ومساهمون بهذا النظام السياسي الجديد ليس مارقا عن المنظومة الإقليمية وليس بالضد من الواقع الإقليمي وليس متجاهلا للمصالح المتبادلة بين العراق ودول المنطقة، مثل هذا الاستماع مهم والاستماع إلى مشورتهم والى خبرتهم، ولكن يجب أن يبقى القرار عراقيا أولا وأخيرا، وان لا يتأثر بمحددات أو ضغوط بعيدا عن المصلحة الوطنية العراقية.
رئيس التحرير / هل تعتقدون أن تعثر تشكيل الحكومة من شأنه أن يؤثر في موعد الانسحاب الأميركي؟
سماحة السيد عمار الحكيم / القلق قائم للنخب السياسية وللمواطن العراقي وللحريصين ولأصدقاء العراق في المنطقة والعالم، كل العالم الذي نظر باعتزاز لتجربة ديمقراطية وليدة بظروف التجربة العراقية اليوم يقلق حينما ينظر تأخر تشكيل الحكومة كل هذه الأشهر الطويلة، ولكن ما سمعناه من المسؤولين في الولايات المتحدة من أن الانسحاب سيستمر ضمن الجداول الزمنية المقررة له ونتمنى أن نتوصل إلى نتيجة سريعة لحل هذه الأزمة.
رئيس التحرير / ما الذي يتمناه السيد عمار الحكيم من الحكومة المقبلة؟
سماحة السيد عمار الحكيم / أتمنى أن تكون حكومة شراكة حقيقية ليس الهدف منها صرف الحضور وإنما الهدف منها رؤية موحدة وفريق عمل واحد يندفع لتحقيق الغايات، أن تكون حكومة مطمئنة للشارع العراقي بكل اتجاهاته وأطيافه ومطمئنة للمحيط الإقليمي والعربي –أيضا- بكل اتجاهاته ومطمئنة للوضع الدولي، المرحلة الماضية كانت مرحلة تهيئة لبناء الدولة من وضع دستور وبناء علاقات ومواجهة التحديات الأمنية وغيرها، أما ألان فستظهر أولويات جديدة فالأولوية الأولى للمرحلة المقبلة هي كيف نوفر خدمات كيف نوفر العيش الكريم للمواطن كيف نعالج المشكلات التنموية في البلد وكيف نصلح القطاعات المختلفة، إذًا بناء وإعمار وازدهار وتحسين العلاقات الإقليمية والدولية وأن يأخذ العراق دوره الطبيعي في منظومته الإقليمية عربيا وإسلاميا ودوليا ويظهر العراق من جديد بشموخ، وهذه كلها تتطلب إيجاد حكومة من نمط آخر يكون التركيز فيها على الكفاءة والنزاهة والقدرة على الأداء وعلى عدم المحاباة وان يجتمع جميع الفرقاء في حكومة الشراكة الوطنية وان لا يغطى على المسيء حتى لو كان ينتمي إلى هذه الطرف أو ذاك ولا تعد محاسبة أي من الوزراء هي محاسبة للكيان السياسي الذي رشحه أو الذي ينتمي إليه.
رئيس التحرير / كيف تحللون أسباب التراجع في شعبية المجلس التي ترجمها تدني حصته النيابية عبر تجربة مجالس المحافظات والانتخابات العامة؟ وهل وضعتم في المجلس برنامجا لمعالجة الخلل والعودة إلى الساحة بقوة؟
سماحة السيد عمار الحكيم / اعتقد انه من الصعب اختزال المشكلة في عنصر واحد وفي منشأ واحد فجزء منه يرتبط بالأداء السياسي العام والمجلس الأعلى كان ضمن إطار الائتلاف العراقي الموحد وبمقتضى زعامة سماحة المرحوم السيد عبد العزيز الحكيم للائتلاف كان دائما يمسك العصا من الوسط حتى يمسك هذه الأطراف ويقرب وجهات النظر في ما بينها، وهناك تعدد واضح وملموس في هذه الأطراف والقوى والرؤى والتصورات مما جعل أمام الشارع العراقي تبدو أن المبادرات تصدر من غيره فيما انه هو يتحمل ومن ورائه المجلس الاعلى السلبيات وحالما حصلت ايجابيات ظهر أناس واختزلوها في أنفسهم وقالوا نحن حققنا كذا وكذا وكذا، وكلما ظهرت مشكلات قيل هذه حكومة الائتلاف العراقي الموحد فتحملنا السلبيات فيما ذهبت الايجابيات صافية إلى غيرنا، هذه الأمور بالتدريج أدت إلى حدوث مضاعفات، الحساسيات والظروف الصعبة التي مرت في صراعات ومشكلات بين العراقيين، أيضا حمل المجلس الأعلى ما يمثله من رمزية لمكون اجتماعي معين حمل أكثر مما يتحمل واتهم بكثير من القضايا مما جعله مستهدفا من مساحات واسعة من وسائل الإعلام والمحرضين فاحتجنا إلى وقت حتى تنكشف الأمور وتتبين الحقيقة للجميع ويظهر المجلس الأعلى لم يكن بالشكل الذي كان ينظر إليه أو يقيم فيه ويحمل مسؤولية أخطاء وإشكاليات كبرى حصلت في الساحة العراقية، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى المجلس بصفته كياناً سياسياً كبيراً وعريقاً أيضا يصاب بالرتابة ويصاب بأمراض تصاب بها القوى السياسية الكبيرة تاريخيا أحيانا بالشيخوخة فيجب أن يجدد نفسه، انشغال المجلس كمحور أساسي في المشهد السياسي العراقي من صوغ الدستور إلى مواجهة التحديات ولملمة الساحة اشغل المجلس عن نفسه فانشغل بالشأن العام عن اهتمامه بشؤونه الداخلية والتنظيمية وتشكيلاته وأوضاعه، هذه –أيضا- مشكلة داخلية عشناها في السنوات الماضية من الترهل والرتابة وبعض الأخطاء وبعض الوجوه غير المحببة لدى الناس وبعض السلوكيات غير المنضبطة هنا أو هناك إلى غير ذالك من الأسباب.
