رئيس الجمهورية في رسالة للشعب الأمريكي: إننا الآن ننتقل بالعراق من بلد يحكمه الخوف و الاضطهاد و الدكتاتورية إلى بلد تحكمه الديمقراطية و تترسخ فيه قيم المساواة و التسامح و حقوق الإنسان و سلطة القانون
نشرت مجموعة صحف ماكلاتشي الأمريكية رسالة وجهها الرئيس طالباني الى الشعب الأمريكي، بتاريخ 19-9-2006. فيما يلي نص الرسالة مترجما عن اللغة الانكليزية، و للاطلاع على نص الرسالة باللغة الانكليزية يمكن زيارة موقع مجموعة صحف ماكلاتشي على الوصلة التالية:http://www.realcities.com/mld/krwashington/15549406.htm"أيها الأمريكيون الأعزاءهذه هي المرة الثانية التي ازور فيها الولايات المتحدة الأمريكية، و قد جئت ممثلا للعراق الديمقراطي الحر، و أشعر انه من واجبي أن أطلعكم على آخر التطورات التي طرأت في العراق خلال العام الماضي و التحديات التي واجهناها.
بداية، أود أن انقل لكم امتنان جميع العراقيين، الذين يقاتلون من أجل حكم ديمقراطي و مجتمع مدني، و أن كفاحنا ضد حكم الاستبداد لم يكن ليحقق التقدم الذي حققناه، و تعجز الكلمات عن الإفصاح عن العرفان لأولئك الذين فقدوا أحباء لهم في العراق. إننا نشعر بألمكم، و نحن نبجل تضحياتكم و سوف لا ننساكم. أقول لكل من لديه اليوم أقارب أو أصدقاء في العراق، إن أبناءكم و بناتكم يقومون بمساعدتنا خلال هذا التحول التاريخي و المهم و سوف نتذكر دائما التضحيات التي تقدمها أمريكا من اجل العراق.
شكرا للولايات المتحدة الأمريكية، إننا الآن ننتقل بالعراق من بلد يحكمه الخوف و الاضطهاد و الدكتاتورية إلى بلد تحكمه الديمقراطية و تترسخ فيه قيم المساواة و التسامح و حقوق الإنسان و سطوة القانون. إن يوم التاسع من نيسان عام 2003 و الذي هو يوم التحرير الذي آذن بحلول عهد جديد في تاريخ العراق و المنطقة، هذا اليوم الذي دشن بداية لسلسلة من الأحداث التي أرست أسس العراق الحديث، المتجسدة بطموحه إلى العيش بسلام مع نفسه و مع العالم.
لقد عاد التحرير بالخير على جميع مكونات الشعب العراقي، فخلال حكم صدام، كانت غالبية أبناء العرب السنة في العراق مهمشة، من قبل صدام و أفراد عصابته الذين كانوا يحكمون باسم هذا المكوّن، و لكن في الواقع، لم يكن لأبناء السنة العرب أبداً أن يختاروا ممثليهم بصورة ديمقراطية كما ان تقرير مستقبلهم لم يكن رهنا بهم.
أما اليوم، فان لدى العرب السنة 58 نائبا في البرلمان و من هذه الطائفة أيضا نائب رئيس الجمهورية و نائب رئيس الوزراء و رئيس البرلمان، و هم جميعا منتخبون من قبل الشعب العراقي.
أما الغالبية الشيعية فقد كانت مضطهدة و تعاني من التمييز لعقود طويلة، كما لم يكن لأبناء هذه الطائفة الحق في أن يمارسوا حتى شعائرهم الدينية، بينما هم الآن مواطنون متساوون مع غيرهم و لهم مواقع رئيسية في الحكومة و البرلمان و ذلك من خلال ممثليهم الذين تم انتخابهم بصورة ديمقراطية.
و كان الكرد مواطنين من الدرجة الثانية، و عانوا من الإبادة الجماعية و القصف الكيمياوي، و اليوم هم مواطنون متساوون في المجتمع العراقي و هم مشاركون فاعلون في إدارة بلدهم العراق. و كذلك الحال بالنسبة للتركمان و الآشوريين و المكونات الأخرى للمجتمع العراقي.
باختصار، إن لدى العراق الآن حكومة منتخبة و ممثلة للجميع و لا يجمعها جامع بالسلطة المتعطشة للدماء و بالطاغية الفاسد. و بكلمات أخرى، فان العراق لم يعد مُلكاً لعصابة تحكم بإشاعة الخوف و ممارسة الاضطهاد، و يشعر كل عراقي اليوم ان لديه سنداً في العراق الجديد. و مع زوال نظام صدام، فان دول الشرق الأوسط لم تعد لديها أية مخاوف أو قلق من مغامرات جديدة يقوم بها صدام و جيشه خارج حدود العراق الدولية. في كل مرة أزور فيها الولايات المتحدة الأمريكية، اقتنع بفضيلة و صحة أفكار الحكومة الأمريكية، و كرم شعبها.
