بغداد (د.ب.أ) - ينذر شبح التهجير القسري المتصاعد في العراق تحت تهديد الجماعات المسلحة بتفتيت النسيج الاجتماعي للعائلات في الوقت الذي تقف فيه الحكومة عاجزة عن التصدي لهذا الخطر المحدق. وترسل جماعات مسلحة في بعض المدن تهديدات مكتوبة إلى العائلات تنذرهم فيها بالقتل وتلزمهم مغادرة ديارهم خلال أيام قليلة، فيما ترسل جماعات أخرى مظروفا توضع بداخله ورقة التهديد إلى جانبها طلقة رصاص، في حين يداهم المسلحون في بعض المناطق المنازل لطرد الأسر فورا من دون سابق إنذار. ويشمل هذا الحال جميع العائلات بدون استثناء، لكن التهجير شمل الشيعة بشكل أكبر لكونهم يشكلون الأغلبية في المجتمع العراقي منذ التفجير المدمر الذي استهدف مرقد الإمامين علي الهادي والحسن العسكري في مدينة سامراء في 22 فبراير (شباط) الماضي. وأعلنت وزارة المهجرين والمهاجرين في أحدث إحصائية موثقة لها ارتفاع أعداد العائلات النازحة إلى 35 ألفا و593 أسرة. ويشمل هذا الرقم بالطبع العائلات المسجلة لدى الوزارة التي تعيش حاليا في مخيمات لاجئين وأبنية مهجورة أعدت كمعسكرات لإيواء النازحين. لكن مئات العائلات الميسورة آثرت العيش في مناطق أخرى أو الهجرة من البلاد، فيما لجأ آخرون للعيش في منازل أقارب لهم في مدن غير مدنهم الأصلية تخوفا من بطش الجماعات المسلحة وهؤلاء يندرجون خارج الإحصائية الرسمية للنازحين. أما الإجراءات التي تتخذها السلطات العراقية حاليا لإيواء النازحين في المخيمات فهي غير كافية بسبب تدني مستوى الخدمات وافتقار هذه المخيمات لأبسط مستلزمات الحياة في ظل درجة حرارة تجاوزت 49 درجة مئوية خلال الأشهر الثلاثة الماضية فضلا عن أن الحال قد يستمر إلى فصل الشتاء. وتعد ضواحي بغداد أكثر مناطق البلاد تضررا وتعرضا للتهجير حيث بلغ عدد الأسر المهجرة فيها 4624 أسرة غالبيتها كانت تعيش في مناطق العامرية وأبو غريب والحصوة والمدائن وحي الخضراء وخان ضاري والغزالية والشعلة والأعظمية والتاجي. وتقف الحكومة العراقية وأطراف العملية السياسية عاجزة أمام تصاعد عمليات نزوح العائلات من منازلها بفعل تهديد الجماعات المسلحة في مختلف المدن وذلك في وقت لم تحقق فيه العملية الأمنية في بغداد أي بوادر تبشر بقرب إعادة المهجرين إلى منازلهم. وتعمل أحزاب دينية وأخرى جماهيرية بجانب منظمات الهلال الأحمر وجهات حكومية على احتضان العائلات المهجرة وإقامة معسكرات ومخيمات للاجئين تم تجهيزها بمستلزمات بسيطة لإيواء النازحين، فيما اضطرت الظروف آخرين إلى السكن في ثكنات مهجورة للجيش العراقي السابق حيث تم توزيع بطانيات ومؤن غذائية وأجهزة طبخ ومستلزمات أخرى عليهم. وفي الوقت نفسه خصصت الحكومة ملايين الدولارات لتوزيعها على العائلات النازحة لتمكينها من العيش بأمان فضلا عن منحها رواتب من شبكة الحماية الاجتماعية بعد أن فقد آلاف من النازحين فرص عملهم في الورش الصناعية والمحال التجارية، كما اضطرت هذه الأوضاع المئات من الأطفال إلى عدم استكمال دراستهم. وتعول الحكومة العراقية كثيرا على مؤتمر زعماء العشائر المزمع عقده في هذه الأيام في إطار برنامج المصالحة الوطنية الذي دعا إليه رئيس الوزراء نوري المالكي قبل أكثر من شهر وذلك للاتفاق على برنامج لإعادة النازحين إلى ديارهم للحفاظ على نسيج المجتمع العراقي من خطر التفتت.