نحن –اليوم- وبعد ان تبوأنا هذه المسؤولية، مسؤولية الخدمة لدينا عمل كبير وخطط وجهد في شتى الاتجاهات على مستوى الخطاب السياسي والعلاقات مع الأطراف الوطنية والإقليمية والدولية، هنالك مشاريع ملحوظة تتابع من قبل المراقبين وعلى المستوى الداخلي التنظيمي، أيضا هنالك سلسلة طويلة من الإجراءات الإصلاحية التي ستظهر نتائجها وثمارها بإذن الله خلال السنة المقبلة وسيشاهد المراقبون وأبناء شعبنا الكثير من التطور في المنظومة وفي مؤسسات المجلس الاعلى كما أتمنى، لذلك نحن اعترفنا بوجود تراجع ووقفنا بقوة وقلنا من الشجاعة الاعتراف بأخطاء واعترفنا بهذه الأخطاء وليس معيبا بكيان سياسي بحجم المجلس الاعلى أن يقع بأخطاء ولكن المعيب هو أن نصِر على الخطأ، وفي إجراءات بسيطة وعلى مدار اقل من سنة وفي ظل تعقيدات وظروف صعبة وفقدنا للقائد الكبير سماحة السيد الحكيم بالرغم من ذلك المجلس الاعلى طوّر أصواته وجمهوره من خمسمائة وأربعين ألفاً في مجالس المحافظات الى ما يفوق السبعمائة ألف في الانتخابات العامة، فما أن أي كيان سياسي يفقد يمكن أن يصاب بتراجع وبخيبة أمل، نحن بالرغم من هذه الظروف حققنا تقدماً ونتمنى في ظل الإجراءات التي نتخذها أن نكون بالحلة التي يتمناها المواطن العراقي وان نحظى بشرف الثقة المتزايدة لأبناء شعبنا.
رئيس التحرير / أين وصلت اطروحة انشاء اقليم الجنوب؟ وهل هنالك امكانية للعودة اليها؟
سماحة السيد عمار الحكيم / أنا قلت إن الدستور حقيقة ولا بد من احترامها في كل معاييرها والدستور يعطي الحق للمواطن العراقي والمحافظات العراقية أن تشكل إقليما إذا ما رأت ضرورة إلى ذلك فهذه قضية موكولة إلى الناس، والمجلس الأعلى نتيجة الحرص الذي كان لديه وهو القائم دائما في تبني المشروع السياسي الجديد في العراق وفي حينها كانت الفيدرالية فكرة جديدة تبنى المجلس أن يشرحها ويوضحها للناس ولكن اليوم أصبحت واضحة وهي متروكة للشعب متى يتخذ من هذا النوع او لا يتخذ وحجم الإقليم الذي يختاره ونحن معهم في ما يختارون.
رئيس التحرير / ما موقف المجلس الاعلى من التجاوزات التي تحدث على الحدود من قبل الجانبين الايراني والتركي؟
سماحة السيد عمار الحكيم / لدينا علاقات مهمة وطيبة مع الجمهورية الإسلامية في إيران ومع جمهورية تركيا الشقيقة ونوظف هذه العلاقات وهذا التأثير للبحث في الملفات العالقة والخطوات التي تتخذ من هذه البلدان في تجاه العراق وفي شتى المجالات بما فيها المشكلة الحدودية والمشكلة الأمنية، فكل القوى السياسية والقيادات العراقية والحكومة تعترف بان هنالك مجاميع مسلحة تسىء إلى هذه البلدان متخذة من مناطق وعرة من جبال في داخل الحدود مقرات لها وأماكن، والحكومة العراقية الان تبذل قصارى جهدها لتوفير الأمن داخل المدن الكبيرة، فكيف لها أن ترسل جيوشها أو قواتها لمطاردة هذه المجموعات في هذه المناطق الوعرة ونحن نعلم أن هذه الدول وبالرغم من منظوماتها العسكرية والأمنية الفاعلة والقوية لم تستطع أن تسيطر على هذه المجاميع داخل الحدود التركية والإيرانية بالكامل فكيف تتوقع من العراق أن يستطيع ذلك، نعم هذه الدول تطلب من الدولة العراقية القضاء على هذه المجاميع المسلحة لكن الإمكانات العراقية لا تستطيع أن تسيطر سيطرة كاملة على هذه المجاميع مما يفتح المجال أحيانا لهذه الدول أن تدخل وتحل هذه المشكلات.
ولكن من ناحية أخرى السيادة العراقية والدفاع عن كل شبر من الأراضي العراقية وعدم انتهاك هذه السيادة هي الهاجس الكبير الماثل أمام كل العراقيين كجمهور وحكومة ونخب ومعنيين والمزاوجة بين هاتين الحقيقتين هي التي تحدد السياسة في التعامل مع هذا الأمر الطارئ.
https://telegram.me/buratha