كنت هنا في مثل هذا الوقت من العام الماضي، و بودي أن أطلعكم على التطورات التي حصلت منذئذ، رغم ان علي الإشارة إلى أنني لا اعتقد أن وضعنا يمكن فهمه ببساطة عن طريق متابعة آخر الأخبار، و إنما يجب أن تكون هناك نظرة أوسع للوضع في العراق. و لذا سأبدأ بالحديث عن الاقتصاد.
إن الحالة الاقتصادية لمعظم العراقيين قد تحسنت، و إن الاقتصاد قد تحرر من سيطرة الدولة و نحن الآن نقوم بالخطوة الأولى المتعلقة بخلق قطاع خاص حيوي، و أود ان اشكر رجال الأعمال من القطاع الخاص عندنا، فبفضلهم نجد أن أسواقنا حافلة بالنشاط على الرغم من عدم استقرار الوضع الأمني. إن قانون الاستثمار الجديد مطروح على البرلمان الآن، و من شأنه أن يقوي قطاعنا الخاص و ينظم إجراءات البدء بأعمال جديدة و يفتح البلاد أمام الاستثمارات و المشاركات الأجنبية بصورة أوسع.
إن رواتب موظفي الدولة قد ازدادت بمعدل 100 مرة أو أكثر، حيث كان رجل الشرطة في عهد صدام يتقاضى من 2-3 دولارات أمريكية كل شهر، أما الآن فإن رجل الشرطة يتقاضى ما لا يقل عن 200 دولار في الشهر. إن الازدهار المالي و الاقتصادي يمكن ملاحظته في المناطق الأكثر أمنا في العراق، حيث يوجد في مدينة السليمانية بإقليم كردستان العراقي أكثر من 2000 مليونير، مقارنة مع 12 قبل التحرير.
على الصعيد السياسي، فقد عشنا عاماً حافلاً بالأحداث، و لأول مرة في تاريخ العراق، صادقنا على الدستور الذي يتضمن الكثير من القيم التي ترسخ دعائم الديمقراطية و حقوق الإنسان و المساواة و حكم القانون و الإدارة الجيدة.
و بعد ثلاث عمليات اقتراع تاريخية، و التي كانت علامة مميزة في تاريخ الشرق الأوسط، غدت لدينا الآن حكومة من الشعب، و ليس ضد الشعب، على حد قول الشخصية الوطنية الأميركية المعروفة توماس باين. و خلافا للانتخابات السابقة، فقد صوّت في انتخابات كانون أول الماضي أكثر من 10.5 مليون ناخب، و نشأ لدينا برلمان يمثل الجميع و بصورة أوسع من السابق و انبثقت عنه حكومة وحدة وطنية حاضرة الآن.
إن المشاركة في الانتخابات الوطنية و الاستفتاء على الدستور كانتا من الخطوات الأولى في سياق الجهود التي نبذلها من اجل المصالحة الوطنية، و لقد اخترنا صندوق الاقتراع سبيلا لحل خلافاتنا و ليس الرصاص. و قد عززنا ذلك بخطة المصالحة الوطنية التي أطلقها رئيس الوزراء نوري المالكي، هذه الخطة التي تهدف إلى سحب جميع عناصر الطيف السياسي العراقي إلى العملية السياسية التي تشجب الإرهاب و العنف. و خلال الفترة بين إجراء الانتخابات و إكمال تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، قامت الكتل السياسية التي تألفت منها الحكومة فيما بعد، بالاتفاق على البرنامج السياسي للحكومة، و على تشكيل المجلس السياسي للأمن الوطني.
ان محاكمة صدام حسين و مساعديه، عن جرائم اقترفت ضد الشعب العراقي، هي حدث مهم و علامة مميزة للعراق الجديد خلال العام الماضي. فقد توفرت له العدالة التي كان يرفض منحها للعراقيين لعقود من الزمن. و إن سير المحكمة و إفادات الشهود و المتهمين هي شواهد دامغة و أدلة بينة تميز بين ما كان عليه العراق في الماضي و ما يشارف عليه الآن.
و باعتماد الدستور و الوسائل القانونية الأخرى، سنعيد تحديد الأسس التي يقوم عليها العراق، و نعيد بناء ما دمره ماضي البلاد الدموي، و ليس لدينا خيار سوى النجاح. و من جانبهم، يحاول أعداؤنا أن يحطموا و يعطلوا قدر طاقتهم، العملية السياسية، ليس لأنهم غير موافقين على الأفكار التي تضمنها الدستور العراقي، بل لأنهم لا يريدون دستوراً. إن القوة الأساسية لأعدائنا تتمثل في فريق من الإرهابيين الدوليين و أنصار النظام القديم من الموالين لصدام حسين و المستفيدين من نظامه، و هم يحاولون أن يوقعوا بين العراقيين، و أن يعودوا بالعراق إلى الماضي الوحشي و الدموي.
و إن تكتيكهم في تدبير التفجيرات الانتحارية و قطع الرؤوس يظهر للعيان أنهم يريدون أن يحكموا عن طريق الإرهاب و الخوف، تماماً مثلما كان يفعل صدام. و ثمة مناطق في العراق آمنة و مؤمَّنة، و لكن هناك مناطق أخرى مازالت تتعرض لهجمات من قبل العدو الشرير و المتعطش للدماء. بدعم المواطنين في بغداد، بدأت الحكومة خطتها الأمنية في بغداد و قد ظهرت بوادر على نجاح هذه الخطة و هي تتمثل في انخفاض حوادث العنف خلال الشهر الماضي.
إن المعركة في العراق هي ليست بين مكونات اجتماعية مختلفة، إذ ان الممثلين المنتخبين لهذه المكونات اتفقوا على تشكيل حكومة الوحدة الوطنية و على المصالحة الوطنية. كما أنها ليست معركة بين الحضارات، كما يراها البعض، بل أنها حرب "من أجل الحضارة" على حد التعبير الموفق لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير، فالصراع هو بين من يؤمنون بالحضارة و من يرفضون أيما حضارة على الإطلاق. لا شك في أنكم تدركون بأننا نقاتل في حرب صعبة و شاقة و إننا نفعل ما بوسعنا لحماية شعبنا من فاشية سافرة تدفع الشعب إلى أتون حرب أهلية.
إن الجريمة المتورط فيها الزرقاوي و أتباعه، المتمثلة في تفجير القبة في سامراء و هي من المقدسات الدينية و الكنوز الثقافية للعراق، هي من الأدلة الكبرى على ما تحتويه أجندتهم، و سعيهم إلى دفع البلاد نحو الحرب الأهلية. و بفضل وجود القوات الأمريكية في العراق و حكمة زملائي في القيادة العراقية، تم احباط ذلك المخطط و احتواء الانفجار المفاجئ للعنف.
أود أن أكون صريحا معكم، نحن ما زلنا بحاجة لمساعدتكم من أجل إنقاذ العراق من خطر العنف الدائم. إن القوات العراقية تتقدم تدريجيا و على مهل، في تعزيز قدرتها على القتال و مواجهة الإرهاب، و في الآونة الأخيرة سلّمت القوات المتعددة الجنسيات السيطرة الكلية لصالح الحكومة العراقية. إن القوات المشتركة تضم الآن جنوداً من العراق أكثر من أي بلد آخر ممثل في قوات التحالف. إن قدرة قواتنا تتطور ببطء و لكن بخطى واثقة، فان العراق سيكون قادرا على حماية نفسه بنفسه. إن المخاطر في العراق كثيرة، و كذلك التحولات العالمية، و لهذا السبب ينبغي ان تكون بلادنا نقطة اهتمام لكل بلد ديمقراطي في العالم.
استطيع أن أؤكد لكم أن الانسحاب الفوري لقوات التحالف، سيؤدي إلى تفاقم التوتر ما بين المكونات المختلفة للمجتمع، و سنفقد كليا آفاق قيام عراق آمن، و إن ما نعرفه سابقا عن الحروب الأهلية سيكون وصفا ناقصا و باهتا بالمقارنة مع الدماء التي سوف تراق في حال فقد العراق الدعم الدولي. و رغم أنني لا استطيع أن أتعهد بموعد و كيفية انتهاء الوجود الأمريكي في العراق، إلا ان بوسعي التأكيد على ان الجنود الأمريكيين لا يقاتلون عبثا.
إننا في العراق ندرك ضخامة الموارد التي قدمتها من الولايات المتحدة، كما و نفهم أيضا أن الكثير من الأمريكيين قد أصيب بالاحباط جراء الحرب و إننا نفهم أن الهواجس تتناسب بصورة طردية مع المشقة. إنني أدرك أن الكثيرين من الأمريكيين كانوا متحفظين على قرار الذهاب إلى الحرب و لكنني اطلب منهم أن ينسوا ذلك في سبيل دعم عراق ديمقراطي حر، و من أجل مستقبل للعراقيين خال من العنف و التطرف. و أرجو ان تضعوا في حسبانكم ما يمكن أن يعنيه الفشل في العراق و ما سيعنيه للعراق و الولايات المتحدة و المجتمع الدولي و لعلي أقول إن مصلحة العراق و الولايات المتحدة الأمريكية متطابقة في هذه القضية.إن الولايات المتحدة الأمريكية تتحمل مسؤولية كبيرة في مساعدتنا، و أن مستوى علاقاتنا يرقى إلى مستوى الشراكة العميقة بين البلدين".
https://telegram.me/buratha